الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
الجزء الثاني بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَفْظَ الْبَيْعِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ كَغَيْرِهِ بِالْبُيُوعِ تَأَسِّيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَيُطْلَقُ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَسِيمُ الشِّرَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يُشْتَقُّ مِنْهُ لِمَنْ صَدَرَ عَنْهُ لَفْظُ الْبَيْعِ. وَحَدُّهُ: نَقْلُ مِلْكٍ بِثَمَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَالشِّرَاءُ قَبُولُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: بِعْت بِمَعْنَى شَرَيْتُ وَبِالْعَكْسِ. قَالَ تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أَيْ بَاعُوهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} وَيُقَالُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَائِعٌ وَبَيْعٌ وَمُشْتَرٍ وَشَارٍ. الثَّانِي: الْعَقْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّرْجَمَةِ، وَهُوَ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ قَالَ الشَّاعِرُ: مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَّا بِوَصْلِكُمْ *** وَلَا أُسَلِّمُهَا إلَّا يَدًا بِيَدِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَذَا قَالُوهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ لِيَخْرُجَ رَدُّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْعًا ا هـ. وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ الْقَرْضُ كَمَا لَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا بِمِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ فَإِنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَا بِبَيْعٍ، وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدَانِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ. فَإِنْ أُجِيبَ عَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْمَالَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، رُدَّ بِلُزُومِ كَوْنِ الْحَدِّ غَيْرَ جَامِعٍ لِجَوَازِ جَعْلِ الثَّمَنِ مَنْفَعَةً. وَقَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ بِدُخُولِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْمَالِ، فَقَالَ: الْأَمْوَالُ تَنْقَسِمُ إلَى أَعْيَانٍ وَمَنَافِعَ، وَأَيْضًا الْمُقَابَلَةُ الْمُطْلَقَةُ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهَا فِي عَقْدٍ وَلَا أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ يَقْتَضِي انْتِقَالَ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ تَمْلِيكًا. أُجِيبَ عَنْ الْقَرْضِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ حَالَةَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْمُقَابَلَةِ مُفَاعَلَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْجَانِبَيْنِ وَالْقَرْضُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي الدَّفْعُ وَتَسْمِيَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ خَاصَّةً، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الْعِوَضَيْنِ لِتَحَقُّقِ الْمُفَاعَلَةِ، وَعَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ أَمْوَالًا عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ وَالْمَجَازِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مَعْدُومَةٌ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهَا. وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، فَقَدْ مَنَعَ جَمَاعَةٌ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ مَنَافِعُ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِمَنْفَعَةٍ لَمْ يُقْبَلْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَقَوْلُهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّ الْمَنْفَعَةَ تُحْسَبُ قِيمَتُهَا مِنْ الثُّلُثِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَالْمَالِ الْمُفَوَّتِ لَا أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَالٌ لِأَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِأَجْلِ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَأَيْضًا الْمَحْدُودُ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ لَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنَافِعِ جِنْسٌ بِرَأْسِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُسَمَّى مَالًا حَقِيقَةً لَمْ تَرِدْ عَلَى الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِ الِاصْطِلَامِ.. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِأَجْلِ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَمَا دَخَلَهُ التَّقْدِيرُ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً كَمَا يُقَدَّرُ الْمَيِّتُ حَيًّا لِيَمْلِكَ الدِّيَةَ وَتُورَثُ عَنْهُ، وَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ يُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَدَخَلَ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَنَحْوِهِ، وَخَرَجَتْ الْإِجَارَةُ بِقَيْدِ التَّأْقِيتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا. وَلِهَذَا لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِهِ كَمَا مَرَّ، وَالْقَرْضُ بِقَيْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعَاوَضَةً عُرْفًا، وَعَقْدُ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ بِقَيْدِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَالزَّوْجَةُ وَالْجَانِي لَا يَمْلِكَانِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدَانِ رَفْعَ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ وَمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ خَرَجَ بِقَيْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعَاوَضَةً عُرْفًا، وَهَذَا الْحَدُّ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِمَا لَا يَخْفَى. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} وقَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ بَيْعٍ إلَّا مَا خُصَّ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بُيُوعٍ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ وَالسُّنَّةُ مُبَيِّنَةٌ لَهَا، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَدَلُّ بِهَا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُسْتَدَلُّ وَأَحَادِيثُ كَحَدِيثِ سُئِلَ النَّبِيُّ: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ فَقَالَ: {عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ} أَيْ لَا غِشَّ فِيهِ وَلَا خِيَانَةَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَحَدِيثِ {إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ}.
المتن: شَرْطُهُ الْإِيجَابُ: كَبِعْتُك وَمَلَّكْتُك، وَالْقَبُولُ: كَاشْتَرَيْت وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت.
الشَّرْحُ: وَأَرْكَانُهُ فِي الْمَجْمُوعِ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ: عَاقِدٌ وَهُوَ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَهُوَ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ، وَصِيغَةٌ وَهِيَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْعَاقِدِ. ثُمَّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَّ الصِّيغَةِ، لَكِنَّهُ بَدَأَ بِهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فِيهَا، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْعَاقِدَ وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالشَّرْطِ خِلَافَ تَعْبِيرِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَالْغَزَالِيِّ بِأَرْكَانِ الْبَيْعِ وَالتَّعْبِيرُ بِالرُّكْنِ أَوْلَى. نَعَمْ قَدْ يُرَادُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيُسَاوِي التَّعْبِيرَ بِالرُّكْنِ، فَقَالَ: (شَرْطُهُ) أَيْ الْبَيْعِ صِيغَةٌ، وَهِيَ (الْإِيجَابُ) مِنْ الْبَائِعِ، وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ دَلَالَةً ظَاهِرَةً (كَبِعْتُك) بِكَذَا (وَمَلَّكْتُك) بِكَذَا، وَهَذَا مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا، أَوْ أَنَا بَائِعُهُ لَك بِكَذَا كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ، وَكَهَذَا لَك بِكَذَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ.
تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَبِعْتُك أَوْ مَلَّكْتُك، وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (وَالْقَبُولُ) مِنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً (كَاشْتَرَيْت وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت) وَرَضِيت كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ، وَنَعَمْ فِي الْجَوَابِ كَمَا سَيَأْتِي وَتَوَلَّيْت وَنَحْوِهَا، وَبِعْت عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ حَتَّى أَنَّهُمَا يُشْتَرَطَانِ فِي عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ طَرَفَيْهِ كَالْبَيْعِ لِمَالِهِ مِنْ طِفْلِهِ وَعَكْسُهُ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا، إذْ مَعْنَى التَّحْصِيلِ غَيْرُ مَعْنَى الْإِزَالَةِ، وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونُ وَكَذَا السَّفِيهُ إذَا بَلَغَ سَفِيهًا، وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ الْحَاكِمُ فَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ الْأَبِ، فَلَوْ وَكَّلَ الْحَاكِمُ الْأَبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَتَوَلَّ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْحَاكِمِ فَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ. وَهَلْ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ أَحَدِ ابْنَيْهِ مِنْ الْآخَرِ، وَهُمَا تَحْتَ حَجْرِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ فِي الْبَيْعِ إلَى الصِّيغَةِ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ} صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الصِّيغَةُ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ إذْ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ بِوَضْعِهِ، فَالْمَقْبُوضُ بِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، فَيُطَالِبُ كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ، وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ إنْ سَاوَى قِيمَةَ مَا دَفَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ ظَفِرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ. هَذَا فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِطِيبِ النَّفْسِ بِهَا، وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَأَقَرَّهُ قَالَ: وَخِلَافُ الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ، وَيُعْطِيَا مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ، وَقَدْ يُوجَدُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ الِانْعِقَادَ بِهَا فِي كُلِّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ فَيُرْجَعُ لِلْعُرْفِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ، وَبَعْضُهُمْ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَالرُّويَانِيِّ خَصَّصَ جَوَازَ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْمُحَقَّرَاتِ، وَهِيَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالْمُعَاطَاةِ: كَرِطْلِ خُبْزٍ وَحُزْمَةِ بَقْلٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مَنْ وَسَمَ بِالْبَيْعِ اكْتَفَى مِنْهُ بِالْمُعَاطَاةِ كَالْعَامِّيِّ وَالتَّاجِرِ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا بِاللَّفْظِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَمَّا إذَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْبَيَّاعِ وَيُحَاسِبُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَيُعْطِيهِ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةٍ. فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ وَلْيَحْذَرْ مِنْهُ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ نَحْوَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ تَفَقُّهًا، وَمِنْ كَلَامِهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْإِحْيَاءِ مُسَامِحٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَأَخْذُ الْحَاجَاتِ مِنْ الْبَيَّاعِ يَقَعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي بِكَذَا لَحْمًا أَوْ خُبْزًا مَثَلًا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ، فَيَدْفَعُ إلَيْهِ مَطْلُوبَهُ فَيَقْبِضُهُ وَيَرْضَى بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبُهُ وَيُؤَدِّي مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَجْزُومٌ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُعَاطَاةَ فِيمَا أَرَاهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَلْتَمِسَ مَطْلُوبَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِثَمَنٍ كَأَعْطِنِي رِطْلَ خُبْزٍ أَوْ لَحْمٍ مَثَلًا فَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَهَذَا مَا رَأَى الْغَزَالِيُّ إبَاحَتَهُ وَمَنَعَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ: " إنَّهُ لَا يُعَدُّ مُعَاطَاةً " وَلَا بَيْعًا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا، وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ ثَمَنِ الْحَاجَةِ مَعْلُومًا لَهُمَا عِنْدَ الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ لَفْظًا ا هـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِكَافِ التَّشْبِيهِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِيَغِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِيهِ، فَيَكْفِي غَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ، وَمِنْ أَلْفَاظِ صِيَغِ الْإِيجَابِ صَارَفْتُكَ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ، وَقَرَّرْتُك بَعْدَ الِانْفِسَاخِ بِأَنْ يَقُولُ الْبَائِعُ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ قَرَّرْتُك عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَيَقْبَلُ صَاحِبُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْقِرَاضِ وَوَلَّيْتُك وَأَشْرَكْتُك، وَمِنْ أَلْفَاظِ الْقَبُولِ صَارَفْتُ وَتَقَرَّرَتْ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ فِي جَوَابِ قَرَّرْتُك وَتَعَوَّضْت فِي جَوَابِ عَوَّضْتُك، وَقَدْ فَعَلْت فِي جَوَابِ اشْتَرِ مِنِّي ذَا بِكَذَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي النِّكَاحِ، وَفِي جَوَابِ بِعْتُك كَمَا فِي زِيَادَاتِ الْعَبَّادِيِّ. نَقَلَهُ عَنْهَا الْإِسْنَوِيُّ، وَبِكَافِ الْخِطَابِ فِي الْإِيجَابِ إلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إسْنَادَ الْبَيْعِ إلَى الْمُخَاطَبِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُسْنَدْ إلَى أَحَدٍ كَمَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: بِعْت هَذَا بِعَشَرَةٍ مَثَلًا، فَيَقُولُ: بِعْتُ فَيَقْبَلُهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى غَيْرِ الْمُخَاطَبِ كَبِعْت مُوَكِّلَك بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ ثَمَّ سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَقَدْ لَا يُعْتَبَرُ الْخِطَابُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَوَسِّطِ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِلْبَائِعِ: بِعْت هَذَا بِكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَوْ بِعْت، وَيَقُولُ لِلْآخَرِ اشْتَرَيْت؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَوْ اشْتَرَيْت، فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِوُجُودِ الصِّيغَةِ، وَلَوْ كَانَ الْخِطَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَاوِي الصِّحَّةُ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخِي عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُخَاطَبَةِ وَلَمْ يُوجَدْ. نَعَمْ إنْ أَجَابَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ فِيمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ نَعَمْ دُونَ بِعْت، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَسِّطِ التَّكْلِيفُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْكَ هَذَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ: نَعَمْ أَوْ قَالَ: بِعْتُك فَقَالَ الْمُشْتَرِي: نَعَمْ صَحَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ اسْتِطْرَادًا، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ شَيْخَنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا الْتِمَاسَ فَلَا جَوَابَ، وَيَدُلُّ لِصِحَّةِ الْقَبُولِ بِنَعَمْ مُتَأَخِّرَةً عِبَارَةُ ابْن قَاضِي عَجْلُونٍ فِي تَصْحِيحِهِ، وَهِيَ: وَيَمْتَنِعُ الِابْتِدَاءُ بِنَعَمْ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَبُولِ بِهَا مُتَأَخِّرَةً وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ. الْأَمْرُ الثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ إسْنَادِهِ إلَى جُمْلَتِهِ فَلَا يَصِحُّ بِعْته لِيَدِك، أَوْ لِنِصْفِك. وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الرُّكْن الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ ضَابِطَ مَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ إلَى الْجُزْءِ وَمَا لَا يَصِحُّ فَقَالَ: قَالَ الْأَصْحَابُ: مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَمَا لَا يَقْبَلُهُ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ الْمَحَلِّ كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ ا هـ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَفَالَةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَتَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى جُزْءٍ لَا يَبْقَى الشَّخْصُ بِدُونِهِ كَرَأْسِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى أَيِّ جُزْءٍ كَانَ، وَهَذَا إلَى جُزْءٍ مَخْصُوصٍ.
