الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
ومن أعظم الأصول التي يعتمدها هؤلاء الاتحادية، الملاحدة، المدعون للتحقيق والعرفان: ما يأثرونه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان). وهذه الزيادة وهو قوله: (وهو الآن على ما عليه كان) كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اتفق أهل العلم بالحديث على أنه موضوع مختلق، وليس هو في شيء من دواوين الحديث، لا كبارها ولا صغارها، ولا رواه أحد من أهل العلم بإسناد، لا صحيح ولا ضعيف، ولا بإسناد مجهول، وإنما تكلم بهذه الكلمة بعض متأخرى متكلمة الجهمية، فتلقاها منهم هؤلاء، الذين وصلوا إلى آخر التجهم ـ وهو التعطيل والإلحاد. ولكن أولئك قد يقولون: كان الله ولا مكان ولا زمان، وهو الآن على ما عليه كان، فقال هؤلاء: كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان، وقد اعترف بأن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أعلم هؤلاء بالإسلام ابن عربي فقال في كتاب (ما لابد للمريد منه): وكذلك جاء في السنة: (كان الله ولا شيء معه) قال: وزاد العلماء: (وهو الآن على ما عليه كان)، فلم يرجع إليه/ من خلقه العالم وصف لم يكن عليه، ولا عالم موجود، فاعتقد فيه من التنزيه مع وجود العالم ما تعتقده فيه ولا عالم ولا شيء سواه. وهذا الذي قاله هو قول كثير من متكلمي أهل القبلة. ولو ثبت على هذا لكان قوله من جنس قول غيره، لكنه متناقض، ولهذا كان مقدم الاتحادية الفاجر التلمساني يرد عليه في مواضع يقرب فيها إلى المسلمين، كما يرد عليه المسلمون المواضع التي خرج فيها إلى الاتحاد. وإنما الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أخرجه البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض) وهذه الزيادة الإلحادية، وهو قولهم: وهو الآن على ما عليه كان، قصد بها المتكلمة المتجهمة نفى الصفات التي وصف بها نفسه، من استوائه على العرش، ونزوله إلى السماء الدنيا، وغير ذلك فقالوا: كان في الأزل ليس مستويا على العرش، وهو الآن على ما عليه كان، فلا يكون على العرش لما يقتضي ذلك من التحول والتغير. ويجيبهم أهل السنة والإثبات بجوابين معروفين: أحدهما: أن المتجدد نسبة وإضافة بينه وبين العرش بمنزلة المعية، / ويسميها ابن عقيل الأحوال، وتجدد النسب والإضافات متفق عليه بين جميع أهل الأرض، من المسلمين وغيرهم؛ إذ لا يقتضي ذلك تغيرًا، ولا استحالة. والثاني: أن ذلك وإن اقتضى تحولًا من حال إلى حال، ومن شأن إلى شأن، فهو مثل مجيئه، وإتيانه، ونزوله، وتكليمه لموسى، وإتيانه يوم القيامه في صورة، ونحو ذلك مما دلت عليه النصوص، وقال به أكثر أهل السنة والحديث، وكثير من أهل الكلام، وهو لازم لسائر الفرق. وقد ذكرنا نزاع الناس في ذلك، في قاعدة الفرق بين الصفات، والمخلوقات، والصفات الفعلىة. وأما هؤلاء الجهمية الاتحادية فقالوا: وهو الآن على ما عليه كان، ليس معه غيره، كما كان في الأزل ولا شيء معه، قالوا: إذ الكائنات ليست غيره ولا سواه، فليس إلا هو، فليس معه شيء آخر، لا أزلا ولا أبدًا، بل هو عين الموجودات، ونفس الكائنات، وجعلوا المخلوقات المصنوعات هي نفس الخالق البارئ المصور. وهم دائما يهذون بهذه الكلمة: (وهو