الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
ما تقول السادة العلماء أئمة الدين ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ في رجل قال: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ولم يصل، ولم يقم بشيء من الفرائض، وأنه لم يضره، ويدخل الجنة، وأنه قد حرم جسمه علي النار؟ وفي رجل يقول: أطلب حاجتي من اللهومنك: فهل هذا باطل، أم لا؟ وهل يجوز هذا القول، أم لا؟ فأجاب: الحمد لله، إن من لم يعتقد وجوب الصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، ولا يحرم ما حرم اللهورسوله من الفواحش، والظلم، والشرك، والإفك، فهو كافر مرتد، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل باتفاق أئمة المسلمين، ولا يغني عنه التكلم بالشهادتين. وإن قال: أنا أقر بوجوب ذلك عَلَي، وأعلم أنه فرض، وأن من تركه كان مستحقًا لذم الله وعقابه، لكني لا أفعل ذلك، فهذا ـ أيضًا ـ مستحق للعقوبة / في الدنيا والآخرة باتفاق المسلمين، ويجب أن يصلي الصلوات الخمس باتفاق العلماء. وأكثر العلماء يقولون: يؤمر بالصلاة، فإن لم يصل وإلا قتل. فإذا أصر علي الجحود حتي قتل كان كافرًا باتفاق الأئمة، لا يغسل ولا يصلي عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين. ومن قال: إن كل من تكلم بالشهادتين، ولم يؤد الفرائض، ولم يجتنب المحارم، يدخل الجنة، ولا يعذب أحد منهم بالنار، فهو كافر مرتد. يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ بل الذين يتكلمون بالشهادتين أصناف؛ منهم منافقون في الدرك الأسفل من النار، كما قال تعالي: /وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعرف أمته بأنهم غُرٌّ مُحَجَّلُون من آثار الوضوء)، وإنما تكون الغرة والتحجيل لمن توضأ وصلى، فابيض وجهه بالوضوء، وابيضت يداه ورجلاه بالوضوء، فصلى أغرا محجلا. فمن لم يتوضأ ولم يصل لم يكن أغرا ولا محجلا، فلا يكون عليه سيما المسلمين التي هي الرنك للنبي صلى الله عليه وسلم، مثل الرنك الذي يعرف به المقدم أصحابه، ولا يكن هذا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وثبت في الصحيح: أن النار تأكل من ابن آدم كل شيء إلا آثار السجود. فمن لم يكن من أهل السجود للواحد المعبود، الغفور الودود، ذو العرش المجيد، أكلته النار. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس بين العبد وبين الشرك إلا ترك الصلاة)، وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، وقال: (أول ما يحاسب عليه العبد من عمله الصلاة). ولا ينبغي للعبد أن يقول: ما شاء اللهوشاء فلان، ومالي إلا اللهوفلان، وأطلب حاجتي من اللهثم من فلان، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقولوا: ما شاء اللهوشاء محمد، ولكن قولوا ماشاء اللهثم شاء محمد)،وقال له رجل : ماشاء الله وشئت ، وفقال : ( أجعلتني لله ندا ؟! بل ما شاء اللهوحده ). والله أعلم، وصلى الله عليه محمد .