تَنْبِيهٌ: اعْتِبَارُ الصِّيغَةِ جَارٍ حَتَّى فِي الْبَيْعِ الضِّمْنِيِّ، لَكِنْ تَقْدِيرًا كَأَنْ يُقَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَيَفْعَلُ، فَإِنَّهُ يُعْتِقُ عَنْ الطَّالِبِ وَيَلْزَمُهُ الْعِوَضُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بِعْنِيهِ وَأَعْتِقْهُ عَنِّي. وَقَدْ أَجَابَهُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ صِيغَةِ الثَّمَنِ لِوُضُوحِ اشْتِرَاطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، وَلَهُ صِيَغٌ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ بِكَذَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهِيَ الْأَصْلُ. وَمِنْهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَنِي كَذَا. وَمِنْهَا وَلِي عَلَيْك كَذَا أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي: وَلَك عَلَيَّ كَذَا. وَمِنْهَا: بِعْتُك عَلَى أَلْفٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
المتن: وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي فَقَالَ: بِعْتُك انْعَقَدَ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي) عَلَى لَفْظِ الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ ذَلِكَ، وَمَنَعَ الْإِمَامُ وَالْقَفَّالُ تَقَدُّمَ قَبِلْت، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ هُنَا. لَكِنْ ذَكَرَا فِي التَّوْكِيلِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوَّلًا: قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ مِنْكَ لِفُلَانٍ فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ: زَوَّجْتهَا فُلَانًا جَازَ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَبِلْت بَيْعَ هَذَا مِنْكَ بِكَذَا لِمُوَكِّلِي أَوْ لِنَفْسِي، فَقَالَ: بِعْتُك أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي الْبَيْعِ (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ: (بِعْنِي) كَذَا بِكَذَا (فَقَالَ: بِعْتُك انْعَقَدَ) الْبَيْعُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِدَلَالَةِ بِعْنِي عَلَى الرِّضَا. وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ: اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ: بِعْنِي لِاسْتِبَانَةِ الرَّغْبَةِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ: اشْتَرَيْت، فَكَمَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي، فَقَالَ: بِعْتُك قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ لَمْ تُفْهِمْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت هَذَا مِنْكَ بِكَذَا، فَقَالَ: بِعْتُك انْعَقَدَ إجْمَاعًا كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ لِابْنِ يُونُسَ، فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ بِأَنْ أَتَى بِلَفْظِ الْمَاضِي أَوْ الْمُضَارِعِ كَقَوْلِهِ: بِعْتنِي أَوْ تَبِيعُنِي، فَقَالَ: بِعْتُك لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ حَتَّى يَقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمُضَارِعِ الْمَقْرُونِ فَاللَّامُ الْأَمْرِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْكَ كَذَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ: مَلَّكْتُك. أَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ: مَلَّكْتُك فَقَالَ: اشْتَرَيْت صَحَّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِفَعَلْت فِي جَوَابِ بِعْنِي، وَكَذَا بِنَعَمْ فِي جَوَابِ بِعْت وَاشْتَرَيْت كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ صَرِيحٌ.
المتن: وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ كَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: وَاسْتَغْنَى عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ بِقَوْلِهِ (وَيَنْعَقِدُ) أَيْ الْبَيْعُ (بِالْكِنَايَةِ) وَهِيَ مَا تَحْتَمِلُ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مَعَ النِّيَّةِ (كَجَعَلْتُهُ لَك) أَوْ خُذْهُ أَوْ تَسَلَّمْهُ أَوْ سَلَّطْتُك عَلَيْهِ (بِكَذَا) نَاوِيًا الْبَيْعَ فَيَنْعَقِدُ بِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) فَفِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ إلَى الِانْعِقَادِ بِالْكِنَايَةِ كَمَا تَقَرَّرَ لَا إلَى كَوْنِ جَعَلْته مِنْ الْكِنَايَاتِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ فِي الْأَصَحِّ كَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَدْرِي أَخُوطِبَ بِبَيْعٍ أَمْ بِغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ الْبَيْعِ، وَمِنْ الْكِنَايَةِ بَاعَكَهُ اللَّهُ بِكَذَا كَأَقَالَكَ اللَّهُ مِنْهُ بِكَذَا أَوْ رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْك فِي الْإِقَالَةِ بِخِلَافِ أَبْرَأَك اللَّهُ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ كَطَلَّقَكِ اللَّهُ، وَضَابِطُ ذَلِكَ: أَنَّ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ الشَّخْصُ وَحْدَهُ كَالْبَرَاءَةِ كَانَ صَرِيحًا وَمَا لَا كَالْبَيْعِ فَكِنَايَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ كِنَايَةِ الْبَيْعِ أَبَحْتُكَ إيَّاهُ بِكَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِبَاحَةِ مَجَّانًا فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَاسْتُثْنِيَ فِي الْمَطْلَبِ صِحَّةُ طَلَاقِ السَّكْرَانِ بِالْكِنَايَةِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقِيَاسُهُ مَنْعُ صِحَّةِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِهَا ا هـ.
وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ سَائِرُ الْعُقُودِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيقَ، فَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى إرَادَةِ الْبَيْعِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَجَبَ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ، وَالنِّكَاحُ وَبَيْعُ الْوَكِيلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْإِشْهَادُ لَا يَنْعَقِدَانِ بِهَا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ. نَعَمْ إنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَرَ، وَصُورَةُ الشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ: بِعْ هَذَا عَلَى أَنْ تُشْهِدَ. فَإِنْ قَالَ: بِعْ وَأَشْهِدْ لَمْ يَكُنْ الْإِشْهَادُ شَرْطًا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَرْعَشِيُّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَالْكِتَابَةُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ عَلَى نَحْوِ لَوْحٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ أَرْضٍ كِنَايَةٌ فِي ذَلِكَ، فَيَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمَائِعِ وَنَحْوِهِ كَالْهَوَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَالَ الِاطِّلَاعِ لِيَقْتَرِنَ بِالْإِيجَابِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. فَإِذَا قَبِلَ فَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ قَبُولِهِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْكَاتِبِ مُمْتَدًّا إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ صَاحِبِهِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِيجَابِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسَهُ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ: أَيْ لَمْ يَسْتَمِرَّ وَإِنْ كَتَبَ بِذَلِكَ لِحَاضِرٍ صَحَّ أَيْضًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالسُّبْكِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ بَاعَ مِنْ غَائِبٍ كَأَنْ قَالَ: بِعْت دَارًا لِفُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَقَبِلَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ صَحَّ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ بَلْ أَوْلَى..
المتن: وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا.
الشَّرْحُ: فَرْعٌ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ بِالْعَجَمِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ قَطْعًا، وَفِي النِّكَاحِ خِلَافُ التَّعَبُّدِ، وَالْأَصَحُّ فِيهِ الصِّحَّةُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ) بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ، وَقَوْلُهُ (بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا) مِثَالٌ. وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى، فَإِنْ طَالَ ضَرَّ؛ لِأَنَّ طُولَ الْفَصْلِ يُخْرِجُ الثَّانِي عَنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ الْأَوَّلِ، وَالطَّوِيلُ كَمَا قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ: هُوَ مَا أَشْعَرَ بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْيَسِيرِ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقَبُولِ، وَيَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْعَقْدِ وَلَوْ يَسِيرًا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ، لِأَنَّ فِيهِ إعْرَاضًا عَنْ الْقَبُولِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فِي الْخُلْعِ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ شَائِبَةَ التَّعْلِيقِ، وَمِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ شَائِبَةَ جَعَالَةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوَسَّعٌ فِيهِ مُحْتَمِلٌ لِلْجَهَالَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ الْعَقْدَ أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَمِنْ عَدِّهِمْ فِي بَابِ الْخُلْعِ الرِّدَّةَ مِنْ الْمُوجِبِ كَلَامًا يَسِيرًا: أَيْ أَجْنَبِيًّا، وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ تَعَلُّقُهُ بِالْعَقْدِ بَاقٍ مَا لَمْ يَقَعْ الْقَبُولُ فَإِنَّهُ لَوْ جُنَّ أَوْ خَرَجَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْقَابِلِ. وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ مَا يَشْمَلُ الْكَلِمَ وَالْكَلِمَةَ لَا الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ النُّحَاةِ، وَخَرَجَ بِالْأَجْنَبِيِّ غَيْرُهُ فَلَا يَضُرُّ، وَفُسِّرَ فِي الْأَنْوَارِ الْأَجْنَبِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا مِنْ مَصَالِحِهِ وَلَا مِنْ (مُسْتَحَبَّاتِهِ). قَالَ: فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَبِلْت صَحَّ ا هـ. وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ أَمَّا عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ، لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا فِي النِّكَاحِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مِمَّنْ صَدَرَ مَعَهُ الْخِطَابُ، فَلَوْ مَاتَ الْمُخَاطَبُ بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ فَقَبِلَ وَارِثُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَكَذَا لَوْ قَبِلَ وَكِيلُهُ أَوْ مُوَكِّلُهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ خِلَافًا لِلنَّاشِرِيِّ الْقَائِلِ بِالصِّحَّةِ فِي الْمُوَكِّلِ، وَأَنْ يَصِرَّ الْبَادِي عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْإِيجَابِ إلَى الْقَبُولِ، وَأَنْ تَبْقَى أَهْلِيَّتُهُ كَذَلِكَ، فَلَوْ أَوْجَبَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ أَوْ الْخِيَارَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِضَعْفِ الْإِيجَابِ وَحْدَهُ، وَأَنْ يَتَلَفَّظَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ بِقُرْبِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ صَاحِبُهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا شَهْرًا مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُعَلَّقًا بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَلَوْ قَالَ: إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ بِعْتُك كَذَا لَمْ يَصِحَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَقَوْلِهِ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا إنْ شِئْت، فَقَالَ: اشْتَرَيْت أَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْكَ هَذَا بِكَذَا إنْ شِئْت فَقَالَ: بِعْتُك صَحَّ، وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ هَذَا مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ بِكَذَا، وَلَوْ قَالَ الْجَوَابَ: شِئْت، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَشِيئَةِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّ إنْ رَضِيت أَوْ إنْ أَجَبْت أَوْ إنْ اخْتَرْت أَوْ إنْ أَرَدْت كَأَنْ شِئْت، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك إنْ قَبِلْت، فَقَبِلَ صَحَّ كَمَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْكَ بِكَذَا فَقَالَ: بِعْتُك إنْ شِئْت لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ لِاقْتِضَاءِ التَّعْلِيقِ وُجُودَ شَيْءٍ بَعْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ: اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، إذْ يَبْعُدُ حَمْلُ الْمَشِيئَةِ عَلَى اسْتِدْعَاءِ الْقَبُولِ، وَقَدْ سَبَقَ فَيَتَعَيَّنُ إرَادَتُهَا نَفْسَهَا فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مَحْضًا وَهُوَ مُبْطِلٌ، وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت بِعْتُكَهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا لِأَصْلِ الْعَقْدِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ التَّعْلِيقِ مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ: إنْ كُنْت أَمَرْتُك بِعِشْرِينَ قَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا، وَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ مَرَّتْ فِي الْوُضُوءِ وَالْقِيَاسُ مَجِيئُهَا هُنَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْقَبُولُ عَنْ تَمَامِ الْإِيجَابِ وَمَصَالِحِهِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى شَهْرٍ بِشَرْطِ خِيَارِ الثَّلَاثِ فَقَبِلَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ الْبَائِعُ مِنْهُ بَطَلَ كَمَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ.
المتن: وَأَنْ يَقْبَلَ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ فَقَالَ، قَبِلْت بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَصِحَّ.
الشَّرْحُ: (وَأَنْ يَقْبَلَ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ) فِي الْمَعْنَى كَالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ وَالْحُلُولِ وَالْأَجَلِ (فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك) هَذَا الْعَبْدَ مَثَلًا (بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ فَقَالَ: قَبِلْت بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ) أَوْ عَكْسُهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى أَوْ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَبِلَ بَعْضَ الْمَبِيعِ أَوْ قَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ، كَأَنْ قَالَا: بِعْنَاك عَبْدَنَا بِأَلْفٍ فَقَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا (لَمْ يَصِحَّ) لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى، وَلَوْ قَالَ الْمُخَاطَبُ فِيمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: بِعْتُك بِأَلْفٍ قَبِلْت نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفَهُ الْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ مَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَى الْبُطْلَانِ، إذْ لَا مُخَالَفَةَ بِذِكْرِ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ، وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ عَقْدًا فَقَبِلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَيْ مِنْ الْإِشْكَالِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ: أَيْ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ الصِّحَّةُ. أَمَّا الْمُوَافَقَةُ لَفْظًا فَلَا تُشْتَرَطُ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك فَقَالَ: اشْتَرَيْت أَوْ نَحْوَهُ صَحَّ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ مَثَلًا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهَا صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا نِصْفَهَا، وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي بِمَعْنَى الْهِبَةِ: كَأَعْمَرْتُك أَوْ أَرْقَبْتُك كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّعْلِيقَةِ تَبَعًا لِأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْهِبَةُ بِهَذَا اللَّفْظِ لِلنَّصِّ، وَلَوْ قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْكَ كَذَا فِي هَذَا الثَّوْبِ مَثَلًا فَقَبِلَ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعٌ وَلَا سَلَمًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ مَعْنَى الْبَيْعِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ، فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ أَصْلًا كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ أَوْ قَصَدَهُ لَا لِمَعْنَاهُ، كَمَنْ لَقَّنَ أَعْجَمِيًّا مَا لَا يَعْرِفُ مَدْلُولَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْبَيْعَ أَوْ غَيْرَهُ هَازِلًا صَحَّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ.
المتن: وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْعَقْدِ كَالنُّطْقِ.
الشَّرْحُ: (وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ) وَكِتَابَتُهُ (بِالْعَقْدِ كَالنُّطْقِ) لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا فِي فُؤَادِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ النُّطْقُ مِنْ النَّاطِقِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ: مِنْ زِيَادَتِهِ بِالْعَقْدِ، بَلْ قَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهَا مَضَرَّةٌ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ وَالدَّعَاوَى وَالْأَقَارِيرَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ إشَارَتِهِ فِي الصَّلَاةِ وَبِالشَّهَادَةِ. وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ أَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ النُّطْقِ، وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الطَّلَاقِ وَضَمَّ الْحِلَّ إلَى الْعَقْدِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ إشَارَتَهُ إنْ فَهِمَهَا الْفَطِنُ وَغَيْرُهُ فَصَرِيحَةٌ أَوْ الْفَطِنُ فَقَطْ فَكِنَايَةٌ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَيَحْتَاجُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ، فَيَقُولَ كَالنُّطْقِ فِيهِ وَإِلَّا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ قَبُولُ الْأَخْرَسِ الْبَيْعَ فِي الصَّلَاةِ كَقَبُولِ النُّطْقِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ..