الآن على ما عليه كان) وهي أجل عندهم من: ولهذا ذهب كثير من السلف والخلف إلى أن العرش متقدم على القلم واللوح، مستدلين بهذا الحديث، وحملوا قوله: (أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب. فقال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، على هذا الخلق المذكور في قوله: وهذا نظير حديث أبي رزين العقيلي، المشهور في كتب المسانيد والسنن، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ فقال: (كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء)، فالخلق المذكور في هذا الحديث لم يدخل فيه العماء، وذكر بعضهم أن هـذا هـو السـحاب المذكور فـي قوله: / والدليل على أن هذا الكلام ـ وهو قولهم: وهو الآن على ما عليه كان ـ كلام باطل مخالف للكتاب والسنة والإجماع والاعتبار وجوه: أحدها: أن الله قد أخبر بأنه مع عباده في غير موضع من الكتاب، عموما وخصوصا، مثل قوله: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر يقول: (اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم أصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا). فلو كان الخلق عمومًا وخصوصا ليسوا غيره، ولا هم معه، بل ما معه شيء آخر، امتنع أن يكون هو مع نفسه وذاته فإن المعية توجب شيئين: كون أحدهما مع الآخر، فلما أخبر الله أنه مع هؤلاء علم بطلان قولهم: (هو الآن على ما عليه كان) لا شيء معه، بل هو عين المخلوقات، وأيضا فإن المعية لا تكون إلا من الطرفين، فإن معناها المقارنة والمصاحبة. فإذا كان أحد الشيئين مع الآخر، امتنع ألا يكون الآخر معه، فمن الممتنع أن يكون الله مع خلقه، ولا يكون لهم وجود معه، ولا حقيقة أصلا، بل هم هو. / الوجه الثاني: أن الله قال في كتابه: فنهاه أن يجعل أو يدعو معه إلها آخر، ولم ينهه أن يثبت معه مخلوقا، أو يقول: إن معه عبدًا مملوكا أو مربوبا فقيرا، أو معه شيئا موجودا خلقه، كما قال: وهذا كما قال: وأيضًا، فنهيه أن يجعل معه أو يدعو معه إلها آخر دليل على أن ذلك ممكن، كما فعله المشركون الذين دعوا مع الله آلهة أخرى، فلو كانت تلك الآلهة هي إياه ـ ولا شيء معه أصلا ـ امتنع أن يدعى معه آلهة أخرى. فهذه النصوص تدل على أن معه أشياء ليست بآلهة، ولا يجوز أن تجعل آلهة، ولا تدعى آلهة، وأيضا: فعند الملحدين يجوز أن يعبد كل شيء، ويدعى كل شيء، إذ لا يتصور أن يعبد غيره، فإنه هو الأشياء. / فيجوز للإنسان حينئذ أن يدعو كل شيء من الآلهة المعبودة من دون الله، وهو عند الملاحدة ما دعا معه إلها آخر ! فجعل نفس ما حرمه الله وجعله شركا جعله توحيدًا، والشرك عنده لا يتصور بحال. الوجه الثالث: أن الله لما كان ولا شيء معه، لم يكن معه سماء، ولا أرض، ولا شمس ولا قمر، ولا جن ولا إنس، ولا دواب ولا شجر، ولا جنة ولا نار، ولا جبال ولا بحار، فإن كان الآن على ما عليه كان، فيجب ألا يكون معه شيء من هذه الأعيان، وهذا مكابرة للعيان، وكفر بالقرآن والإيمان. الوجه الرابع: أن الله كان ولا شيء معه، ثم كتب في الذكر كل شيء، كما جاء في الحديث الصحيح، فإن كان لا شيء معه فيما بعد، فما الفرق بين حال الكتابة وقبلها، وهو عين الكتابة واللوح عند الفراعنة الملاحدة. / وزعمت طائفة من هؤلاء الاتحادية