/ فأجاب شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ـ قدس الله روحه: الحمد لله رب العالمين، الحلاج قتل علي الزندقة، التي ثبتت عليه بإقراره، وبغير إقراره والأمر الذي ثبت عليه بما يوجب القتل باتفاق المسلمين. ومن قال: إنه قتل بغير حق فهو إما منافق ملحد، وإما جاهل ضال. والذي قتل به ما استفاض عنه من أنواع الكفر، وبعضه يوجب قتله، فضلاً عن جميعه. ولم يكن من أولياء الله المتقين، بل كان له عبادات ورياضات ومجاهدات، بعضها شيطاني، وبعضها نفساني، وبعضها موافق للشريعة من وجه دون وجه، فلبس الحق بالباطل. وكان قد ذهب إلي بلاد الهند، وتعلم أنواعاً من السحر، وصنف كتابا في السحر معروفًا، وهو موجود إلي اليوم، وكان له أقوال شيطانية، ومخاريق بهتانية. /وقد جمع العلماء أخباره في كتب كثيرة أرخوها، الذين كانوا في زمنه، والذين نقلوا عنهم مثل أبي علي الحطي ذكره في [تاريخ بغداد] والحافظ أبو بكر الخطيب ذكر له ترجمة كبيرة في [تاريخ بغداد] وأبو يوسف القزويني صنف مجلدًا في أخباره، وأبو الفرج بن الجوزي له فيه مصنف سماه: [رفع اللجاج في أخبار الحلاج]. وبسط ذكره في تاريخه أبو عبد الرحمن السلمي في [طبقات الصوفية] أن كثيرا من المشائخ ذموه وأنكروا عليه، ولم يعدوه من مشائخ الطريق. وأكثرهم حط عليه. وممن ذمه وحط عليه أبو القاسم الجنيد، ولم يقتل في حياة الجنيد، بل قتل بعد موت الجنيد؛ فإن الجنيد توفي سنة ثمان وتسعين ومئتين. والحلاج قتل سنة بضع وثلاثمائة، وقدموا به إلي بغداد راكباً علي جمل ينادي عليه: هذا داعي القرامطة! وأقام في الحبس مدة حتي وجد من كلامه الكفر والزندقة، واعترف به، مثل أنه ذكر في كتاب له: من فاته الحج فإنه يبني في داره بيتًا ويطوف به، كما يطوف بالبيت، ويتصدق علي ثلاثين يتيمًا بصدقة ذكرها، وقد أجزأه ذلك عن الحج. فقالوا له: أنت قلت هذا؟ قال: نعم. فقالوا له: من أين لك هذا؟ قال: ذكره الحسن البصري في[كتاب الصلاة]، فقال له القاضي أبو عمر: تكذب يازنديق! أنا قرأت هذا الكتاب وليس هذا فيه، فطلب منهم الوزير أن يشهدوا بما سمعوه، ويفتوا بما يجب عليه، فاتفقوا علي وجوب قتله. /لكن العلماء لهم قولان في الزنديق إذا أظهر التوبة: هل تقبل توبته فلا يقتل؟ أم يقتل؛ لأنه لا يعلم صدقه؛ فإنه ما زال يظهر ذلك؟ فأفتي طائفة بأنه يستتاب فلا يقتل، وأفتي الأكثرون بأنه يقتل وإن أظهر التوبة، فإن كان صادقًا في توبته نفعه ذلك عند الله وقتل في الدنيا، وكان الحد تطهيرًا له، كما لو تاب الزاني والسارق ونحوهما بعد أن يرفعوا إلي الإمام، فإنه لابد من إقامة الحد عليهم، فإنهم إن كانوا صادقين كان قتلهم كفارة لهم، ومن كان كاذبًا في التوبة كان قتله عقوبة له. فإن كان الحلاج وقت قتله تاب في الباطن فإن الله ينفعه بتلك التوبة، وإن كان كاذبًا فإنه قتل كافرًا. ولما قُتل لم يظهر له وقت القتل شيء من الكرامات، وكل من ذكر أن دمه كتب علي الأرض اسم الله، وأن رجله انقطع ماؤها، أو غير ذلك، فإنه كاذب. وهذه الأمور لا يحكيها إلا جاهل أو منافق، وإنما وضعها الزنادقة وأعداء الإسلام، حتي يقول قائلهم: إن شرع محمد بن عبد الله يقتل أولياء الله. حتي يسمعوا أمثال هذه الهذيانات، وإلا فقد قتل أنبياء كثيرون، وقتل من أصحابهم وأصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم من الصالحين من