المتن: وَشَرْطُ الْعَاقِدِ الرُّشْدُ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْعَاقِدُ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَتَقَدُّمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ طَبْعًا، فَقَالَ: (وَشَرْطُ الْعَاقِدِ) بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا (الرُّشْدُ) وَهُوَ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْبُلُوغِ وَالصَّلَاحِ لِدِينِهِ وَمَالِهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَإِنْ قَصَدَ اخْتِبَارَهُ وَلَا مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَلَوْ بِغِبْطَةٍ، وَإِنَّمَا صَحَّ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ: إنَّ عِبَارَتَهُ أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ يُعْتَبَرُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ التَّكْلِيفُ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالسَّكْرَانِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ. وَالثَّالِثُ: الْمُكْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ مُكَلَّفٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. قَالَ: وَلَا يَرُدُّ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَى الْمِنْهَاجِ ا هـ. بَلْ وَلَا عَلَى الْمُحَرَّرِ. أَمَّا السَّكْرَانُ فَفِي كَوْنِهِ مُكَلَّفًا خِلَافٌ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ، فَقَالَ وَهَذَا: أَيْ السَّكْرَانُ آثِمٌ مَضْرُوبٌ عَلَى السُّكْرِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ ا هـ. وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا السَّفِيهُ وَالْمُكْرَهُ فَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ التَّكْلِيفُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ عَكْسُهُ، وَهُوَ اعْتِبَارُ بَيْعِ كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَكِنَّ التَّعَرُّضَ لَهُمَا أَحْسَنُ لَكِنْ لَا يَرُدَّانِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ كَمَا يَدِينُ الشَّخْصُ يُدَانُ: أَحَدُهَا: أَنَّ تَعْبِيرَهُ يُخْرِجُ السَّكْرَانَ أَيْضًا كَمَا أَخْرَجَهُ قَيْدُ التَّكْلِيفِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، إلَّا أَنْ يَفْرِضَ فِي سُكْرٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرُّشْدِ لِجَهْلٍ أَوْ إكْرَاهٍ وَهُوَ نَادِرٌ. ثَانِيهَا: أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَاسِقُ فَإِنَّ بَيْعَهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِرَشِيدٍ، إذْ الرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَإِذَا بَاعَ قَبْلَ إعَادَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحَّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَشِيدٍ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ عِبَارَتَهُ تَتَنَاوَلُ الصَّبِيَّ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ وَصَفَهُ بِالرُّشْدِ فِي قَوْلِهِ فِي الصِّيَامِ: أَوْ صِبْيَانٌ رُشَدَاءُ. وَخَامِسُهَا: الْأَعْمَى لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَعَ أَنَّهُ رَشِيدٌ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ.
المتن: قُلْت: وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
الشَّرْحُ: (قُلْت: وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ)، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ مُكْرَهٍ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُكْرَهِ بِغَيْرِ حَقٍّ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا لِفِعْلِهِ إلَّا فِي الرَّضَاعِ وَالْحَدَثِ وَالتَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَكَذَا الْقَتْلُ وَنَحْوُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ هَذَا يَأْتِي فِي بَابِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ أَوْ بَيْعِ مَالِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، وَعَلَى الثَّانِي مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ أَكْلِهِ أَوْ تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَمَا لَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ أَوْ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى ذَبْحِ صَيْدٍ فَذَبَحَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ، وَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى غُسْلِ مَيِّتٍ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ غُسْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَأَحْبَلَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْتَقِرُّ لِلزَّوْجَةِ بِهِ الْمَهْرُ وَلِلْأَمَةِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ وَحَلَّتْ الزَّوْجَةُ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا، وَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُحْرِمُ عَرَفَةَ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُقُوفُهُ. أَمَّا الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ إقَامَةً لِرِضَا الشَّرْعِ مَقَامَ رِضَاهُ، وَصَوَّرَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَامْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ وَالْبَيْعِ، فَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَزَّرَهُ وَحَبَسَهُ إلَى أَنْ يَبِيعَهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُصَوِّرُهُ بِمَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِالْبَيْعِ فَامْتَنَعَ فَأَكْرَهَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْوَاجِبِ، وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُ الْوَلِيَّ عَلَى بَيْعِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمِنْ صُوَرِهِ: مَا إذَا أَذِنَ شَخْصٌ لِعَبْدِ غَيْرِهِ فِي بَيْعِ مَالِهِ، قَالَ: فَلِلسَّيِّدِ إكْرَاهُهُ عَلَى بَيْعِهِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُصَادَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ مِنْ جِهَةِ ظَالِمٍ: بِأَنْ بَاعَ مَالَهُ لِدَفْعِ الْأَذَى الَّذِي نَالَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ فِيهِ، إذْ مَقْصُودُ مَنْ صَادَرَ تَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ. فُرُوعٌ: لَوْ أَتْلَفَ الصَّبِيُّ أَوْ تَلِفَ عِنْدَهُ مَا ابْتَاعَ أَوْ مَا اقْتَرَضَ مِنْ رَشِيدٍ وَأَقْبَضَهُ لَهُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْمُقْبِضَ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ، هَذَا فِي الظَّاهِرِ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَغْرَمُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ أَوْ مِنْ صَبِيٍّ مِثْلِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ الْوَلِيَّانِ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا قَبَضَ مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْوَلِيَّيْنِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَقَطْ لِوُجُودِ التَّسْلِيطِ مِنْهُمَا وَعَلَى الْبَائِعِ لِلصَّبِيِّ رَدُّ الثَّمَنِ إلَى وَلِيِّهِ فَلَوْ رَدَّهُ إلَى الصَّبِيِّ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَهُوَ مِلْكُ الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ أَوْ لِلْوَلِيِّ بَرِئَ مِنْهُ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْبَرَاءَةِ بِالدَّفْعِ لِلصَّبِيِّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا بَرِئَ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ: سَلِّمْ وَدِيعَتِي إلَى الصَّبِيِّ أَوْ أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ بَرِئَ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي حَقِّهِ الْمُتَعَيَّنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ أَعْطَى صَبِيٌّ دِينَارًا لِنَقَّادٍ يَنْقُدُهُ أَوْ مَتَاعًا لِمُقَوِّمٍ يُقَوِّمُهُ ضَمِنَ مَنْ أَخَذَهُ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ لِوَلِيِّهِ إنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ لِمَالِكِهِ إنْ كَانَ لِغَيْرِهِ وَلَوْ أَوْصَلَ صَبِيٌّ هَدِيَّةً إلَى غَيْرِهِ وَقَالَ: هِيَ مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ أَخْبَرَ بِالْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عُمِلَ بِخَبَرِهِ مَعَ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوْ الظَّنَّ مِنْ قَرِينَةٍ أَوْ مِنْ قَوْلِهِ لِاعْتِمَادِ السَّلَفِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ وَكَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ الْفَاسِقُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ.
المتن: وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ) وَلَوْ مُرْتَدًّا لِنَفْسِهِ أَوْ لِمِثْلِهِ (الْمُصْحَفَ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَلَا يَتَمَلَّكُهُ بِسَلَمٍ وَلَا بِهِبَةٍ وَلَا وَصِيَّةٍ وَلَا كُتُبَ حَدِيثٍ وَلَا آثَارَ سَلَفٍ وَلَا كُتُبَ فِقْهٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَةِ لَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ: وَالْمُرَادُ بِآثَارِ السَّلَفِ حِكَايَاتُ الصَّالِحِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: كُتُبَ عِلْمٍ، وَإِنْ خَلَتْ عَنْ الْآثَارِ تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ ا هـ. وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ ابْنُهُ: وَتَعْلِيلُهُ يُفِيدُ جَوَازَ تَمَلُّكِهِ كُتُبَ عُلُومٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ، وَيَنْبَغِي مَنْعُهُ مِنْ تَمَلُّكِ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالشَّرْعِ كَكُتُبِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ. قَالَ شَيْخُنَا وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ: أَيْ بَلْ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ نَسَخَ الْكَافِرُ مُصْحَفًا: أَيْ أَوْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ مِنْ كُتُبِ حَدِيثٍ أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا يُمَكَّنُ الْكَافِرُ مِنْ تَجْلِيدِ الْمُصْحَفِ ا هـ. وَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ وَلَوْ رُجِيَ إسْلَامُهُ بِخِلَافِ تَمْكِينِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ لِمَا فِي تَمْكِينِهِ مِنْ الْإِهَانَةِ، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِتَمَلُّكِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَعَلَيْهَا الْآيَاتُ مِنْ الْقُرْآنِ. وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَا مِنْ الْخَلَفِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَكَأَنَّهُ سُومِحَ فِي ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ.
المتن: وَالْمُسْلِمُ فِي الْأَظْهَرِ، إلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَ) لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْعَبْدَ (الْمُسْلِمَ) لِنَفْسِهِ وَلَا لِمِثْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إذْلَالِ الْمُسْلِمِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} وَقَوْلُهُ (فِي الْأَظْهَرِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي شِرَاءِ الْمُسْلِمِ. وَأَمَّا فِي الْمُصْحَفِ فَلَا بَلْ الْأَصَحُّ فِيهِ وَفِيمَا ذُكِرَ مَعَهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالتَّهْذِيبِ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِرَجَاءِ الْعِتْقِ وَالرَّافِعِيُّ، بِأَنَّ الْعَبْدَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِغَاثَةُ وَدَفْعُ الذُّلِّ عَنْ نَفْسِهِ، وَمُقَابِلُهُ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ. أَمَّا لَوْ اشْتَرَى مَا ذُكِرَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَيُفَارِقُ مَنْعَ إنَابَةِ الْمُسْلِمِ كَافِرًا فِي قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ بِاخْتِصَاصِ النِّكَاحِ بِالتَّعَبُّدِ لِحُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ، وَبِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُتَصَوَّرُ نِكَاحُهُ لِمُسْلِمَةٍ، بِخِلَافِ مِلْكِهِ لِمُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا يَتَمَلَّكُ الْكَافِرُ مُرْتَدًّا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَام، وَلَا شِرَاءُ الْمُسْلِمِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِالْوَكَالَةِ لِكَافِرٍ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمُصْحَفُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ) وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: الْأُولَى: إذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا لِلْمُشْتَرِي. الثَّانِيَةُ: إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَأَجَابَهُ. الثَّالِثَةُ: إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، لَكِنْ الصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ افْتِدَاءٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لَا شِرَاءٌ (فَيَصِحُّ) بِالرَّفْعِ: أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَيَمْلِكُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ فَلَا إذْلَالَ، وَإِنَّمَا قَيَّدْت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالرَّفْعِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ لِيَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، إذْ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَكَانَ مِنْ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ نَقِيضِهِ: أَيْ يَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الصِّحَّةِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ فَاسِدٌ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ إذْلَالٍ،. وَلِلْكَافِرِ اسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إجَارَةَ عَيْنٍ، وَلَهُ اسْتِئْجَارُ مُصْحَفٍ وَنَحْوِهِ إذْ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا تَسَلُّطٌ تَامٌّ، وَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي مَنْفَعَتَهُ بِعِوَضٍ، وَقَدْ أَجَّرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَفْسَهُ لِكَافِرٍ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي غَيْرِ الْأَعْمَالِ الْمُمْتَهَنَةِ. أَمَّا فِيهَا كَإِزَالَةِ قَاذُورَاتِهِ فَتَمْتَنِعُ قَطْعًا، وَيُؤْمَرُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ بِإِجَارَتِهِ لِمُسْلِمٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِيُزِيلَ مِلْكَهُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ كَمَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الرَّقَبَةِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ الْعَمَلِ بِغَيْرِهِ، وَلَهُ ارْتِهَانُهُ وَارْتِهَانُ الْمُصْحَفِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ اسْتِيثَاقٍ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْهُمَا فَيُوضَعَانِ عِنْدَ عَدْلٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَتَسَلَّمُهُمَا أَوَّلًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يُسَلَّمُ أَوَّلًا لِلْعَدْلِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: وَيُسَلَّمُ إلَيْهِ الرَّقِيقُ ثُمَّ يُنْزَعُ حَالًا إذْ لَا مَحْذُورَ كَمَا فِي إيدَاعِهِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ، فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ مُكَلَّفٌ فَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مُتَّجَهٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمُصْحَفِ مِمَّا أُلْحِقَ بِهِ كَالْعَبْدِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ، وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ رَقِيقًا مُسْلِمًا بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ، وَلَوْ أَسْلَمَ رَقِيقُ الْكَافِرِ أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دَفْعًا لِلْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ وَقَطْعًا لِسَلْطَنَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَتْ، الزَّوْجَةُ تَحْتَ كَافِرٍ إذْ مِلْكُ النِّكَاحِ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا يَكْفِي رَهْنُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَلَا تَزْوِيجُهُ وَلَا تَدْبِيرُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَوْ يَصِحُّ؟ لَكِنَّهُ لَا يَكْفِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَلَا يَكْفِي وَقْفُهُ عَلَى ذِمِّيٍّ عَلَى الْمُتَّجَهِ، وَيَكْفِي كِتَابَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ بِهَا الْمِلْكُ لِإِفَادَتِهَا الِاسْتِقْلَالَ.. مُهِمَّةٌ: يَدْخُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ ابْتِدَاءً فِي أَرْبَعِينَ صُورَةً، وَهَا أَنَا أَسْرُدُهَا لَك تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ: الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ: مِنْ صُوَرِ اسْتِعْقَابِ الْعِتْقِ الْمَذْكُورَاتِ. الثَّالِثَةُ: الْإِرْثُ كَأَنْ يَمُوتَ كَافِرٌ عَنْ ابْنٍ كَافِرٍ وَيُخَلِّفَ فِي تَرِكَتِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا. الرَّابِعَةُ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ. الْخَامِسَةُ: الْإِفْلَاسُ. السَّادِسَةُ: الْإِقَالَةُ. السَّابِعَةُ: أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِتَلَفِ مُقَابِلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ، فَإِنَّا نُخَيِّرُ الْبَائِعَ فَإِذَا اخْتَارَ الْفَسْخَ عَادَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ. الثَّامِنَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ يَجِدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا فَيَرُدَّهُ. التَّاسِعَةُ: إذَا تَبَايَعَ كَافِرَانِ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ فَسَخَ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ. الْعَاشِرَةُ: إذَا بَاعَ كَافِرٌ مُسْلِمًا لِمُسْلِمٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَفَسَخَ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: تَبَايَعَ كَافِرَانِ كَافِرًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَأَسْلَمَ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِانْقِضَاءِ خِيَارِ الْبَائِعِ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنْ يَرُدَّهُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ كَالْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: اشْتَرَى ثَمَرَةً بِعَبْدٍ كَافِرٍ فَأَسْلَمَ ثُمَّ اخْتَلَطَتْ وَفَسَخَ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: بَاعَ كَافِرٌ عَبْدًا مَغْصُوبًا لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ فَعَجَزَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ فَغُصِبَ قَبْلَ الْقَبْضِ. الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: إذَا بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْفَسْخُ. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ مَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلِلْكَافِرِ الْفَسْخُ. السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: بَاعَهُ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ فَظَهَرَ تَحْتَهَا دَكَّةٌ فَلَهَا الْفَسْخُ. الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: جَعَلَهُ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ فَانْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلَهُ الْفَسْخُ. التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: أَقْرَضَهُ فَأَسْلَمَ فِي يَدِ الْمُقْتَرِضِ جَازَ لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ. الْمُتَمِّمَةُ عِشْرِينَ: وَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ بَاعَهُ فَظَهَرَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ وَلَمْ يَقْضِ فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ وَيَعُودُ إلَى مِلْكِهِ مُتَعَلِّقًا بِهِ الدَّيْنُ. الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: وَكَّلَ كَافِرًا فِي شِرَاءِ كَافِرٍ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَعِيبٌ وَأَخَّرَ الْوَكِيلُ الرَّدَّ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْوَكِيلِ. الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: اشْتَرَى عَامِلُ الْقِرَاضِ الْكَافِرُ عَبْدًا لِلْقِرَاضِ، ثُمَّ اقْتَسَمَا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ. الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَجْعَلَهُ أُجْرَةً أَوْ جُعْلًا ثُمَّ يَقْتَضِي الْحَالُ الْفَسْخَ. الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: الْفَسْخُ بِالتَّحَالُفِ. الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يُصْدِقَ الْكَافِرُ زَوْجَتَهُ عَبْدًا كَافِرًا فَيُسْلِمَ ثُمَّ يَرْجِعَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ إلَى الزَّوْجِ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ. السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَلْتَقِطَ الْمُلْتَقِطُ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ بِشَرْطِهِ إمَّا لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ، أَوْ وَقْتَ نَهْبٍ وَغَارَةٍ فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَثْبَتَ كَافِرٌ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ، لِأَنَّ تَمَلُّكَ الِالْتِقَاطِ كَالتَّمَلُّكِ بِالْقَرْضِ. السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَقِفَ عَلَى كَافِرٍ أَمَةً كَافِرَةً فَتُسْلِمَ ثُمَّ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ يَمْلِكُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يُوصَى لِكَافِرٍ بِمَا تَحْمِلُهُ أَمَتُهُ مِنْ زَوْجِهَا الْكَافِرِ فَيَقْبَلَ ثُمَّ تُسْلِمَ الْجَارِيَةُ وَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ. التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يُخَالِعَ الْكَافِرُ زَوْجَتَهُ الْكَافِرَةَ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ فَيُسْلِمَ، ثُمَّ يَقْتَضِيَ الْحَالُ فَسْخَ الْخُلْعِ بِعَيْبٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ. الْمُتَمِّمَةُ ثَلَاثِينَ: أَنْ يُزَوِّجَ كِتَابِيٌّ أَمَةً كَافِرَةً لِكِتَابِيٍّ، ثُمَّ تُسْلِمَ وَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهَا. الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا أَوْلَدَ كَافِرٌ أَمَةً مُسْلِمَةً لِوَلَدِهِ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَصَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ. الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا وَطِئَ مُسْلِمٌ أَمَةَ كَافِرٍ ظَانًّا أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ، فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ مَمْلُوكٌ لِلْكَافِرِ. الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ بَعْدَ أَنْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَبَاعَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ فَتَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْفِدَاءِ، أَوْ تَأَخَّرَ لِإِفْلَاسِهِ، أَوْ غَيْبَتِهِ، أَوْ صَبْرِهِ عَلَى الْحَبْسِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَيَعُودُ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ يُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ. الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنْ يُكَاتِبَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَيُسْلِمَ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا مُسْلِمًا، أَوْ تَأْتِيَ أَمَتُهُ الْمُسْلِمَةُ بِوَلَدٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا، ثُمَّ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ، فَيَدْخُلُ الْوَلَدُ أَوْ الْعَبْدُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ. الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا حَضَرَ الْكُفَّارُ الْجِهَادَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَكَانَتْ الْغَنِيمَةُ أَطْفَالًا وَنِسَاءً وَعَبِيدًا وَأَسْلَمُوا بِالِاسْتِقْلَالِ أَوْ التَّبَعِيَّةِ، ثُمَّ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ التَّمَلُّكَ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْضَخَ لِلْكَافِرِ مِمَّا وَجَدَ لِتَقَدُّمِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ أَوْ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ عَبِيدٌ مُسْلِمُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ وَاقْتَسَمُوا. السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنْ يَعْتِقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ الْبَاقِيَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْبَيْعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ. الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا وَهَبَهُ لِفَرْعِهِ فَأَسْلَمَ فِي يَدِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ مُسْلِمٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ كَمَا ذُكِرَ هَهُنَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ افْتِدَاءً الْمُتَمِّمَةُ أَرْبَعِينَ: أَنْ تُسْلِمَ مُسْتَوْلَدَةُ الْكَافِرِ ثُمَّ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا مَمْلُوكًا لَهُ وَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ أُمِّهِ. وَالشَّامِلُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ: الْأَوَّلُ الْمِلْكُ الْقَهْرِيُّ. الثَّانِي مَا يُفِيدُ الْفَسْخَ. الثَّالِثُ: مَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ، فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ ضَابِطٌ مُهِمٌّ.
المتن: وَلَا الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ: (وَلَا) يَصِحُّ شِرَاءُ (الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا) كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ وَتُرْسٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)، لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِذَلِكَ عَلَى قِتَالِنَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فِي دَارِنَا، فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتِنَا، وَبِخِلَافِ عُدَّةِ غَيْرِ الْحَرْبِ، وَلَوْ مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْهُ كَالْحَدِيدِ، إذْ لَا يَتَعَيَّنُ جَعْلُهُ عِدَّةَ حَرْبٍ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ سِلَاحًا كَانَ كَبَيْعِ الْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَنَاهِي. أَمَّا الذِّمِّيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ كَالْحَرْبِيِّ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ.
تَنْبِيهٌ: صَرَّحُوا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِأَنَّ التُّرْسَ وَالدِّرْعَ لَيْسَا مِنْ السِّلَاحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ فِي السَّلَبِ كَدِرْعٍ وَسِلَاحٍ، وَلِذَا قُلْت أَوْ غَيْرِهِ وَمَثَّلْت بِذَلِكَ، لَكِنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى بَيْعِ السِّلَاحِ وَرَهْنِهِ مِنْ الذِّمِّيِّ، بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى سِلَاحًا، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا سَمَّاهُ سِلَاحًا، لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى قِتَالِنَا كَمَا مَرَّ، وَيَمْتَنِعُ شِرَاءُ الْحَرْبِيِّ الْخَيْلَ أَيْضًا كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَغَيْرِهِ.
المتن: وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ: طَهَارَةُ عَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ وَالْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ، وَكَذَا الدُّهْنُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَبِيعُ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا ذَاكِرًا لِشُرُوطِهِ فَقَالَ: (وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ) خَمْسَةٌ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ، وَزَادَ الْبَارِزِيُّ عَلَى ذَلِكَ الرُّؤْيَةَ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الرُّؤْيَةِ دَاخِلٌ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ رُؤْيَةٍ، وَلَوْ وُصِفَ فَوَرَاءَ الْوَصْفِ أُمُورٌ تَضِيقُ عَنْهَا الْعِبَارَةُ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ شُرُوطٌ أُخَرُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّ تِلْكَ لَهَا بَابٌ يَخُصُّهَا. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ حَرِيمُ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ إحْدَاثُ حَرِيمٍ لِلْمِلْكِ، فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ وَإِلَّا فَالْمَنْعُ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ قُدْرَةِ تَسْلِيمِهِ كَبَيْعِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي يَتَحَرَّرُ مِنْ الشُّرُوطِ الْمِلْكُ وَالْمَنْفَعَةُ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ غَيْرُهُمَا. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فَمُسْتَفَادٌ مِنْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ النَّجَسَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالْعِلْمِ بِهِ فَشَرْطٌ فِي الْعَاقِدِ، وَكَذَا كَوْنُ الْمِلْكِ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَيَانِ الْخَمْسَةِ فَقَالَ: أَحَدُهَا (طَهَارَةُ عَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ) نَجِسِ الْعَيْنِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا كَالسِّرْجِينِ وَ (الْكَلْبِ) وَلَوْ مُعَلَّمًا (وَالْخَمْرِ) وَلَوْ مُحْتَرَمَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ}. وَقِيسَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا (وَ) لَا بَيْعُ (الْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ) وَالصِّبْغِ وَالْآجُرِّ الْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَجَسِ الْعَيْنِ. أَمَّا مَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ وَالْآجُرِّ الْمَعْجُونِ بِمَائِعٍ نَجِسٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ (وَكَذَا الدُّهْنُ) كَالزَّيْتِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ فِيمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ}، وَالثَّانِي يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِغَسْلِهِ بِأَنْ يُوضَعَ عَلَى قُلَّتَيْنِ مَاءٌ أَوْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ يُغْمَرُهُ ثُمَّ يُحَرَّكُ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا فِي بَابِ النَّجَاسَاتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ بَيْعِهِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِخَبَرِ الْفَأْرَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ (وَبَيْنَ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ حَيْثُ صَحَّ بَيْعُهُ) قَطْعًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي بَيْعِ الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ وَمُقْتَضَاهُ الْمَنْعُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الْآجُرِّ فَسَادُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَبْنِيَّةِ بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا يَدْخُلُ تَبَعًا فِي بَيْعِ الدَّارِ لِلطَّاهِرِ مِنْهَا كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهَا كَالْحَيَوَانِ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَبِبَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ، وَيَنْزِلُ كَلَامُهُمْ عَلَى بَيْعِ الْآجُرِّ مُنْفَرِدًا، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: صَحَّ بَيْعُهَا لِلْحَاجَةِ، وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ الْمُسَمَّدَةِ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا إلَّا بِإِزَالَةِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ السَّمَادُ، وَالطَّاهِرُ مِنْهَا غَيْرُ مَرْئِيٍّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهَا، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدُهْنٍ نَجِسٍ لِنَحْوِ اسْتِصْبَاحٍ بِهِ عَلَى إرَادَةِ نَقْلِ الْيَدِ جَازَ، وَكَالتَّصَدُّقِ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا، وَكَالدُّهْنِ السِّرْجِينُ وَالْكَلْبُ وَنَحْوُهُمَا. فَائِدَةٌ: سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ الْوَشْمِ النَّجِسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ مِنْ الْبَدَنِ هَلْ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا؟ فَقَالَ: الَّذِي أَرَاهُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَأَنَّ الْوَشْمَ النَّجِسَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ امْتِنَاعَ بَيْعِ مَا لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ مُفَرَّعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الْعَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْحَاوِي: طَاهِرٌ أَوْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ طَهَارَةُ عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ أَنْ لَا يَكُونَ نَجِسًا نَجَاسَةً لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ. فُرُوعٌ: يَصِحُّ بَيْعُ فَأْرَةِ الْمِسْكِ بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبَيْعُ الْقَزِّ وَفِيهِ الدُّودُ وَلَوْ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَالْحَيَوَانِ بِبَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ، وَيُبَاعُ جُزَافًا وَوَزْنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَالدُّودُ فِيهِ كَنَوَى التَّمْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِحَّتِهِ بِالْوَزْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَالَفَ فِي الْكِفَايَةِ، وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ وَتَرْبِيَةُ الزَّرْعِ بِهِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِمَنْ يَصِيدُ بِهِ، أَوْ يَحْفَظُ بِهِ نَحْوَ مَاشِيَةٍ كَزَرْعٍ وَدَرْبٍ، وَتَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الَّذِي يُتَوَقَّعُ تَعْلِيمُهُ لِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِغَيْرِ مَالِكِ مَاشِيَةٍ لِيَحْفَظَهَا بِهِ إذَا مَلَكَهَا، وَلَا لِغَيْرِ صَيَّادٍ لِيَصْطَادَ بِهِ إذَا أَرَادَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ مُطْلَقًا، وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْفَهْدِ كَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَغَيْرِهِمَا..
المتن: الثَّانِي: النَّفْعُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ، وَكُلِّ سَبُعٍ لَا يَنْفَعُ، وَلَا حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا، وَآلَةِ اللَّهْوِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْآلَةِ إنْ عُدَّ رُضَاضُهَا مَالًا.
الشَّرْحُ: الشَّرْطُ (الثَّانِي) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (النَّفْعُ) أَيْ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا وَلَوْ فِي الْمَآلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ) مَا لَا نَفْعَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا، فَأَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ مُمْتَنِعٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَعَدَمُ مَنْفَعَتِهِ إمَّا لِخِسَّتِهِ كَ (الْحَشَرَاتِ) الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا جَمْعُ حَشَرَةٍ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالنَّمْلِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يُذْكَرُ مِنْ مَنَافِعِهَا فِي الْخَوَاصِّ (وَ) لَا بَيْعُ (كُلِّ سَبُعٍ) أَوْ طَيْرٍ (لَا يَنْفَعُ) كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، وَلَا نَظَرَ لِمَنْفَعَةِ الْجِلْدِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا لِمَنْفَعَةِ الرِّيشِ فِي النَّبْلِ، وَلَا لِاقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لِبَعْضِهَا لِلْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ. أَمَّا مَا يَنْفَعُ مِنْ ذَلِكَ كَالْفَهْدِ لِلصَّيْدِ، وَالْفِيلِ لِلْقِتَالِ، وَالْقِرْدِ لِلْحِرَاسَةِ، وَالنَّحْلِ لِلْعَسَلِ، وَالْعَنْدَلِيبِ لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ، وَالطَّاوُوسِ لِلْأُنْسِ بِلَوْنِهِ، وَالْعَلَقِ لِامْتِصَاصِ الدَّمِ فَيَصِحُّ، وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُ الرَّقِيقِ الزَّمِنِ؛ لِأَنَّهُ يُتَقَرَّبُ بِعِتْقِهِ بِخِلَافِ الْحِمَارِ الزَّمِنِ وَلَا أَثَرَ لِمَنْفَعَةِ جِلْدِهِ إذَا مَاتَ، وَأَمَّا لِقِلَّتِهِ كَمَا قَالَ (وَلَا) بَيْعُ (حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا) كَحَبَّةِ الشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ، وَلَا أَثَرَ لِضَمِّ ذَلِكَ إلَى أَمْثَالِهِ أَوْ وَضْعِهِ فِي فَخٍّ، وَمَعَ هَذَا يَحْرُمُ غَصْبُهُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ إنْ تَلِفَ إذْ لَا مَالِيَّةَ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْخِلَالِ وَالْخِلَالَيْنِ مِنْ خَشَبِ الْغَيْرِ يُحْمَلُ عَلَى عِلْمِهِ بِرِضَا مَالِكِهِ، وَيَحْرُمُ بَيْعُ السُّمِّ إنْ قَتَلَ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ، فَإِنْ نَفَعَ قَلِيلُهُ وَقَتَلَ كَثِيرُهُ كَالسَّقَمُونْيَا وَالْأَفْيُونِ جَازَ بَيْعُهُ (وَ) لَا بَيْعُ (آلَةِ اللَّهْوِ) لِلْحُرْمَةِ كَالطَّنْبُورِ وَالصَّنْجِ وَالْمِزْمَارِ وَالرَّبَابِ وَالْعُودِ. وَكَذَا الْأَصْنَامُ وَالصُّوَرُ وَإِنْ اُتُّخِذَتْ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ نَقْدٍ إذْ لَا نَفْعَ بِهَا شَرْعًا (وَقِيلَ يَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الْآلَةِ) أَيْ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا (إنْ عُدَّ رُضَاضُهَا) وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ مُكَسَّرُهَا (مَالًا) لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُتَوَقَّعًا كَالْجَحْشِ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَتِهَا لَا يُقْصَدُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّرْدِ إلَّا إنْ صَلَحَ بَيَادِقَ فَيَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَبَيْعِ الشِّطْرَنْجِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ، وَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَالصُّوَرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ آنِيَتَهُمَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهَا لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ تِلْكَ، وَالصَّلِيبِ مِنْ النَّقْدِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَانِي أَوْ بِالصَّنَمِ وَنَحْوِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّنَمِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَصِحُّ بَيْعُ جَارِيَةِ الْغِنَاءِ وَكَبْشِ النِّطَاحِ، وَدِيكِ الْهِرَاشِ وَلَوْ زَادَ الثَّمَنُ لِذَلِكَ قُصِدَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَصَالَةً الْحَيَوَانُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَطْبَاقِ وَالثِّيَابِ وَالْفُرُشِ الْمُصَوَّرَةِ بِصُوَرِ الْحَيَوَانِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَسْكَنٍ بِلَا مَمَرٍّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَمَرٌّ، أَوْ لَهُ مَمَرٌّ وَنَفَاهُ فِي بَيْعِهِ لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَسَوَاءٌ أَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنْ اتِّخَاذِ مَمَرٍّ إلَى شَارِعٍ، أَوْ مَلَكَهُ أَمْ لَا كَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَإِنْ شَرَطَ الْبَغَوِيّ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى بَيْتًا مِنْهَا وَنَفَى الْمَمَرَّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ أَمْكَنَهُ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ وَإِلَّا فَلَا فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ، وَهُوَ هُنَا دَوَامُ الْمِلْكِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ كُتُبِ الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَالتَّنْجِيمِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالْفَلْسَفَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ: بَلْ يَجِبُ إتْلَافُهَا لِتَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِهَا.
