الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
فأجاب: الحمد لله، ليس لأحد أن يحكم بين أحد من خلق الله، لا بين المسلمين، ولا الكفار، ولا الفتيان، ولا رماة البندق، ولا الجيش ولا الفقراء، ولا غير ذلك إلا بحكم الله ورسوله. ومن ابتغي غير ذلك تناوله / قوله تعالى: سـئل شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه ـ عن الرواية: هل كل من قبلت روايته قبلت شهادته؟ فأجاب: أما قوله: هل كل من قبلت روايته قبلت شهادته، فذا فيه نزاع فإن العبد تقبل روايته باتفاق العلماء، وفي قبول شهادته نزاع بين العلماء، فمذهب على وأنس وشريح تقبل شهادته، وهو مذهب أحمد وغيره. ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي لا تقبل شهادته. والمرأة تقبل روايتها مطلقا، وتقبل شهادتها في الجملة؛ لكون الشهادة على شخص معين لا يتعدي حكمها إلي الشاهد، بخلاف الرواية؛ فإن الرواية يتعدي حكمها، فإن الراوي روي حكما يشترك فيه هو وغيره؛ فلهذا لم يشترط في الرواية عدد بخلاف الشهادة، وهذا مما فرقوا به.
/ فأجاب: أما الشهادة بالإعسار فإذا شهدوا أنه معسر عما لزمه من الدين، وعرفوا قدره، صحت الشهادة، لكن هذا لا يمنع قدرته على وفاء بعضه. وتصح الشهادة بذلك وإن لم يعرفوا قدره إذا شهدوا بأنه لا يقدر على وفاء شيء لكن العلم بهذا متعذر في الغالب، ولكن إذا كان الدين عن معاوضة ـ كثمن بيع وبدل قرض ـ وكان له مال معروف، فإذا شهد الشهود بذهاب ماله، صار بمنزلة من لم يعرف له مال. وفي مثل هذا القول قوله مع يمينه أنه معسر عاجز عن وفاء ما يحلف عليه إن ادعي العجز عن وفاء قليل أو كثير حلف على ذلك، وحصل المقصود بذلك، وإن ادعي أنه ليس له إلا كذا حلف عليه. وأحد القولين في مذهب أحمد وغيره أنه لابد أن تكون البينة الشاهدة بعسرته ثلاثة إذا كان له مال، للخبر المأثور في ذلك، بخلاف ما لو شهدت / بتلف ماله بسبب ظاهر. والحديث حديث قبيصة بن مخارق الهلالي، الذي رواه مسلم في صحيحه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تحل المسألة إلا لثلاثة: رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتي يصيب قواماً من عيش، أو قال: سداداً من عيش، ثم يمسك. ورجل أصابته فاقة حتي يقوم ثلاثة من ذوي الحجي من قومه، فيقولون: لقد أصاب فلانًا فاقة فحلت له المسألة حتي يصيب قوامًا من عيش، أو قال: سدادًا من عيش، ثم يمسك. ورجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتي يصيبها ثم يمسك. فما سواهن من المسألة يا قبيصة، فسحت يأكلها صاحبها سحتاً).
وسـئل ـ رحمه الله تعالى ـ عمن أشهد على نفسه ـ وهو في صحة من عقله وبدنه، فأجاب: هذه الشهادة لا تقبل، بل إن كان وارثا في الشرع ورثه شاء أم أبي، وإن لم يكن وارثا في الشرع لم يرث. وليس لأحد أن يتعدي حدود الله، ولا يغير دين الله، ولو فعل ذلك كرهاً كان فاسقاً من أهل الكبائر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قطع ميراثا قطع الله ميراثه من الجنة)
/ فأجاب: إن كان الشاهد ذا عدل قبل قوله في ذلك، لكن في تحليفه نزاع، وقد روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : أنه يحلف، فإن كانت كاذبة لم يحل الحول حتي يبيض ثدياها.
وسـئل ـ رحمه الله تعالى: هل تقبل شهادة الضرة؟ فأجاب: لا تقبل شهادة الضرة فيما يبطل نكاح ضرتها، لا برضاع ولا غيره، والله أعلم.
وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن الشهادة على العاصي والمبتدع: فأجاب: ما يجرح به الشاهد وغيره مما يقدح في عدالته ودينه فإنه يشهد به إذا علمه الشاهد به بالاستفاضة، ويكون ذلك قدحا شرعيا، كما صرح بذلك طوائف الفقهاء من المالكية والشافعية والحنبلية وغيرهم في كتبهم الكبار والصغار، صرحوا فيما إذا جرح الرجل جرحاً مفسدا أنه يجرحه الجارح بما سمعه منه، أو رآه، واستفاض. وما أعلم في هذا نزاعاً بين الناس، فإن المسلمين كلهم يشهدون في وقتنا في مثل عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وأمثالهما من أهل العدل والدين بما لم يعلموه إلا بالاستفاضة. ويشهدون في مثل الحجاج ابن يوسف والمختار بن أبي عبيد، وعمر بن عبيد، وغيلان القدري، وعبد الله بن سبأ الرافضي، ونحوهم من الظلم والبدعة بما لا يعلمونه إلا بالاستفاضة. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال: (وجبت) ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال: (وجبت، وجبت) قالوا: يا رسول الله، ما قولك: وجبت وجبت؟ قال: (هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا، فقلت: وجبت لها النار. أنتم شهداء الله في الأرض) هذا إذا كان المقصود تفسيقه لرد شهادته وولايته. /وأما إذا كان المقصود التحذير منه واتقاء شره فيكتفي بما دون ذلك،كما قال عبد الله بن مسعود: اعتبروا الناس بأخدانهم،وبلغ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا يجتمع إليه الأحداث فنهي عن مجالسته، فإذا كان الرجل مخالطاً في السير لأهل الشر يحذر عنه. والداعي إلي البدعة مستحق العقوبة باتفاق المسلمين، وعقوبته تكون تارة بالقتل، وتارة بما دونه، كما قتل السلف جهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري، وغيرهم. ولو قدر أنه لا يستحق العقوبة أو لا يمكن عقوبته فلابد من بيان بدعته والتحذير منها، فإن هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي أمر الله به ورسوله. والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة، كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، فإن عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط وغيرهما قالوا: أصول اثنتين وسبعين فرقة هي أربع: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، قيل لابن المبارك: فالجهمية؟ قال: ليست الجهمية من أمة محمد صلى الله عليه وسلم . والجهمية نفاة الصفات الذين يقولون: القرآن مخلوق، وإن الله لا يري في الآخرة، وأن محمدًا لم يعرج به إلي الله، وأن الله لا علم له ولا قدرة ولا حياة ونحو ذلك، كما يقوله المعتزلة والمتفلسفة ومن اتبعهم. /وقد قال عبد الرحمن بن مهدي: هما صنفان فاحذرهما ـ الجهمية والرافضة. فهذان الصنفان شرار أهل البدع، ومنهم دخلت القرامطة الباطنية كالنصيرية والإسماعيلية، ومنهم اتصلت الاتحادية؛ فإنهم من جنس الطائفة الفرعونية. والرافضة في هذه الأزمان مع الرفض جهمية قدرية؛ فإنهم ضموا إلي الرفض مذهب المعتزلة، ثم قد يخرجون إلي مذهب الإسماعيلية ونحوهم من أهل الزندقة والاتحاد، والله ورسوله أعلم.
وسـئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن شهود شهدوا بما يوجب الحد، ولما شخص قالوا فأجاب: نعم، إذا رجع عن شهادته قبل الحكم بها لم يحكم بها وإذا كان يعلم أنه قد غلط وجب عليه أن يرجع، ولا يقدح ذلك في دينه ولا عدالته، والله أعلم.
وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجلين بينهما دار مشتركة، فطلب أحدهما القسمة فامتنع فأجاب: الحمد لله رب العالمين، إن كانت تقبل القسمة من غير ضرر بحيث لا تنقص في البيع أجبر الممتنع على القسمة، وإلا كان لطالب القسمة أن يطلب البيع قد يجبر الممتنع ويقسم بينهما الثمن. والإجبار على القسمة المذكورة مذهب الأئمة الأربعة. والإجبار على البيع المذكور مذهب مالك وأبي حنيفة والإمام أحمد.