لا يحصي عددهم إلا الله، قتلوا بسيوف الفجار والكفار والظلمة غيرهم، ولم يكتب دم أحدهم اسم الله. والدم أيضًا نجس،/ فلا يجوز أن يكتب به اسم الله تعالي. فهل الحلاج خير من هؤلاء، ودمه أطهر من دمائهم؟! وقد جزع وقت القتل، وأظهر التوبة والسنة فلم يقبل ذلك منه. ولو عاش افتتن به كثير من الجهال؛ لأنه كان صاحب خزعبلات بهتانية، وأحوال شيطانية. ولهذا إنما يعظمه من يعظم الأحوال الشيطانية، والنفسانية، والبهتانية. وأما أولياء الله العالمون بحال الحلاج فليس منهم واحد يعظمه؛ ولهذا لم يذكره القشيري في مشائخ رسالته، وإن كان قد ذكر من كلامه كلمات استحسنها. وكان الشيخ أبو يعقوب النهرجوري قد زوجه بابنته، فلما اطلع علي زندقته نزعها منه. وكان عمرو بن عثمان يذكر أنه كافر، ويقول: كنت معه فسمع قارئًا يقرأ القرآن، فقال: أقدر أن أصنف مثل هذا القرآن. أو نحو هذا من الكلام. وكان يظهر عند كل قوم ما يستجلبهم به إلي تعظيمه، فيظهر عند أهل السنة أنه سني، وعند أهل الشيعة أنه شيعي، ويلبس لباس الزهاد تارة، ولباس الأجناد تارة. وكان من [مخاريقه] أنه بعث بعض أصحابه إلي مكان في البرية يخبأ فيه شيئًا من الفاكهة والحلوي، ثم يجيء بجماعة من أهل الدنيا إلي قريب من / ذلك المكان، فيقول لهم: ما تشتهون أن آتيكم به من هذه البرية؟ فيشتهي أحدهم فاكهة، أو حلاوة، فيقول: امكثوا، ثم يذهب إلي ذلك المكان ويأتي بما خبأ أو ببعضه، فيظن الحاضرون أن هذه كرامة له!! وكان صاحب سيما وشياطين تخدمه أحيانًا، كانوا معه علي جبل أبي قُبَيْس، فطلبوا منه حلاوة، فذهب إلي مكان قريب منهم وجاء بصحن حلوي، فكشفوا الأمر فوجدوا ذلك قد سرق من دكان حلاوي باليمن، حمله شيطان من تلك البقعة. ومثل هذا يحصل كثيرًا لغير الحلاج ممن له حال شيطاني، ونحن نعرف كثيرًا من هؤلاء في زماننا وغير زماننا؛ مثل شخص هو الآن بدمشق كان الشيطان يحمله من جبل الصالحية إلي قرية حول دمشق، فيجيء من الهوي إلي طاقة البيت الذي فيه الناس، فيدخل وهم يرونه. ويجيء بالليل إلي [باب الصغير] فيعبر منه هو ورفقته، وهو من أفجر الناس. وآخر كان بالشويك، في قرية يقال لها: [الشاهدة] يطير في الهوي إلي رأس الجبل والناس يرونه، وكان شيطان يحمله، وكان يقطع الطريق. وأكثرهم شيوخ الشر، يقال لأحدهم [البوي]أي المخبث، ينصبون له حركات في ليلة مظلمة، ويصنعون خبزًا علي سبيل القربات، فلا يذكرون الله، ولا يكون عندهم من يذكر الله، ولا كتاب فيه ذكر الله؛ ثم يصعد ذلك / البوي في الهوي، وهم يرونه. ويسمعون خطابه للشيطان، وخطاب الشيطان له، ومن ضحك أو شرق بالخبز ضربه الدف. ولا يرون من يضرب به. ثم إن الشيطان يخبرهم ببعض ما يسألونه عنه، ويأمرهم بأن يقربوا له بقرًا وخيلاً وغير ذلك، وأن يخنقوها خنقًا ولا يذكرون اسم الله عليها، فإذا فعلوا قضي حاجتهم. وشيخ آخر أخبر عن نفسه أنه كان يزني بالنساء، ويتلوط بالصبيان الذين يقال لهم: [الحوارات]، وكان يقول: يأتيني كلب أسود بين عينيه نكتتان بيضاوان، فيقول لي: فلان، إن فلانا نذر لك نذرًا، وغدًا يأتيك به، وأنا قضيت حاجته لأجلك، فيصبح ذلك الشخص يأتيه بذلك النذر، ويكاشفه هذا