المتن: وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ، وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ) وَالْحَجَرِ عِنْدَ الْجَبَلِ (وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ) مِمَّنْ حَازَهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِظُهُورِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الثَّانِي مِنْ إمْكَانِ تَحْصِيلِ مِثْلِهَا بِلَا تَعَبٍ وَلَا مُؤْنَةٍ.
تَنْبِيهٌ: الشَّطُّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَهُوَ جَانِبُ الْوَادِي وَالنَّهْرِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِيهِ وَجْهٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الشِّيَاهِ، وَمِثْلُهُ لَبَنُ الْآدَمِيِّينَ بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ دَارٍ شَائِعٍ بِنِصْفِهَا الْآخَرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفَائِدَتُهُ عَدَمُ رُجُوعِ الْوَالِدِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ، وَعَدَمُ رُجُوعِ الْبَائِعِ فِي عَيْنِ مَالِهِ عِنْدَ فَلَسِ الْمُشْتَرِي.
المتن: الثَّالِثُ إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ.
الشَّرْحُ: الشَّرْطُ (الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ) فِي بَيْعٍ غَيْرِ ضِمْنِيٍّ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِيُوثَقَ بِحُصُولِ الْعِوَضِ وَلِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْغَرَرُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا. وَقِيلَ: مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ الْيَأْسُ مِنْ التَّسْلِيمِ، بَلْ ظُهُورُ التَّعَذُّرِ كَافٍ، وَقَدْ يَصِحُّ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَى التَّسَلُّمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغْصُوبِ، وَكَكَوْنِ الْبَيْعِ ضِمْنِيًّا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِثْلُهُ مَنْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي.
تَنْبِيهٌ: قَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَذْكُرَ أَوَّلًا مَحَلَّ الِاتِّفَاقِ ثُمَّ يَذْكُرَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ، فَإِمْكَانُ تَسْلِيمِهِ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِمْكَانُ تَسَلُّمِهِ يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِذَنْ لَا اعْتِرَاضَ لَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْقُدْرَةِ بَدَلَ الْإِمْكَانِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ إمْكَانِهِ وَنَفْيِ الِاسْتِحَالَةِ عَنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ يَعِزُّ وُجُودُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، ثُمَّ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إنْ وُجِدَ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيُسْتَبْدَلُ، وَإِذَا عُلِمَ اعْتِبَارُ قُدْرَةِ التَّسْلِيمِ (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ) مَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَإِنْ تَعَوَّدَ الْعَوْدَ إلَى مَحَلِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِهِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةُ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَةٍ. نَعَمْ يَصِحُّ بَيْعُ النَّحْلِ الْمُوثَقَةِ أُمِّهِ، وَهِيَ يَعْسُوبُهُ وَهُوَ أَمِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْكُوَّارَةِ، وَهِيَ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ فِيهِمَا وَمَعَ تَخْفِيفِهَا فِي الْأُولَى الْخَلِيَّةُ، وَهِيَ بَيْتٌ يُعْمَلُ لِلنَّحْلِ مِنْ عِيدَانٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: هُوَ الْعَسَلُ فِي شَمْعِهِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا، وَحُكِيَ أَيْضًا كَسْرُ الْكَافِ مَعَ تَخْفِيفِ الْوَاوِ، وَفَارَقَ بَقِيَّةَ الطُّيُورِ بِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْجَوَارِحِ، وَبِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ عَادَةً إلَّا مِمَّا يَرْعَاهُ فَلَوْ تَوَقَّفَ صِحَّةُ بَيْعِهِ عَلَى حَبْسِهِ لَرُبَّمَا أَضَرَّ بِهِ، أَوْ تَعَذَّرَ بِهِ بَيْعُهُ. بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الطُّيُورِ وَالنَّادِّ، وَ (الضَّالِّ) وَالرَّقِيقِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ (وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ) مِنْ غَيْرِ غَاصِبِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ حَالًّا. فَائِدَةٌ: الضَّالُّ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْحَيَوَانِ إنْسَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَأَمَّا الْآبِقُ فَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: لَا يُقَالُ لِلْعَبْدِ آبِقٌ إلَّا إذَا كَانَ ذَهَابُهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كَدٍّ فِي الْعَمَلِ وَإِلَّا فَهُوَ هَارِبٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِمَا.
المتن: فَإِنْ بَاعَهُ لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ) دُونَهُ أَوْ الْآبِقَ لِقَادِرٍ عَلَى رَدِّهِ دُونَهُ (صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ) نَظَرًا إلَى وُصُولِهِ إلَيْهِمَا إلَّا إنْ احْتَاجَتْ قُدْرَتُهُ إلَى مُؤْنَةٍ، فَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ. أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَادِرًا عَلَى انْتِزَاعِهِ أَوْ رَدِّهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَعَبٌ شَدِيدٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْبِرْكَةِ: أَيْ وَشَقَّ تَحْصِيلُهُ فِيهَا، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَنْعُ بَيْعِ الضَّالِّ وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُمْ جَائِزٌ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي شِرَائِهِ مَنْفَعَةٌ إلَّا حُصُولُ الثَّوَابِ بِالْعِتْقِ كَالْعَبْدِ الزَّمِنِ صَحَّ بَيْعُهُ وَإِعْتَاقُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ صَحِيحٌ، وَيَكُونُ قَبْضًا فَلِمَ لَا يَصِحُّ بَيْعُ هَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا زُمَنَاءَ، بَلْ مُطْلَقًا لِوُجُودِ مَنْفَعَةٍ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي يَصِحُّ لَهَا الشِّرَاءُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّمِنَ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ قَدْ حِيلَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهَا بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنْفَعَةٌ سِوَى الْعِتْقِ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقَوْلُ الْكَافِي: يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ التَّائِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِإِعْتَاقِهِ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْحِمَارِ التَّائِهِ مَمْنُوعٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ سَمَكٍ فِي مَاءٍ، وَلَوْ فِي بِرْكَةٍ إنْ شَقَّ تَحْصِيلُهُ مِنْهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَإِنْ سَهُلَ تَحْصِيلُهُ وَلَمْ يَمْنَعْ الْمَاءُ رُؤْيَتَهُ صَحَّ، وَبُرْجُ الطَّائِرِ كَالْبِرْكَةِ لِلسَّمَكِ، وَتَصِحُّ كِتَابَةُ الْآبِقِ وَكَذَا الْمَغْصُوبُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُمَا وَعِتْقُهُمَا وَإِنْ انْتَفَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ.
المتن: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا، وَيَصِحُّ فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفٍ) مَثَلًا (مُعَيَّنٍ مِنْ الْإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا) كَثَوْبٍ نَفِيسٍ تَنْقُصُ بِقَطْعِهِ قِيمَتُهُ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ شَرْعًا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْكَسْرِ أَوْ الْقَطْعِ وَفِيهِ نَقْصٌ وَتَضْيِيعُ مَالٍ وَهُوَ حَرَامٌ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ مَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ فِيهَا يَحْصُلُ بِنَصْبِ عَلَامَةٍ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ بِلَا ضَرَرٍ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَتَضَيَّقُ مَرَافِقُ الْأَرْضِ بِالْعَلَامَةِ وَتَنْقُصُ الْقِيمَةُ فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهَا بِالثَّوْبِ؟.. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْصَ فِيهَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِهِ فِي الثَّوْبِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ ثَوْبٍ نَفِيسٍ أَنْ يُوَاطِئَ صَاحِبَهُ عَلَى شِرَائِهِ ثُمَّ يَقْطَعَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ فَيَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْقَطْعُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَلٌّ لِطَرِيقِ الْبَيْعِ فَاحْتُمِلَ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْخِيرِهِ عَنْ الْبَيْعِ، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشَاعًا ثُمَّ يَقْطَعَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَيَصِيرُ الْجَمِيعُ مُشْتَرَكًا، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ جِذْعٍ مُعَيَّنٍ فِي بِنَاءٍ، لِأَنَّ الْهَدْمَ يُوجِبُ النَّقْصَ، وَلَا بَيْعُ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ جِدَارٍ إذَا كَانَ فَوْقَهُ شَيْءٌ أَوْ كَانَ الْجِدَارُ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ نَحْوِ طِينٍ كَخَشَبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِهَدْمِ مَا فَوْقَهُ فِي الْأُولَى وَهَدْمِ شَيْءٍ مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْجِدَارُ مِنْ لَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ وَلَا شَيْءَ فَوْقَهُ وَجُعِلَتْ النِّهَايَةُ نِصْفَ سُمْكِ اللَّبِنِ أَوْ الْآجُرِّ، فَإِنْ جُعِلَتْ النِّهَايَةُ صَفًّا مِنْ صُفُوفِهِمَا صَحَّ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الشِّقِّ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ رَفْعَ بَعْضِ الْجِدَارِ يُنْقِصُ قِيمَةَ الْبَاقِي فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ كَبَيْعِ جِذْعٍ فِي بِنَاءٍ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الطِّينَ الَّذِي بَيْنَ اللَّبِنَاتِ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ مِنْ جِهَةِ انْفِرَادِهِ فَقَطْ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ، بِخِلَافِ الْجِذْعِ، فَإِنَّ إخْرَاجَهُ يُؤَثِّرُ ضَعْفًا فِي الْجِدَارِ (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ) كَغَلِيظِ كِرْبَاسٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَخْلُو عَنْ تَغْيِيرِ الْمَبِيعِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِ مِصْرَاعَيْ بَابٍ وَأَحَدِ زَوْجَيْ خُفٍّ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا بِتَفْرِيقِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ فِي ذَلِكَ لَمْ تَذْهَبْ بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ تَلَافِيهِمَا بِشِرَاءِ الْبَائِعِ مَا بَاعَهُ أَوْ بِشِرَاءِ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ بِخِلَافِ مَالِيَّةِ الثَّوْبِ أَوْ نَحْوِهِ الَّذِي يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فَإِنَّهَا ذَهَبَتْ بِالْكُلِّيَّةِ لَا تَدَارُكَ لَهَا، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ فَصٍّ فِي خَاتَمٍ؛ لِأَنَّ فَصْلَهُ يُوجِبُ النَّقْصَ وَلَا بَيْعُ ثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَجَمْدٍ وَهُمَا يَسِيلَانِ قَبْلَ وَزْنِهِمَا، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قِيمَةٌ عِنْدَ السَّيَلَانِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ وَإِنْ زَالَ الِاسْمُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بَيْضًا فَفَرَّخَ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالْجَمْدُ بِسُكُونِ الْمِيمِ هُوَ الْمَاءُ الْجَامِدُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ.
المتن: وَلَا الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (الْمَرْهُونِ) بَعْدَ قَبْضِهِ (بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ) لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا. أَمَّا قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِإِذْنِ مُرْتَهِنِهِ فَيَصِحُّ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَيَلْتَحِقُ بِالْمَرْهُونِ كُلُّ عَيْنٍ اُسْتُحِقَّ حَبْسُهَا كَمَا لَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ أَوْ صَبَغَهُ. وَقُلْنَا الْقِصَارَةُ عَيْنٌ فَإِنَّ لَهُ الْحَبْسَ إلَى قَبْضِ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَصَّارًا عَلَى قَصْرِ ثَوْبٍ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَقْصِرْهُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَبَيْعُ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ فَكِّهِ صَحِيحٌ كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ.