ـ الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته ـ أن فرعون كان مؤمنا، وهذا القول كفر معلوم فساده بالاضطرار من دين الإسلام، لم يسبق ابن عربي إليه ـ فيما أعلم ـ أحد من أهل القبلة، بل ولا من اليهود، ولا من النصارى، بل جميع أهل الملل مطبقون على كفر فرعون. فهذا عند الخاصة والعامة أبين من أن يستدل عليه بدليل، فإنه لم يكفر أحد بالله، ويدعى لنفسه الربوبية والإلهية مثل فرعون. ولهذا ثنى الله قصته في القرآن في مواضع، فإن القصص إنما هي أمثال/ مضروبة للدلالة على الإيمان، وليس في الكفار أعظم من كفره، والقرآن قد دل على كفره وعذابه في الآخرة في مواضع: أحدها: قوله تعالى في القصص: فأخبر ـ سبحانه ـ أنه أرسله إلى فرعون وقومه، وأخبر أنهم كانوا قومًا فاسقين، وأخبر أنهم: قالوا: فهذا نص في أن فرعون من الفاسقين المكذبين لموسى، الظالمين الداعين إلى النار، الملعونين في الدنيا بعد غرقهم، المقبوحين في الدار الآخرة. وهذا نص في أن فرعون بعد غرقه ملعون، وهو في الآخرة مقبوح غير منصور، وهذا إخبارعن غاية العذاب، وهو موافق للموضع الثاني في سورة المؤمن وهو قوله: وإنما دخلت الشبهة على هؤلاء الجهال لما سمعوا آل فرعون، فظنوا أن فرعون خارج منهم، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، بل فرعون داخل في آل فرعون بلا نزاع بين أهل العلم بالقرآن واللغة، يتبين ذلك بوجوه: أحدها: أن لفظ آل فلان في الكتاب والسنة يدخل فيها ذلك الشخص، مثل قوله في الملائكة الذين ضافوا إبراهيم: ومعلوم أن لوطا داخل في آل لوط في هذه المواضع، وكذلك فرعون داخل في آل فرعون المكذبين المأخوذين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صلىت على آل إبراهيم)، / وكذلك قوله: (كما باركت على آل إبراهيم فإبراهيم داخل في ذلك، وكذلك قوله للحسن: (إن الصدقة لا تحل لآل محمد). وفي الصحيح عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان القوم إذا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة يصلي عليهم، فأتى أبي بصدقة فقال: (اللهم صل على آل أبي أوفى)، وأبو أوفى هو صاحب الصدقة. ونظير هذا الاسم أهل البيت، فإن الرجل يدخل في أهل بيته، كقول الملائكة، فقد تبين أن الآية، التي ظنوا أنها حجة لهم، هي حجة عليهم، في تعذيب فرعون مع سائر آل فرعون في البرزخ، وفي يوم القيامة، ويبين ذلك: أن الخطاب في القصة كلها إخبار عن فرعون وقومه، قال تعالى: فأخبر عقب قوله: الموضع الثاني ـ وهو حجة عليهم لا لهم قوله تعالى: وما أخلق المحاج عن فرعون أن يكون بهذه المثابة فإن المرء مع من أحب {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أولىاء بَعْضٍ} [الأنفال:73]، وأيضا: فقد قال الله تعالى: / وقال تعالى: وهذا مطابق لما ذكره الله في قوله لفرعون: يبين ذلك أنه لو كان إيمانه حينئذ مقبولا، لدفع عنه العذاب كما دفع عن قوم يونس، فإنهم لما قبل إيمانهم متعوا إلى حين، فإن الإغراق هو عذاب على كفره، فإذا لم يكن كافرًا لم يستحق عذابًا. وقوله بعد هذا: / فهذا يبين أنه هو الغاية في الكفر، فكيف يكون قد مات مؤمنا؟ ومعلوم أن من مات مؤمنا: لا يجوز أن يوسم بالكفر ولا يوصف؛ لأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وفي مسند أحمد وإسحاق وصحيح أبي حاتم، عن عوف بن مالك، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم في تارك الصلاة: (يأتي مع قارون، وفرعون وهامان، وأبي بن خلف). / سئل الشيخ الإمام الرباني شيخ الإسلام ـ بحـر العلوم إمام الأئمة ناصر السنة، علامة الورى، وارث الأنبياء ـ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية عن كلمات وجدت بخط من يوثق به، ذكرها عنه جماعة من الناس، فيهم من انتسب إلى الدين. فمن ذلك:قال بعض السلف:إن الله لطف ذاته فسماها حقا، وكثـفها فسماها خلقا. وقال الشيخ نجم الدين بن إسرائيل: إن الله ظهر في الأشياء حقيقة، واحتجب بها مجازًا، فمن كان من أهل الحق والجمع، شهدها مظاهر ومجالى، ومن كان من أهل المجاز والفرق، شهدها ستورًا وحجبًا. قال: وقال في قصيدة له:
لقد حق لي رفض الوجود وأهله ** وقد علقت كفاي جمعا بموجدي / ثم بعد مدة غير البيت بقوله: لقد حق لي عشق الوجود وأهله فسألته عن ذلك فقال: مقام البداية أن يرى الأكوان حجبًا فيرفضها، ثم يراها مظاهر ومجالى فيحق له العشق لها، كما قال بعضهم: أقبل أرضًا سار فيها جِمالها ** فكيف بدار دار فيها جَمالها قال: وقال ابن عربي عقيب إنشاد بيتي أبي نواس: رق الزجاج وراقت الخمر ** وتشاكلا فتشابه الأمر فكأنما خمـر ولا قــدح ** وكأنما قدح ولا خمر لبس صورة العالم، فظاهره خلقه، وباطنه حقه. وقال بعض السلف: عين ما ترى ذات لا ترى، وذات لا ترى عين ما ترى، الله فقط والكثرة وهم. قال الشيخ قطب الدين ابن سبعين: رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك. الله فقط والكثرة وهم. وقال الشيخ محيى الدين ابن عربي: يا صورة أُنس سرها معنائي ** ما خلقك للأمر تـرى لولائي شئناك فأنشأناك خلقا بشرا ** لتشهدنا فـي أكمـل الأشيـاء / وفيه: طلب بعض أولاد المشايخ من والده الحج، فقال له الشيخ: يا بني، طف ببيت ما فارقه الله طرفة عين. قال: وقيل عن رابعة العدوية: إنها حجت فقالت: هذا الصنم المعبود في الأرض، والله ما ولجه الله ولا خلا منه. وفيه للحلاج: سبحان من أظهر ناسوته ** سـر سنا لاهوتــه الثاقـب ثـم بـدا مستـترا ظاهـرا ** في صورة الآكل والشارب قال: وله: عقد الخلائق في الإله عقائدا ** وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه وله أيضا: بيني وبينك إنيٌّ تزاحمني ** فارفع بحقك إنيي من البين قال: وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي الحلبي المقتول: وبهذه الإنيةِ التي طلب الحلاج رفعها تصرفت الأغيار في دمه، ولذلك قال السلف: الحلاج نصف رجل وذلك أنه لم ترفع له الإنيةُ بالمعنى فرفعت له صورة. وفيه لمحيى الدين ابن عربي: والله ما هي إلا حيرة ظهرت ** وبي حلفت وإن المقسم الله وقال فيه: المنقول عن عيسى ـ عليه السلام ـ أنه قال: (إن الله ـ تبارك / وتعالى ـ اشتاق بأن يرى ذاته المقدسة، فخلق من نوره آدم ـ عليه السلام ـ وجعله كالمرآة ينظر إلى ذاته المقدسة فيها، وإني أنا ذلك النور، وآدم المرآة. قال ابن الفارض في قصيدته السلوك: وشاهد إذا استجليت نفسك من ترى ** بغير مــراء في المــرآة الصقيلـــة أغيــرك فيهــا لاح أم أنـت ناظـــر ** إليك بها عند انعكاس الأشعــة ؟ قال: وقال ابن إسرائيل: الأمر أمران: أمر بواسطة، وأمر بغير واسطة، فالأمر الذي بالوسائط رده من شاء الله وقبله من شاء الله، والأمر الذي بغير واسطة لا يمكن رده، وهو قوله تعالى: فقال له فقير: إن الله قال لآدم بلا واسطة: لا تقرب الشجرة، فقرب وأكل. فقال: صدقت، وذلك أن آدم إنسان كامل، ولذلك قال شيخنا على الحريري: آدم صفي الله تعالى، كان توحيده ظاهرًا وباطنًا، فكان قوله لآدم: (لا تقرب الشجرة) ظاهرًا، وكان أمره [كل] باطنا، فأكل فكذلك قوله تعالى. وإبليس كان توحيده ظاهرًا، فأمر بالسجود لآدم، فرآه غيرًا فلم يسجد، فغير الله عليه وقال: {اخْرُجْ مِنْهَا} [الأعراف:18] وقال شخص لسيدي: يا سيدي حسن، إذا كان الله يقول لنبيه: وفيه لأوحد الدين الكرماني: ما غبت عن القلب ولا عن عيني ** ما بينكم وبيننا من بين وقال غيره: لا تحسب بالصلاة والصوم تنال ** قربا ودنوا من جمال وجلال فارق ظلم الطبع وكن متحدًا ** بالله وإلا كُلُّ دعواك محال وغيره للحلاج: إذا بلغ الصب الكمال من الهوى ** وغاب عن المذكور في سطوة الذكر يشاهد حقًا حين يشهده الهــوى ** بـأن صـلاة العارفـين مـن الكفــر وللشيخ نجم الدين ابن إسرائيل: الكون يناديك ألا تسمعني ** من ألف أشتاتـي ومـن فرقنـي انظـر لتراني منظرًا معتبرًا ** ما فيَّ سوى وجود من أوجدني وله أيضا: ذرات وجود الكون للحق شهود ** أن ليس لموجود سوى الحق وجود والكـون وإن تكثـرت عــدتـه ** منـه وإلـى عـلاه يبـدو ويعــود / وله أيضا: برئت إليك من قولي وفعلى ** ومن ذاتي بــراءة مستقيــل وما أنا في طراز الكون شيء ** لأني مثل ظــل مستحيــل وللعفيف التلمساني: أحـن إليه وهو قلبي وهـل يـرى ** سواي أخو وجد يحن لقلبه؟ ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري ** ومـا بُعده إلا لإفــراط قربـه وقال بعض السلف: التوحيد لا لسان له، والألسنة كلها لسانه. ومن ذلك أيضا: التوحيد لا يعرفه إلا الواحد، ولا تصح العبارة عن الواحد، وذلك أنه لا يعبر عنه إلا بغيره ومن أثبت غيرا فلا توحيد له. قال: وسمعت الشيخ محمد بن بشر النواوي يقول: ورد سيدنا الشيخ على الحريري إلى جامع نوى، قال الشيخ محمد: فجئت إليه، فقبلت الأرض بين يديه، وجلست، فقال: يا بني، وقفت مع المحبة مدة فوجدتها غير المقصود، لأن المحبة لا تكون إلا من غير لغير، وغير ما ثم، ثم وقفت مع التوحيد مدة فوجدته كذلك، لأن التوحيد لا يكون إلا من عبد لرب، ولو أنصف الناس ما رأوا عبدًا ولا معبودًا. وفيه: سمعت من الشيخ نجم الدين ابن إسرائيل مما أسر إلى أنه سمع من/ شيخنا، الشيخ على الحريري، في العام الذي توفى فيه، قال: يا نجم، رأيت لهاتي الفوقانية فوق السموات، وحنكي تحت الأرضين، ونطق لساني بلفظة لو سمعت مني ما وصل إلى الأرض من دمي قطرة. فلما كان بعد ذلك بمدة، قال شخص في حضرة سيدي الشيخ حسن بن على الحريري: يا سيدي حسن، ما خلق الله أقل عقلا ممن ادعى أنه إله مثل فرعون ونمروذ وأمثالهما، فقال: إن هذه المقالة لا يقولها إلا أجهل خلق الله أو أعرف خلق الله، فقلت له: صدقت، وذلك أنه قد سمعت جدك يقول: رأيت كذا وكذا، فذكر ما ذكره الشيخ نجم الدين عن الشيخ. وفيه قال بعض السلف: من كان عين الحجاب على نفسه فلا حجاب ولا محجوب.
|