/ فأجاب: إن كان قابلا للقسمة وطلب الشريك القسم وجب على الحاكم إجابته ولو كان الشريك الآخر رشيدًا، فكيف إذا كان تحت الحجر؟ وإن لم يكن قابلاً للقسمة غير قسمة الإجبار، وللحاكم أن يقاسم عن المحجور عليه إذا رآه مصلحة. وإذا طلب الشريك: إما القسمة، وإما العمارة: فللحاكم أن يجيبه إلي أحدهما.
/ فأجاب: الحمد لله رب العالمين، إذا طلب الشريك أن يؤجروا العين ويقسموا الأجرة على قدر حقوقهم، أو يهايئوه فيقتسموا المنفعة، وجب على الشركاء أن يجيبوه إلي أحد الأمرين؛ فإن أجابوه إلي المهايأة وطلبوا تطويل الدور الذي يأخذ فيه نصيبه وطلب هو تقصير الدور وجبت إجابته دونهم، فإن المهايأة بالزمان فيها تأخير حقوق بعض الشركاء عن بعض فكلما كان الاستيفاء أقرب كان أولي؛ لأن الأصل وجوب استيفاء الشركاء جميعهم حقوقهم، والتأخير لأجل الحاجة، فكلما قل زمن التأخر كان أولي، لا سيما إذا كان مع التأخير لا يمكن الشريك أن يستوفي حقه إلا بضرر؛ مثل إعداد بهائم ليوم والانفاق عليها في الأسبوع، فإنه لا يجب عليه موافقتهم على ما فيه ضرره مع إمكان التعديل بينهم بلا ضرر، والله أعلم.
/ فأجاب: أما قسمة اللحم بالقيمة فالصحيح أنه يجوز؛ فإن القسمة إفراز بين الأنصباء، ليست بيعا على الصحيح. وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقاسم أهل خيبر خرصا، فيخرص عبد الله بن رواحة ما على النخل فيقسمه بين المسلمين واليهود، ولا يجوز بيع الرطب خرصا، وكذلك كان المسلمون ينحرون الجزور ويقسمونها بينهم بلا ميزان، كانوا يفعلون ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . وكذلك جميع هذا الباب يجوز قسمة التين والعنب بغير كيل ولا وزن، وتجوز قسمة الرمان عددًا، وكذلك البطيخ والخيار. هذا هو الصحيح في المعدودات كلها أنها تقسم بالقيمة، وليست هذه القسمة بيعا، لكن تعديل الأجزاء معتبر فيه الخبرة. والمقصود أنه يجوز أن تعدل الأنصاب ما يمكن إما من كيل أو وزن إن أمكن وإلا بالخرص والتقويم، ليس هذا مثل البيع؛ فإن القسمة جائزة في جميع المال، ويجوز قسمة التمر قبل بدو صلاحه، والله أعلم.
/ فأجاب: تجوز قسمة الأموال الرطبة كالرطب والعنب وغير ذلك. فالمقصود بالقسمة أن يكون بالعدل، فإذا لم يكن التعديل بالكيل والوزن كان التعديل يقوم مقام ذلك من الخرص والتقويم في الأموال الربوية، ويجوز أن يشتري الفاكهة بالحنطة والشعير يدًا بيد بلا خلاف بين الفقهاء، وإنما اختلفوا في جواز بيعها نسيئة، والجمهور على أنه يجوز ذلك نسيئة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه، والشافعي في قوله القديم، وهذا مبني على أن علة الربا: هل هو التماثل والقوت، والطعام مماثل الطعم؟ فمن قال: هي التماثل والقوت والتماثل مع الطعم جوز ذلك، ومن قال: هي الطعم وحده لم يجوز ذلك، والله أعلم.