المتن: وَلَا الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُهُ بِذِمَّتِهِ، وَكَذَا تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ فِي الْأَظْهَرِ
الشَّرْحُ: (وَلَا) بَيْعُ (الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ) بِغَيْرِ إذْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَقَبْلَ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ الْفِدَاءَ (فِي الْأَظْهَرِ) لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ كَالْمَرْهُونِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الرَّهْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَرْشُ مُسْتَغْرِقًا لِقِيمَةِ الرَّقَبَةِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَوْجَبَ الْمَالَ بِإِتْلَافِ مَالٍ أَمْ لَا كَقَتْلٍ خَطَإٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ أَوْ فِيهِ قِصَاصٌ وَعَفَا مُسْتَحِقُّهُ عَلَى مَالٍ. وَالثَّانِي يَصِحُّ فِي الْمُوسِرِ، وَقِيلَ: وَالْمُعْسِرِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ السَّيِّدُ الْمُوسِرُ بِبَيْعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَقِيلَ: لَا بَلْ هُوَ عَلَى خِيَرَتِهِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِلَّا فَسَخَ، فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ صَحَّ جَزْمًا، وَالْفِدَاءُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ، وَلَا يُشْكِلُ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِصِحَّةِ رُجُوعِهِ عَنْ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ مَانِعَ الصِّحَّةِ زَالَ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ لِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ، فَإِذَا بَاعَ لَزِمَهُ الْمَالُ الَّذِي فَدَاهُ بِهِ فَيُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ قَتَلَهُ، فَإِنْ أَدَّاهُ فَذَاكَ وَاضِحٌ وَإِنْ تَعَذَّرَ وَلَوْ لِإِفْلَاسِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَلَى الْحَبْسِ أَوْ مَوْتِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَبَقَ حَقَّ الْمُشْتَرِي. نَعَمْ إنْ أَسْقَطَ الْفَسْخُ حَقَّهُ كَأَنْ كَانَ وَارِثَ الْبَائِعِ فَلَا فَسْخَ، إذْ بِهِ يَرْجِعُ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ فَيَسْقُطُ الْأَرْشُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَخَرَجَ بِبَيْعِهِ عِتْقُهُ فَيَصِحُّ مِنْ الْمُوسِرِ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّتِهِ مَعَ وُجُودِ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ، بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ سِوَى الرَّقَبَةِ، وَفِي اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ الْجَانِيَةِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ بِوَلَدِهَا؛ إذْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ (وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُهُ) أَيْ الْأَرْشِ بِكَسْبِهِ: كَأَنْ زَوَّجَهُ سَيِّدُهُ، وَلَا (بِذِمَّتِهِ) كَأَنْ اشْتَرَى فِيهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَأَتْلَفَهُ أَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ وَلَا بَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ، وَلَا حَجْرَ لِلسَّيِّدِ عَلَى ذِمَّةِ عَبْدِهِ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ (تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ) بِرَقَبَتِهِ (فِي الْأَظْهَرِ)؛ لِأَنَّهُ مَرْجُوُّ السَّلَامَةِ بِالْعَفْوِ وَيُخَافُ تَلَفُهُ بِالْقِصَاصِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُرْتَدِّ. وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْمَالِ مَانِعٌ وَطَرِيقَةَ الْقَوْلَيْنِ ضَعِيفَةٌ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ، وَهُوَ مَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ أَوْلَى، وَلَوْ عَفَا بَعْدَ الْبَيْعِ عَلَى مَالٍ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الْبُطْلَانَ، وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ بَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ قَطْعًا، وَلَوْ قَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ وَقُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ صَحَّ بَيْعُهُ كَالْمُرْتَدِّ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ..
المتن: الرَّابِعُ: الْمِلْكُ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ.
الشَّرْحُ: الشَّرْطُ (الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (الْمِلْكُ) فِيهِ (لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ) لِحَدِيثِ {لَا بَيْعَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ حَسَنٌ. وَهَذَا الضَّابِطُ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَتَبِعَهُ الشَّيْخَانِ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ وَلَمْ يَقُولُوا لِلْعَاقِدِ لِيَدْخُلَ الْمَالِكُ وَالْوَكِيلُ وَالْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ وَالْمُلْتَقِطُ وَالظَّافِرُ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ لَكِنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ وَارِدٌ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمَالِكِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمَقْصُودُ إخْرَاجُهُ، وَلِهَذَا فَرَّعَ بُطْلَانَهُ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ، وَأَرَادَ الشَّارِحُ دَفْعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ الْوَاقِعُ وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وَهُوَ أَنَّ الصِّحَّةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالْمِلْكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَالرَّأْيُ الْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ الثَّانِي. قَالَ شَيْخِي وَقَدْ رَجَّحَ الْأَوَّلَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَاقِدِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ جَامِعًا مَانِعًا.
تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمِلْكِ بِالتَّامِّ لِيَخْرُجَ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي.
المتن: فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ، وَفِي الْقَدِيمِ مَوْقُوفٌ إنْ أَجَازَ مَالِكُهُ نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا.
الشَّرْحُ: (فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ)، وَهُوَ الْبَائِعُ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا وِلَايَةَ (بَاطِلٌ) لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَذَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ الْقَابِلَةِ لِلنِّيَابَةِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ أَوْ ابْنَتَهُ أَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ وَقَفَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ اشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِ مَالِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا وَكِيلٍ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّصَرُّفِ بَدَلَ الْبَيْعِ لَشَمِلَ الصُّوَرَ الَّتِي ذَكَرْتهَا (وَفِي الْقَدِيمِ) تَصَرُّفُهُ الْمَذْكُورُ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا مَرَّ (مَوْقُوفٌ) وَقِيلَ لِتَصَرُّفٍ صَحِيحٍ، وَالْمَوْقُوفُ الْمِلْكُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ عَلَى الْإِجَازَةِ (إنْ أَجَازَ مَالِكُهُ) أَوْ وَلِيُّهُ (نَفَذَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ مَضَى (وَإِلَّا فَلَا) يَنْفُذُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُرْسَلًا وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ " أَنَّ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ قَالَ: دَفَعَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَيْتُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبِعْتُ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجِئْتُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ وَذَكَرْتُ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي، فَقَالَ {بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ، فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَنَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْجَدِيدِ. وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: إنَّهُ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ. وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ، بِأَنَّ حَدِيثَ عُرْوَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا مُطْلَقًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ الشَّاةَ وَسَلَّمَهَا، وَعِنْدَ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْمَالِكِ، وَالْمُعْتَبَرُ إجَازَةُ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عِنْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَالَ الطِّفْلِ فَبَلَغَ وَأَجَازَ لَمْ يَنْفُذْ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ، فَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: إنْ أَجَازَ مُتَوَلِّيهِ بَدَلَ مَالِكِهِ لَشَمِلَ مَا قَدَّرْتُهُ.
المتن: وَلَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ وَكَانَ مَيِّتًا صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ) أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ (ظَانًّا حَيَاتَهُ وَكَانَ مَيْتًا) بِسُكُونِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا أَوْ بَاعَ عَبْدَ نَفْسِهِ ظَانًّا إبَاقَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ، فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ مِنْ إبَاقِهِ أَوْ فَسَخَ كِتَابَتَهُ (صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ) لِتَبَيُّنِ وِلَايَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَالْعِبْرَةُ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْعَاقِدِ، وَالْوَقْفُ فِيهِ وَقْفُ تَبَيُّنٍ لَا وَقْفُ صِحَّةٍ، وَيُخَالِفُ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْمَالِ شَرْطُ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا وَلَمْ يَبْنِهَا عَلَى أَصْلٍ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ صَحَّ النِّكَاحُ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ أَوْ أُخْتُهُ أَمْ لَا؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّكَّ ثَمَّ فِي حِلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُنَا فِي وِلَايَةِ الْعَاقِدِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الرُّكْنِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِظَنِّهِ عَدَمَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا ظَنَّهُ لِغَيْرِهِ، فَبَانَ لِنَفْسِهِ فَقَدْ جَزَمَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ بِالصِّحَّةِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ مَاتَ أَبِي فَقَدْ زَوَّجْتُكَ أَمَتَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ زَوَّجْتُكَ أَمَتِي. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ وَجَمِيعِ نَظَائِرِهَا كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنْ لَا يَعْلَمَا حَالَ التَّعْلِيقِ وُجُودَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ بُشِّرَ بِبِنْتٍ إنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ ظَانًّا حَيَاتَهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ظَانًّا مَوْتَهُ يَصِحُّ جَزْمًا إذَا بَانَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ بَانَ مَوْتُ الْأَبِ صَحَّ قَطْعًا كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَعَ حُسْنِهِ مُحْتَمَلٌ، وَلَوْ بَاعَ هَازِلًا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، وَعَدَمُ رِضَاهُ بِوُقُوعِهِ كَظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَا أَثَرَ لَهُ لِخَطَإِ ظَنِّهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ أَمَانَةً، بِأَنْ يَبِيعَ مَالَهُ لِصَدِيقِهِ خَوْفَ غَصْبٍ أَوْ إكْرَاهٍ، وَقَدْ تَوَافَقَا قَبْلَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ لَهُ لِيَرُدَّهُ إذَا أَمِنَ، وَهَذَا كَمَا يُسَمَّى بَيْعَ الْأَمَانَةِ يُسَمَّى بَيْعَ التَّلْجِئَةِ.
المتن: الْخَامِسُ: الْعِلْمُ بِهِ، فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ بَاطِلٌ، وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ تُعْلَمُ صِيعَانُهَا، وَكَذَا إنْ جُهِلَتْ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: الشَّرْطُ (الْخَامِسُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ: (الْعِلْمُ بِهِ) لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ عَيْنًا فِي الْمُعَيَّنِ وَقَدْرًا وَصِفَةً فِيمَا فِي الذِّمَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ كَمَا مَرَّ (فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ) وَنَحْوِهِمَا كَالْعَبْدَيْنِ (بَاطِلٌ) لِلْغَرَرِ (وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ) وَهِيَ الْكَوْمَةُ مِنْ الطَّعَامِ (تُعْلَمُ صِيعَانُهَا) لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ كَعَشْرٍ لِعَدَمِ الْغَرَرِ، وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي عُشْرَهَا، فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا تَلِفَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمَبِيعِ (وَكَذَا) يَصِحُّ (إنْ جُهِلَتْ) أَيْ صِيعَانُهَا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِتَسَاوِي أَجْزَائِهَا، وَتُغْتَفَرُ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ هُنَا، فَإِنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى صَاعٍ مُبْهَمٍ لِتَعَذُّرِ الْإِشَاعَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ صَاعٍ تَعَيَّنَ، وَلِلْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ مِنْ أَسْفَلِ الصُّبْرَةِ وَوَسَطِهَا، إذْ رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا كَرُؤْيَةِ كُلِّهَا، بِخِلَافِ بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ مَجْهُولِ الذِّرَاعَانِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ لِتَفَاوُتِ الْأَجْزَاءِ كَبَيْعِ شَاةٍ مِنْ هَذِهِ الشِّيَاهِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ فَرَّقَ الصِّيعَانَ وَبَاعَ صَاعًا مِنْهَا. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَفَاوَتَتْ فِي الْكَيْلِ فَيَخْتَلِفُ الْغَرَضُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ فَرَّقَ صِيعَانَهَا، وَقَالَ: بِعْتُك صَاعًا مِنْهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ مُسْتَثْنًى مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ، وَاسْتَثْنَى مَسَائِلَ أَيْضًا لِلضَّرُورَةِ وَالْمُسَامَحَةِ: مِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُ الْبُرْجَيْنِ، وَبَاعَ أَحَدُهُمَا مَالَهُ لِصَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ بَاعَ الْمَالَ الزَّكَوِيَّ بَعْدَ الْوُجُوبِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْبُطْلَانُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَالصِّحَّةُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَجْهُولُ الْعَيْنِ، وَمِنْهَا شِرَاءُ كُوزِ الْفُقَّاعِ وَمَا الْمَقْصُودُ لُبُّهُ كَالْخُشْكَنَانِ، وَمِنْهَا بَيْعُ الْقَزِّ فِي بَاطِنِهِ الدُّودُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ حَيًّا أَمْ مَيِّتًا، وَسَوَاءٌ أَبَاعَهُ وَزْنًا أَمْ جُزَافًا، فَإِذَا بَاعَهُ وَزْنًا كَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولَ الْقَدْرِ، وَلَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ إلَّا صَاعًا وَصِيعَانُهَا مَعْلُومَةٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ إلَّا أَنْ تُعْلَمَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مَا وَرَاءَ الصَّاعِ وَهُوَ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ بَيْعِ صَاعٍ مِنْهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَبِخِلَافِ بَيْعِ جَمِيعِ الصُّبْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعِيَانَ يُحِيطُ بِظَاهِرِ الْمَبِيعِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ فَكَانَ أَقْدَرَ عَلَى تَخْمِينِ مِقْدَارِهِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَالَطَهُ أَعْيَانٌ أُخَرُ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّخْمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إحَاطَةِ الْعِيَانِ بِجَمِيعِ جَوَانِبِ الْمَبِيعِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك نِصْفَهَا وَصَاعًا مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ صَحَّ، بِخِلَافِ إلَّا صَاعًا مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك كُلَّ صَاعٍ مِنْ نِصْفِهَا بِدِرْهَمٍ، وَكُلَّ صَاعٍ مِنْ نِصْفِهَا الْآخَرِ بِدِرْهَمَيْنِ صَحَّ.
المتن: وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً، أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ ذَهَبًا، أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ، أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِير لَمْ يَصِحَّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ ذَهَبًا أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ) مَثَلًا: أَيْ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ الْمِقْدَارَ (أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ) أَوْ صِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِأَصْلِ الْمِقْدَارِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَبِمِقْدَارِ الذَّهَبِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ فِي الرَّابِعَةِ، فَإِنْ عَلِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ مِقْدَارَ الْبَيْتِ وَالْحَصَاةِ وَثَمَنِ الْفَرَسِ وَقَالَ فِيهِ بِمِثْلٍ كَمَا مَرَّ صَحَّ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَكَذَا إنْ قَصَدَهُ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِمِثْلٍ وَلَمْ يَقْصِدْهُ صَحَّ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَفَلَانِ بِنَصِيبِ ابْنِي فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِهِ. أَمَّا لَوْ كَانَ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ قَدْ صَارَ لِلْمُشْتَرِي بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ بَاقٍ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ لَا عَلَى مِثْلِهِ إذَا قَصَدَهُ الْبَائِعُ، وَمَحَلُّ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ بِمَا ذُكِرَ إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، كَأَنْ قَالَ: بِعْتُك بِمِلْءِ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ صَحَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي السَّلَمِ، وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِإِمْكَانِ الْأَخْذِ قَبْلَ تَلَفِ الْبَيْتِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِمِلْءِ كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ مَجْرُورٌ بِالْحَرْفِ فَيَكُونُ مِنْ صُوَرِ الثَّمَنِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَة وَأَصْلِهَا مِلْءَ مَنْصُوبٌ وَلَا حَرْفَ مَعَهُ فَيَكُونُ مِنْ صُوَرِ الْمَبِيعِ وَهُوَ أَحْسَنُ.
المتن: وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ، وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ تَعَيَّنَ، أَوْ نَقْدَانِ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ) دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَأَطْلَقَ (وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ) مِنْهَا (غَالِبٌ) وَغَيْرُ غَالِبٍ (تَعَيَّنَ) الْغَالِبُ وَلَوْ كَانَ دَرَاهِمَ عَدَدِيَّةً زَائِدَةَ الْوَزْنِ أَوْ نَاقِصَتَهُ أَوْ صِحَاحًا وَمُكَسَّرَةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُمَا لَهُ، وَلَوْ غَلَبَ مِنْ جِنْسِ الْعُرُوضِ نَوْعٌ انْصَرَفَ الْعَقْدُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ كَأَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْبَلَدِ نَوْعٌ مِنْهَا، وَلَوْ غَلَبَتْ الْفُلُوسُ حُمِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا إذَا سَمَّى الْفُلُوسَ. أَمَّا إذَا سَمَّى الدَّرَاهِمَ فَلَا ا هـ.