سئل شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه ـ عن رجل أقر أن جميع الحانوت المعروفة فأجاب: الشاهد يشهد بما سمعه من كلام المقر، والإقرار يصح بالمعلوم والمجهول، والمتميز وغير المتميز، وإذا قامت بينة أخري بتعيين ما دخل في اللفظ جاز ذلك وعمل بموجب شهادتهم، كما لو أقر المقر لفلان ابن فلان عندي كذا، وإن داري الفلانية أو المحدودة بكذا لفلان، ثم شهد شاهدان بأن هذا المعين هو المسمي والموصوف أو المحدود، فإن هذا يجوز باتفاق الأئمة، وإنما تنازعوا في المعرف: هل يكفي أن يكون واحدًا، أو لابد من اثنين؟ على قولين مشهورين لأهل العلم، وهما روايتان عن الإمام أحمد. والثاني قول الشافعي وغيره، والله أعلم.
/ فأجاب: إذا كان ادعي أنه لم يبرأه من ذلك الحق، وأن الغريم يعلم أنه لم يبرأه منه، وطلب يمينه أنه لم يبرأه منه، فله ذلك.
/ فأجاب: ليس ما ذكر من الإقرار والإقباض والإبراء مع علمه بالاختلاف أن يدعي بما يناقض إقراره وإبرائه، ولا يسوغ الحكم له بذلك. وأما الجهل بذلك مع علمه بالاختلاف فكذب، والله أعلم.
وسـئل ـ رحمه الله ـ عن امرأة كانت مزوجة برجل جندي، ورزقت منه ولدين ذكر وأنثي، فأجاب: إقراره لزوجته لا يصح، لا سيما أن يجعله وصية، فإن الوصية للوارث لا تلزم بدون إجازة الورثة باتفاق المسلمين، وكذلك إقراره للوارث لا يجوز عند جمهور العلماء، لا سيما مع التهمة؛ فإنه لا يجوز في مذهب أبي حنيفة ومالك والإمام أحمد وغيرهم. وكذلك إقراره بالدين الذي أبرأته صاحبته لا يجوز، فإذا كانت قد أبرأته من الصداق ثم أقر لها به لم يجز هذا الاقرار؛ لأنه قد علم أنه كذب، ولو جعل ذلك تمليكا لها بدل ذلك لم يجز ـ أيضاً ـ عند الجمهور أن يجعل ذلك التمليك دينا في ذمته. وليس له منع البنت حقها من الإرث، ولا يمنع المطلقة ما يجب لها عليه. وفي الحديث: (من قطع ميراثاً قطع الله ميراثه من الجنة)، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الرجل ليعمل ستين سنة بطاعة الله، ثم يجور في وصيته فيختم له بسوء فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل ستين سنة بمعصية الله ثم يعدل في وصيته فيختم له بخير فيدخل الجنة)، ثم قرأ قوله تعالى: / وسـئل ـ رحمه الله ـ عن رجل بينه وبين شخص شركة، فقوي شريكه فمسكه وأهانه فأجاب: إذا أكرهه بغير حق فأقر كان إقراره باطلا، وإشهاده على الإقرار لا ينفعه، بل يوجب عقوبة الظالم المعتدي الذي اعتدي على هذا المظلوم بالإكراه، وتجب إعانة المظلوم ورد المال إلي مستحقه، وإذا أقام بينة بأنه أكره على ذلك سمعت بينته، والله أعلم.