تَنْبِيهٌ: لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ وَلَا الَّتِي قَبْلَهَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ مِنْ النَّقْدِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ وَابْنِ الْمُقْرِي أَنَّهَا مِنْهُ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالثَّمَنِ لَكَانَ أَوْلَى وَلَا يُحْتَاجُ فِي الْفُلُوسِ إلَى الْوَزْنِ بَلْ يَجُوزُ بِالْعَدِّ وَإِنْ كَانَتْ، فِي الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَ النَّقْدُ مَغْشُوشًا جَازَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهِ وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ الْفِضَّةِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ قِلَّةُ فِضَّةِ الْمَغْشُوشِ جِدًّا ثَبَتَ الرَّدُّ إنْ اجْتَمَعَ مِنْهَا مَالِيَّةٌ لَوْ مُيِّزَتْ، وَإِلَّا فَيَبْطُلُ، الْبَيْعُ كَمَا لَوْ ظَهَرَتْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَلَوْ بَاعَ بِوَزْنِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ فِضَّةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا مَضْرُوبَةٌ أَوْ تِبْرٌ لَمْ يَصِحَّ لِتَرَدُّدِهِ (أَوْ) فِي الْبَلَدِ (نَقْدَانِ) فَأَكْثَرُ وَلَوْ صِحَاحًا وَمُكَسَّرَةً وَ (لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا) أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ (اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ) لَفْظًا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهِمَا فَلَا يَكْفِي التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ هُنَا. فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ بَنَاتٌ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَنَوَيَا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ هُنَا وَاجِبٌ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ بِاللَّفْظِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، فَاكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِيمَا لَا يَجِبُ ذِكْرُهُ. أَمَّا إذَا اتَّفَقَتْ النُّقُودُ وَلَوْ صِحَاحًا وَمُكَسَّرَةً بِأَنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ قِيمَةً وَغَلَبَةً فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِيَ أَيَّهَا شَاءَ، وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مَعْدُومٍ أَصْلًا وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ مَعْدُومٍ فِي الْبَلَدِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ نَقْلُهُ إلَى الْبَلَدِ عَادَةً لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، أَوْ إلَى أَجَلٍ يُمْكِنُ فِيهِ النَّقْلُ عَادَةً بِسُهُولَةٍ لِلْمُعَامَلَةِ صَحَّ، فَلَوْ لَمْ يُحْضِرْهُ اُسْتُبْدِلَ عَنْهُ لِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَكَذَا يُسْتَبْدَلُ لَوْ بَاعَ بِمَوْجُودٍ عَزِيزٍ فَلَمْ يَجِدْهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيمَا إذَا عَقَدَ بِنَقْدٍ إلَّا النَّقْدَ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ وَإِنْ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ فَرَخُصَتْ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَا يَتَعَامَلُونَ بِهِ فِيهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ.
المتن: وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ بَاعَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ إنْ خَرَجَتْ مِائَةً، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ.
الشَّرْحُ: (وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ) لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ (كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ) قَالَ الشَّارِحُ: بِنَصَبِ كُلَّ: أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ بِعْتُك الصُّبْرَةَ، وَيَصِحُّ جَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الصُّبْرَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّ هَذَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُشَاهَدٌ، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالتَّفْصِيلِ وَالْغَرَرُ مُرْتَفِعٌ بِهِ كَمَا إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَبْلَغَ الثَّمَنِ فِي حَالِ الْعَقْدِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَارَقَ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِمَا رُقِمَ: أَيْ كُتِبَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَجْهُولَةِ الْقَدْرِ، بِأَنَّ الْغَرَرَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ كُلَّ صَاعٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ وَمِثْلُ الصُّبْرَةِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ أَوْ الْعَبِيدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ الْجُمْلَةَ بَلْ بَعْضَهَا الْمُحْتَمِلَ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ الْمَبِيعِ تَحْقِيقًا وَلَا تَخْمِينًا. وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك صَاعًا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ صَحَّ فِي صَاعٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْلُومُ أَوْ بِعْتُكَهَا وَهِيَ عَشَرَةُ آصُعٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ صَحَّ فِي الْعَشَرَةِ فَقَطْ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِيهِمَا عَلَى أَنَّ مَا زَادَ بِحِسَابِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ (وَلَوْ) قَابَلَ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ أَوْ نَحْوِهَا كَأَرْضٍ وَثَوْبٍ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ وَبَعْضِهَا بِتَفْصِيلِهِ كَأَنْ (بَاعَهَا) أَيْ الصُّبْرَةَ أَوْ الْأَرْضَ أَوْ الثَّوْبَ (بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ) أَوْ ذِرَاعٍ (بِدِرْهَمٍ صَحَّ إنْ خَرَجَتْ مِائَةً) لِتَوَافُقِ الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِائَةً، بِأَنْ خَرَجَتْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ جُمْلَةِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ وَالثَّانِي يَصِحُّ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ. فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا صَحَّحَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ صَاعًا بِصَاعٍ فَزَادَتْ إحْدَاهُمَا وَرَضِيَ صَاحِبُهَا بِتَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ تَمَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ الْآخَرَ قَبُولُهَا أَوْ صَاحِبُ النَّاقِصَةِ بِقَدْرِهَا أَقَرَّ وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ الْعَقْدُ.. أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّمَنَ هُنَا عُيِّنَتْ كَمِّيَّتُهُ. فَإِذَا اخْتَلَّ عَنْهَا صَارَ مُبْهَمًا فَأُبْطِلَ بِخِلَافِهِ ثَمَّةَ لَمْ تُعَيَّنْ كَمِّيَّةُ صِيعَانِهِ، وَالصُّبْرَةُ النَّاقِصَةُ قَدْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى جَمِيعِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ صُبْرَةً صَغِيرَةً بِقَدْرِهَا مِنْ كَبِيرَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. أَمَّا إذَا قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَلَمْ يُقَابِلْ الْأَجْزَاءَ بِالْأَجْزَاءِ كَأَنْ قَالَ بِعْتُكهَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ خَرَجَتْ زَائِدَةً أَوْ نَاقِصَةً، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لَا تَفْسَخْ وَأَنَا أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ أَوْ أَنَا أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْبَائِعِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِحَطِّ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ النَّقْصِ وَإِذَا أَجَازَ فَبِالْمُسَمَّى فَقَطْ، أَوْ قَابَلَ الْأَجْزَاءَ بِالْأَجْزَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ كَأَنْ قَالَ بِعْتُكَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ صَاعٍ، فَهِيَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَرِيبَةٌ مِنْ الْأُولَى، وَإِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ النُّقْصَانِ، وَخَرَّجَ الزَّائِدَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ) أَوْ الْمُعَوَّضُ (مُعَيَّنًا) قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ مُشَاهَدًا، لِأَنَّ الْمُعَيِّنَ صَادِقٌ بِمَا عَيَّنَ بِوَصْفِهِ وَبِمَا هُوَ مُشَاهَدٌ: أَيْ مُعَايَنٌ فَالْأَوَّلُ مِنْ التَّعْيِينِ وَالثَّانِي مِنْ الْمُعَايَنَةِ: أَيْ الْمُشَاهَدَةِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: (كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ) عَنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ اعْتِمَادًا عَلَى التَّخْمِينِ الْمَصْحُوبِ بِهَا، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، وَهِيَ مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ صَحَّ الْبَيْعُ اعْتِمَادًا عَلَى الْمُشَاهَدَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوقِعُ فِي النَّدَمِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَ فِي التَّتِمَّةِ بِأَنَّ مَجْهُولَ الذَّرْعِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصُّبْرَةَ لَا تُعْرَفُ تَخْمِينًا غَالِبًا لِتَرَاكُمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِخِلَافِ الْمَذْرُوعِ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّ تَحْتَهَا دَكَّةً أَوْ مَوْضِعًا مُنْخَفِضًا أَوْ اخْتِلَافَ أَجْزَاءِ الظَّرْفِ الَّذِي فِيهِ الْعِوَضُ أَوْ الْمُعَوَّضُ مِنْ نَحْوِ ظَرْفِ عَسَلٍ وَسَمْنٍ رِقَّةً وَغِلَظًا بَطَلَ الْعَقْدُ لِمَنْعِهَا تَخْمِينَ الْقَدْرِ فَيَكْثُرُ الْغَرَرُ. قَالَ شَيْخِي: لِأَنَّ التَّخْمِينَ يَضْعُفُ عِنْدَ الْعِلْمِ. نَعَمْ إنْ رَأَى ذَلِكَ قَبْلَ الْوَضْعِ فِيهِ صَحَّ الْبَيْعُ لِحُصُولِ التَّخْمِينِ، وَإِنْ جَهِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَلِكَ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَحَلَّ مُسْتَوٍ فَظَهَرَ خِلَافُهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَخُيِّرَ مَنْ لَحِقَهُ النَّقْصُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ إلْحَاقًا لِمَا ظَهَرَ بِالْعَيْبِ، فَالْخِيَارُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّكَّةِ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي الْحُفْرَةِ لِلْبَائِعِ، وَقِيلَ إنَّ مَا فِي الْحُفْرَةِ لِلْبَائِعِ وَلَا خِيَارَ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي التَّهْذِيبِ.
المتن: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَتَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا.
الشَّرْحُ: تَنْبِيهٌ الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَوْ لِمَنْ عَمِيَ وَقْتُهُ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ) وَهُوَ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَالثَّانِي يَصِحُّ) إذَا وُصِفَ بِذِكْرِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْوَصْفِ، فَيَقُولُ بِعْتُك عَبْدِي التُّرْكِيَّ أَوْ فَرَسِي الْعَرَبِيَّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى هَذَا، وَقِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَا يُوهِمُهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ حَتَّى لَوْ قَالَ: بِعْتُك مَا فِي كَفِّي أَوْ مِيرَاثِي مِنْ أَبِي صَحَّ (وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ) لِلْمُشْتَرِي (عِنْدَ الرُّؤْيَةِ)، وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا وُصِفَ لِحَدِيثِ {لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ}، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ خِلَافًا لِمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ وَإِنْ قَوَّاهُ الْإِسْنَوِيُّ نَعَمْ إنْ وَجَدَهُ زَائِدًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَهُ نَاقِصًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ {مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ} لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إنَّهُ بَاطِلٌ وَيَنْفُذُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ الْفَسْخُ دُونَ الْإِجَازَةِ. وَيَمْتَدُّ الْخِيَارُ امْتِدَادَ مَجْلِسِ الرُّؤْيَةِ، وَقِيلَ عَلَى الْفَوْرِ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي رَهْنِ الْغَائِبِ وَهِبَتِهِ وَعَلَى صِحَّتِهِمَا لَا خِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ مِنْ الْجَزْمِ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الصَّلَاحِ فِي وَقْفِ مَا اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَهُ كَأَنْ وَرِثَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلُهُ، وَكَلَامُ الْقَفَّالِ فِيمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ (وَ) عَلَى الْأَظْهَرِ فِي اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ (تَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ) وَلَوْ لِمَنْ عَمِيَ وَقْتُهُ (فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ) كَالْأَرْضِ وَنَحْوِ الْحَدِيدِ وَإِنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَهُ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ، وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا شَاهَدَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا تَكْفِي الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ إذَا كَانَ حَالَ الْعَقْدِ ذَاكِرًا لِلْأَوْصَافِ، فَإِنْ نَسِيَهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَبِهِ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي نُكَتِهِ: إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، وَقِيلَ: يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ حُدُوثَ عَيْبٍ فِيهِ. فَإِنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ التَّغَيُّرُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَالصِّفَةُ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ كَالشَّرْطِ فِي الصِّفَاتِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، فَإِذَا بَانَ فَوْتُ شَيْءٍ مِنْهَا كَانَ بِمَثَابَةِ الْخُلْفِ فِي الشَّرْطِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَقَالَ الْبَائِعُ: هُوَ بِحَالِهِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ تَغَيَّرَ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ كَدَعْوَى عِلْمِهِ بِالْغَيْبِ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ بِمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا ثَمَّ اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا يُفْهِمُ الصِّحَّةَ فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّغَيُّرَ وَعَدَمَهُ عَلَى السَّوَاءِ كَالْحَيَوَانِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ (دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا) كَالْأَطْعِمَةِ بَلْ يُوَافِقُهُ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ إنَّ مَفْهُومَ الْمِنْهَاجِ مُتَدَافِعٌ، فَإِنَّهُ يُفْهِمُ أَوَّلُ كَلَامِهِ الْبُطْلَانَ وَمَفْهُومُ آخِرِهِ الصِّحَّةَ، وَإِنَّمَا بَطَلَ فِيمَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ لَمْ تُفِدْ مَعْرِفَةَ حَالِ الْعَقْدِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ الْبُطْلَانُ فِيمَا تَحَقَّقَ تَغَيُّرُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
المتن: وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ، وَأُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ، أَوْ كَانَ صِوَانًا لِلْبَاقِي خِلْقَةً كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ، وَالْقِشْرَةِ السُّفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ.
الشَّرْحُ: (وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيه كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ) مِنْ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا وَجَوْزٍ وَنَحْوِهِ وَأَدِقَّةٍ، وَكَأَعَالِي الْمَائِعَاتِ فِي أَوْعِيَتِهَا كَالدُّهْنِ، وَأَعْلَى التَّمْرِ فِي قَوْصَرَتِهِ وَالطَّعَامِ فِي آنِيَتِهِ، وَكَذَا الْقُطْنُ الْمُجَرَّدُ عَنْ جَوْزِهِ وَلَوْ فِي عِدْلِهِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَأَى الْبَاطِنَ إلَّا إذَا خَالَفَ الظَّاهِرَ بِنَقْصٍ بِخِلَافِ صُبْرَةِ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى بَاقِيهَا بَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، حَتَّى لَوْ رَأَى أَحَدَ جَانِبَيْ الْبِطِّيخَةِ كَانَ كَبَيْعِ الْغَائِبِ، وَلَوْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ كَالثَّوْبِ الصَّفِيقِ يُرَى أَحَدُ وَجْهَيْهِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَا يَكْفِي فِي مَسْأَلَةِ الْعِنَبِ وَالْخَوْخِ وَنَحْوِهِمَا رُؤْيَةُ أَعْلَاهَا لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحُبُوبِ (وَ) مِثْلُ (أُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ) أَيْ الْمُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ كَالْحُبُوبِ، فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ تَكْفِي عَنْ رُؤْيَةِ بَاقِي الْمَبِيعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِهِ فِي الْمَبِيعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ خَلْطُهُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَهُ، فَإِذَا قَالَ: بِعْتُك حِنْطَةَ هَذَا الْبَيْتِ مَعَ الْأُنْمُوذَجِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَلْطِهِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْبَغَوِيَّ إنَّمَا أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ خُلِطَ بِهَا كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا رَأَى بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ. أَمَّا إذَا بَاعَهَا دُونَهُ كَأَنْ قَالَ بِعْتُك مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ وَأُنْمُوذَجٍ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَبِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِقْدَارٌ تُسَمِّيهِ السَّمَاسِرَةُ عَيْنًا مَعْطُوفٌ عَلَى ظَاهِرٍ مِنْ قَوْلِهِ: كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّقْدِيرِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَعْنِي مِنْ ظَاهِرٍ وَأُنْمُوذَجٍ مِثَالًا لِبَعْضِ الْمَبِيعِ الدَّالِّ عَلَى بَاقِيهِ، لَا أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ رُؤْيَةِ الْبَعْضِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِهِ فِي الْبَيْعِ (أَوْ) لَمْ يَدُلَّ عَلَى بَاقِيهِ بَلْ (كَانَ صِوَانًا) بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا، وَيُقَالُ صِيَانٌ (لِلْبَاقِي) لِبَقَائِهِ (خِلْقَةً كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبِيضِ وَالْقِشْرَةِ السُّفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ) فَتَكْفِي رُؤْيَتُهُ، لِأَنَّ صَلَاحَ بَاطِنِهِ فِي بَقَائِهِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ هُوَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَ إلَخْ قَسِيمُ قَوْلِهِ: إنْ دَلَّ كَمَا قَدَّرْته. وَقَوْلُهُ: كَالْمُحَرَّرِ خِلْقَةً مَزِيدٌ عَلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهُوَ صِفَةٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ جِلْدِ الْكِتَابِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ لَا تَكْفِي، وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَى طَرْدِهِ الدُّرُّ فِي صَدَفِهِ وَالْمِسْكُ فِي فَأْرَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا مَعَ أَنَّ الصِّوَانَ خِلْقِيٌّ، وَعَلَى عَكْسِهِ الْخُشْكِنَانُ وَالْجُبَّةُ الْمَحْشُوَّةُ بِالْقُطْنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُمَا مَعَ أَنَّ صِوَانَهُمَا غَيْرُ خِلْقِيٍّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَلْ يَلْتَحِقُ الْفُرُشُ وَاللُّحُفُ بِهِمَا؟ فِيهِ وَقْفَةٌ، وَالظَّاهِرَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ فِيهَا مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الْجُبَّةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَيْعُ كُوزِ الْفِقَاعِ كَمَا أَوْرَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْكُوزَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْخُشْكِنَانِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا صَحَّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ تَشُقُّ رُؤْيَتُهُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَلَيْسَ فِيهِ غَرَرٌ يَفُوتُ بِهِ مَقْصُودٌ مُعْتَبَرٌ، وَاحْتُرِزَ بِوَصْفِ الْقِشْرَةِ بِالسُّفْلَى لِمَا ذُكِرَ، وَهِيَ الَّتِي تُكْسَرُ حَالَةَ الْأَكْلِ عَنْ الْعُلْيَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ قَبْلَ إزَالَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ لِاسْتِتَارِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ. نَعَمْ إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ السُّفْلَى كَفَتْ رُؤْيَةُ الْعُلْيَا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَأْكُولٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ اللُّبِّ مِنْ نَحْوِ الْجَوْزِ وَحْدَهُ فِي قِشْرِهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِكَسْرِ الْقِشْرِ فَيَنْقُصُ عَيْنُ الْمَبِيعِ، وَلَا بَيْعُ مَا رُئِيَ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ لِانْتِفَاءِ تَمَامِ الْمَعْرِفَةِ وَصَلَاحِ إبْقَائِهِ فِيهَا بِخِلَافِ رُؤْيَةِ السَّمَكِ وَالْأَرْضِ تَحْتَ الْمَاءِ الصَّافِي إذْ بِهِ صَلَاحُهُمَا. أَمَّا الْكَدِرُ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعَ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ التَّأْقِيتَ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ قَصَبِ السُّكْرِ فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَسْفَلَ كَبَاطِنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمَصُّ مَعَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ. فَائِدَةٌ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَقَطَتْ مِنْهُ حَبَّةُ رُمَّانَةٍ أَكَلَهَا، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بَلَغَنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {لَيْسَ فِي الْأَرْضِ رُمَّانَةٌ تُلَقَّحُ إلَّا بِحَبَّةٍ مِنْ رُمَّانِ الْجَنَّةِ فَلَعَلَّهَا هَذِهِ} وَقِيلَ: إذَا أَخَذْتَ رُمَّانَةً مِنْ شَجَرَةٍ وَعَدَدْت حَبَّاتِهَا فَتَكُونُ حَبَّاتُ رُمَّانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ كَذَلِكَ، وَإِذَا عَدَدْت شُرَّافَاتِ قُمْعِ الرُّمَّانَةِ، فَإِنْ كَانَتْ زَوْجًا فَعَدَدُ حَبَّاتِهَا زَوْجٌ، أَوْ فَرَدًّا فَعَدَدُ حَبَّاتِهَا فَرْدٌ.
المتن: وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ.
الشَّرْحُ: (وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ) غَيْرِ مَا ذُكِرَ (عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ) فَيُعْتَبَرُ فِي الدَّارِ رُؤْيَةُ الْبُيُوتِ وَالسُّقُوفِ وَالسُّطُوحِ وَالْجُدْرَانِ وَالْمُسْتَحَمِّ وَالْبَالُوعَةِ، وَكَذَا رُؤْيَةُ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِي الْبُسْتَانِ رُؤْيَةُ أَشْجَارِهِ وَمَجْرَى مَائِهِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ الَّذِي تَدُورُ بِهِ الرَّحَى خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ أَسَاسِ جُدْرَانِ الْبُسْتَانِ، وَلَا رُؤْيَةُ عُرُوقِ الْأَشْجَارِ وَنَحْوِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ رَأَى آلَةَ بِنَاءِ الْحَمَّامِ وَأَرْضِهَا قَبْلَ بِنَائِهَا لَمْ يَكْفِ عَنْ رُؤْيَتِهَا كَمَا لَا يَكْفِي فِي التَّمْرِ رُؤْيَتُهُ رَطْبًا وَلَوْ رَأَى سَخْلَةً أَوْ ظَبْيًا فَكَمُلَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا إلَّا بِرُؤْيَةٍ أُخْرَى، وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ رُؤْيَةُ مَا سِوَى الْعَوْرَةِ لَا اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ مُقْدَمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا وَقَوَائِمِهَا وَظَهْرِهَا حَتَّى شَعْرِهَا، فَيَجِبُ رَفْعُ الْجِلِّ وَالسَّرْجِ وَالْإِكَافِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إجْرَاؤُهَا لِيَعْرِفَ سَيْرَهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ نَشْرُهُ لِيَرَى الْجَمِيعَ، وَلَوْ لَمْ يُنْشَرْ مِثْلُهُ إلَّا عِنْدَ الْقَطْعِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ رُؤْيَةُ وَجْهَيْ مَا يَخْتَلِفُ مِنْهُ كَأَنْ يَكُونُ صَفِيقًا كَدِيبَاجٍ مُنَقَّشٍ وَبُسُطٍ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَلِفُ وَجْهَاهُ كَكِرْبَاسٍ فَتَكْفِي رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الْأَوْرَاقِ، وَفِي الْوَرَقِ الْبَيَاضِ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الطَّاقَاتِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ. وَإِنْ حُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَرُئِيَ قَبْلَ الْبَيْعِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ وَلِعَدَمِ تَيَقُّنِ وُجُودِ قَدْرِ اللَّبَنِ الْمَبِيعِ وَلِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ، وَلَا بَيْعُ الصُّوفِ قَبْلَ الْجَزِّ أَوْ التَّذْكِيَةِ لِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ؛ وَلِأَنَّ تَسْلِيمَهُ إنَّمَا يُمْكِنُ بِاسْتِئْصَالِهِ وَهُوَ مُؤْلِمٌ لِلْحَيَوَانِ، فَإِنْ قَبَضَ قَبْضَةً وَقَالَ: بِعْتُك هَذِهِ صَحَّ قَطْعًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا بَيْعُ الْأَكَارِعِ وَالرُّءُوسِ قَبْلَ الْإِبَانَةِ وَلَا الْمَذْبُوحِ أَوْ جِلْدِهِ أَوْ لَحْمِهِ قَبْلَ السَّلْخِ أَوْ السَّمْطِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَذَا مَسْلُوخٌ لَمْ يُنَقَّ جَوْفُهُ وَبِيعَ وَزْنًا، فَإِنْ بِيعَ جُزَافًا صَحَّ بِخِلَافِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا لِقِلَّةِ مَا فِي جَوْفِهِ، وَلَا بَيْعُ مِسْكٍ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ لِجَهْلِ الْمَقْصُودِ كَنَحْوِ لَبَنٍ مَخْلُوطٍ بِنَحْوِ مَاءٍ. نَعَمْ إنْ كَانَ مَعْجُونًا بِغَيْرِهِ كَالْغَالِيَةِ وَالنَّدِّ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيْعُهُمَا لَا الْمِسْكِ وَحْدَهُ، وَلَوْ بَاعَ الْمِسْكَ فِي فَأْرَتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَهَا كَاللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ، فَإِنْ رَآهَا فَارِغَةً ثُمَّ مُلِئَتْ مِسْكًا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ رَأَى أَعْلَاهُ مِنْ رَأْسِهَا أَوْ رَآهُ خَارِجَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ رَدِّهِ إلَيْهَا جَازَ، وَلَوْ بَاعَهُ السَّمْنَ وَظَرْفَهُ أَوْ الْمِسْكَ وَفَأْرَتَهُ كُلَّ قِيرَاطٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا صَحَّ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا إنْ عَرَفَا وَزْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكَانَ لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، وَيَجُوزُ بَيْعُ حِنْطَةٍ مُخْتَلِطَةٍ بِشَعِيرٍ كَيْلًا وَوَزْنًا وَجُزَافًا. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنٍ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تُرَابِ صَاغَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ عَادَةً كَبَيْعِ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ، وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ عَلَى مِنْسَجٍ قَدْ نُسِجَ بَعْضُهُ فَبَاعَهُ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ الْبَائِعُ الْبَاقِيَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا نَصَّ عَلَيْهِ.
المتن: وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَصْفَهُ بِصِفَةِ السَّلَمِ لَا يَكْفِي، وَيَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى وَقِيلَ: إنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ فَلَا.
الشَّرْحُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَصْفَهُ) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي يُرَادُ بَيْعُهُ (بِصِفَةِ السَّلَمِ) أَوْ سَمَاعِ وَصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ (لَا يَكْفِي) عَنْ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ أُمُورًا تَقْصُرُ عَنْهَا الْعِبَارَةُ، وَفِي الْخَبَرِ " لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ " وَالثَّانِي: يَكْفِي، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ثَمَرَةَ الرُّؤْيَةِ الْمَعْرِفَةُ وَالْوَصْفُ يُفِيدُهَا، فَإِنْ قِيلَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِوَصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ مَعَ قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ إنَّهُ يُفِيدُ الْقَطْعَ مُشْكِلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ يَتَفَاوَتُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِيَانَ أَقْوَى، وَلِهَذَا تَقَدَّمَ فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ تُفِيدُ أُمُورًا تَقْصُرُ عَنْهَا الْعِبَارَةُ (وَيَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى) أَيْ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُسْلَمَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ الصِّفَاتِ بِالسَّمَاعِ، وَمَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ وَيُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ أَوْ يَقْبِضُ لَهُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَعْتَمِدُ الْوَصْفَ لَا الرُّؤْيَةَ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا لَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِهِ عَيْنًا (وَقِيلَ إنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ) بَيْنَ الْأَشْيَاءِ أَوْ خُلِقَ أَعْمَى (فَلَا) يَصِحُّ سَلَمُهُ لِانْتِفَاءِ مَعْرِفَتِهِ بِالْأَشْيَاءِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ، بِأَنَّهُ يَعْرِفُهَا بِالسَّمَاعِ وَيَتَخَيَّلُ فَرْقًا بَيْنَهَا كَبَصِيرٍ يُسْلِمُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ رَآهُ كَأَهْلِ خُرَاسَانَ فِي الرُّطَبِ، وَأَهْلِ بَغْدَادَ فِي الْمَوْزِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى مِنْ الْعُقُودِ غَيْرُ السَّلَمِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ وَيُؤْجِرَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُهَا، وَأَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: صِحَّةُ شِرَائِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَبَيْعُهُ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ وَنَحْوَهَا. وَأَمَّا مَا يُعْتَمَدُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ.
خَاتِمَةٌ: لَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ شَيْئًا ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ فَهَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا عَدَمَ الْبُطْلَانِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبَصَلِ وَالْجَزَرِ وَنَحْوِهِمَا فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى: أَيْ مَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ بَيْعِ النَّصِيبِ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ نَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجَارِيَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَنَاةَ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا فَإِذَا مَلَكَ الْقَرَارَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَإِنْ اشْتَرَى الْقَرَارَ مَعَ الْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا لِلْجَهَالَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الذَّوْقُ وَالشَّمُّ فِي مِثْلِ الْخَلِّ وَالْمِسْكِ وَلَا لَمْسُ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهَا، وَلَوْ اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ أَوْ غَيْرِهَا فِي ظَرْفِهِ كُلُّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظَرْفِهِ وَيَسْقُطُ أَرْطَالٌ مُعَيَّنَةٌ بِسَبَبِ الظَّرْفِ وَلَا يُوزَنُ الظَّرْفُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ ظَاهِرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَسْوَاقِ. وَلَوْ رَأَى ثَوْبَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ قِيمَةً وَوَصْفًا وَقَدْرًا كَنِصْفَيْ كِرْبَاسٍ فَسُرِقَ أَحَدُهُمَا وَاشْتَرَى الْآخَرَ غَائِبًا عَنْهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا الْمَسْرُوقُ صَحَّ لِحُصُولِ الْعِلْمِ، لَا إنْ اخْتَلَفَتْ الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ مِنْ تَصْدِيقِ مُدَّعِيهَا.
|