وسـئل ـ رحمه الله ـ عن امرأة ماتت وخلفت أولادا منهم أربعة أشقاء. ذكر واحد، وثلاث /فأجاب: إذا كانت كاذبة في هذا الإقرار فهي عاصية لله ورسوله باتفاق المسلمين، بل هي من أهل الكبائر الداخلة في الوعيد، فإن الجور في الوصية من الكبائر (ومن قطع ميراثاً قطع الله ميراثه من الجنة) وقد قال تعالى: ومن أعانها على هذا الكذب والظلم فهو شريكها فيه من كاتب ومشير وغير ذلك، فكل هؤلاء متعاونون على الإثم والعدوان. ومن لقنها الإقرار الكذب من الشهود فهو فاسق مردود الشهادة. وأما إن كانت صادقة فهي محسنة في ذلك مطيعة لله ولرسوله، ومن أعانها على ذلك لأجل الله تعالى. وأما في ظاهر الحكم فأكثر العلماء لا يقبلون هذا الإقرار كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم؛ لأن التهمة فيه ظاهرة؛ ولأن حقوق الورثة تعلقت بمال الميت بالمرض، فصار محجورًا عليه في حقهم ليس له أن يتبرع لأحدهم بالإجماع. /ومن العلماء من يقبل الإقرار كالشافعي، بناء على حسن الظن بالمسلم وأنه عند الموت لا يكذب ولا يظلم، والواجب على من عرف حقيقة الأمر في هذه القصة ونحوها أن يعاونوا على البر والتقوي، لا يعاونون على الإثم والعدوان. وينبغي الكشف عن مثل هذه القضية، فإن وجد شواهد خلاف هذا الإقرار عمل به، وإن ظهر شواهد كذبه أبطل. فشواهد الصدق مثل أن يعرف أنه كان لأب هؤلاء الأربعة مال نحو هذا المقر به، وشواهد الكذب بينات يعلم من بعضها أنها تريد حرمان ابنها وزوجها من الميراث؛ فإن ظهر شواهد أحد الجانبين ترجح ذلك الجانب، والله أعلم.
/فأجاب: الحمد لله، إذا قامت بينة شرعية على إقرارها بالقبض والإبراء الشرعي كانت دعوي ورثتها باطلة، ولو أقاموا بينة وأثبتوا ذلك عند الحاكم كانت بينة الإقرار بالقبض والإبراء مقدمة؛ لأن معها مزيد علم، اللهم إلا أن تدعي أنها أقرت مكرهة أو حياء أو أقرت قبل القبض ولم يوجد المقر به فلها تحليف المدعي عليه أن باطن الإقرار كظاهره أو أنهم لا يعلمون بذلك الإقرار، وإذا كان شهود الإبراء قد ماتوا وخطوطهم معروفة شهد بذلك من يعرف خطوطهم، وحكم به من يري من العلماء مع أن دعواها بحقها بعد هذه المدة الطويلة من غير مانع يعوق لا يقبل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وغيره، والله أعلم.
/فأجاب: إذا أقر لهذه ولهذه بمال في ذمته ولم يكن لهما قبل ذلك في ذمته مال لم يصر لها عليه بهذا الإقرار شيء، وكان هذا الإقرار كذبًا باطلاً، ولو جعل لها في ذمته عطية لها بعد ذلك لم يكن أمرًا واجبًا، بل ينهي عن التفضيل بين الأولاد، وينبغي أن يعدل بينهم باتفاق المسلمين، وإن كان قد تقدم ما ذكر من الإقرار، والعدل بينهم واجب في أصح قولي العلماء ولا يستحق ورثة المرأة من ذلك شيئًا.
فأجاب شيخنا وسيدنا تقي الدين أبو العباس: الحمد لله، إذا أقر أن جميع ما في بيته ملك لزوجته إلا السلاح والدواب وآلة الخيل كان هذا إقرارًا صحيحا يعمل بموجبه بلا خلاف، وإذا كان مستنده في هذا الإقرار أنه ملك لزوجته تملكًا شرعيًا لازمًا كان الإقرار صحيحًا باطنًا وظاهرًا، والله أعلم.
/ فأجاب: أما الشاهد فإنه يشهد بما سمع من المقر، وليس عليه غير ذلك، سواء صدقه المقر له أو كذبه، ولكن المقر له إذا قال ذلك فإن فسر كلامه بما يمكن في العادة مثل أن يقول: كان لي عنده ذهب فاتفقنا على أن يقر بدله بفضة وصدقه المقر، عمل بموجب ذلك، وإن كذبه المقر حلف المقر على نفي ما ادعاه المقر له، والله أعلم.
/ فأجاب: إذا كتب عليه حجة أقر بها وهو مكره بغير حق لم يصح إقراره، ولا يجوز إلزامه بما فيها، وعلى معلمه أن يحاسبه، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. آخر المجلد الخامس والثلاثين
|