الشيخ الكافر. قال: وكنت إذا طلب مني تغيير مثل اللاذن أقول حتي أغيب عن عقلي؛ وإذ باللاذن في يدي، أو في فمي وأنا لا أدري من وضعه!! قال: وكنت أمشي وبين يدي عمود أسود عليه نور فلما تاب هذا الشيخ، وصار يصلي، ويصوم ويجتنب المحارم، ذهب الكلب الأسود وذهب التغيير؛ فلا يؤتي بلاذن ولا غيره. وشيخ آخر كان له شياطين يرسلهم يصرعون بعض الناس، فيأتي أهل ذلك المصروع إلي الشيخ يطلبون منه إبراءه، فيرسل إلي أتباعه فيفارقون ذلك / المصروع، ويعطون ذلك الشيخ دراهم كثيرة، وكان أحيانًا تأتيه الجن بدراهم وطعام تسرقه من الناس، حتي إن بعض الناس كان لـه تين في كـوارة، فيطلب الشيخ مـن شياطينـه تينا، فيحضرونـه له، فيطلب أصحاب الكوارة التين فوجدوه قد ذهب. وآخر كان مشتغلاً بالعلم والقراءة، فجاءته الشياطين أغرته، وقالوا له: نحن نسقط عنك الصلاة، ونحضر لك ما تريد، فكانوا يأتونه بالحلوي والفاكهة، حتي حضر عند بعض الشيوخ العارفين بالسنة فاستتابه، وأعطي أهل الحلاوة ثمن حلاوتهم التي أكلها ذلك المفتون بالشيطان. فكل من خرج عن الكتاب والسنة، وكان له حال من مكاشفة، أو تأثير، فإنه صاحب حال نفساني، أو شيطاني، وإن لم يكن له حال، بل هو يتشبه بأصحاب الأحوال فهو صاحب محال بهتاني. وعامة أصحاب الأحوال الشيطانية يجمعون بين الحال الشيطاني والحال البهتاني، كما قال تعالي: و[الحلاج] كان من أئمة هؤلاء أهل الحال الشيطاني ، والحال البهتاني. وهؤلاء طوائف كثيرة. /فأئمة هؤلاء هم شيوخ المشركين الذين يعبدون الأصنام مثل الكهان والسحرة الذين كانوا للعرب المشركين، ومثل الكهان الذين هم بأرض الهند والترك وغيرهم. ومن هؤلاء من إذا مات لهم ميت يعتقدون أنه يجيء بعد الموت، فيكلمهم ويقضي ديونه، ويرد ودائعه ويوصيهم بوصايا، فإنهم تأتيهم تلك الصورة التي كانت في الحياة، وهو شيطان يتمثل في صورته، فيظنونه إياه. وكثير ممن يستغيث بالمشائخ فيقول: يا سيدي فلان، أو يا شيخ فلان، اقض حاجتي. فيري صورة ذلك الشيخ تخاطبه، ويقول: أنا أقضي حاجتك وأطيب قلبك فيقضي حاجته، أو يدفع عنه عدوه، ويكون ذلك شيطانا قد تمثل في صورته لما أشرك بالله فدعي غيره. وأنا أعرف من هذا وقائع متعددة، حتي إن طائفة من أصحابي ذكروا أنهم استغاثوا بي في شدائد أصابتهم. أحدهم كان خائفًا من الأرمن، والآخر كان خائفًا من التتر، فذكر كل منهم أنه لما استغاث بي رآني في الهوي وقد دفعت عنه عدوه . فأخبرتهم أني لم أشعر بهذا، ولا دفعت عنكم شيئًا، وإنما هذا الشيطان تمثل لأحدهم فأغواه لما أشرك بالله تعالي. وهكذا جري لغير واحد من أصحابنا المشائخ مع أصحابهم، يستغيث أحدهم بالشيخ، فيري /الشيخ قد جاء وقضي حاجته، ويقول ذلك الشيخ: إني لم أعلم بهذا، فيتبين أن ذلك كان شيطانا وقد قلت لبعض أصحابنا لما ذكر لي أنه استغاث باثنين كان يعتقدهما، وأنهما أتياه في الهوي، وقالا له: طيب قلبك، نحن ندفع عنك هؤلاء، ونفعل، ونصنع. قلت له: فهل كان من ذلك شيء؟ فقال: لا. فكان هذا مما دله علي أنهما شيطانان؛ فإن الشياطين وإن كانوا يخبرون الإنسان بقضية أو قصة فيها صدق، فإنهم يكذبون أضعاف ذلك، كما كانت الجن يخبرون الكهان. ولهذا من اعتمد علي مكاشفته التي هي من أخبار الجن كان كذبه أكثر من صدقه؛ كشيخ كان يقال له: [الشياح] توبناه، وجددنا إسلامه، كان له قرين من الجن يقال له: [عنتر] يخبره بأشياء، فيصدق تارة ويكذب تارة، فلما ذكرت له أنك تعبد شيطانًا من دون الله، اعترف بأنه يقول له: يا عنتر، لا سبحانك؛ إنك إله قذر، وتاب من ذلك، في قصة مشهورة. وقد قتل سيف الشرع من قتل من هؤلاء مثل الشخص الذي قتلناه سنة خمس عشرة، وكان له قرين يأتيه ويكاشفه فيصدق تارة، ويكذب تارة. وقد انقاد له طائفة من المنسوبين إلي أهل العلم والرئاسة، فيكاشفهم حتي كشف الله لهم. وذلك أن القرين كان تارة يقول له: أنا رسول الله. ويذكر أشياء / تنافي حال الرسول، فشهد عليه أنه قال: إن الرسول يأتيني، ويقول لي كذا وكذا من الأمور التي يكفر من أضافها إلي الرسول؛ فذكرت لولاة الأمور أن هذا من جنس الكهان، وأن الذي يراه شيطانا؛ ولهذا لا يأتيه في الصورة المعروفة للنبي صلى الله عليه وسلم، بل يأتيه في صورة منكرة، ويذكر عنه أنه يخضع له، ويبيح له أن يتناول المسكر وأمورًا أخري وكان كثيرًا من الناس يظنون أنه كاذب فيما يخبر به من الرؤية؛ ولم يكن كاذبًا في أنه رأي تلك الصورة، لكن كان كافرًا في اعتقاده أن ذلك رسول الله، ومثل هذا كثير. ولهذا يحصل لهم تنزلات شيطانية بحسب ما فعلوه من مراد الشيطان، فكلما بعدوا عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وطريق المؤمنين قربوا من الشيطان.فيطيرون في الهواء؛ والشيطان طار بهم ومنهم من يصرع الحاضرين، وشياطينه صرعتهم. ومنهم من يحضر طعامًا وإدامًا، وملأ الإبريق ماء من الهوي، والشياطين فعلت ذلك، فيحسب الجاهلون أن هذه كرامات أولياء الله المتقين، وإنما هي من جنس أحوال السحرة والكهنة وأمثالهم. ومن لم يميز بين الأحوال الرحمانية والنفسانية اشتبه عليه الحق بالباطل، ومن لم ينور الله قلبه بحقائق الإيمان واتباع القرآن لم يعرف طريق المحق من / المبطل، والتبس عليه الأمر والحال، كما التبس علي الناس حال مسيلمة صاحب اليمامة وغيره من الكذابين في زعمهم أنهم أنبياء، وإنما هم كذابون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتي يكون فيكم ثلاثون دجالون كذابون، كلهم يزعم أنه رسول الله). وأعظم الدجاجلة فتنة [الدجال الكبير] الذي يقتله عيسي ابن مريم؛ فإنه ما خلق الله من لدن آدم إلي قيام الساعة أعظم من فتنته، وأمر المسلمين أن يستعيذوا من فتنته في صلاتهم. وقد ثبت (أنه يقول للسماء: أمطري، فتمطر، وللأرض أنبتي، فتنبت، وأنه يقتل رجلاً مؤمنًا، ثم يقول له: قم فيقوم؛ فيقول: أنا ربك، فيقول له كذبت، بل أنت الأعور الكذاب الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، فيقتله مرتين، فيريد أن يقتله في الثالثة فلا يسلطه الله عليه)، وهو يدعي الإلهية. وقد بين له النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث علامات تنافي ما يدعيه: أحدها: (أنه أعور، وأن ربكم ليس بأعور). والثانية: (أنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن من قارئ وغير قارئ). والثالثة: قوله: (واعلموا أن أحدكم لا يري ربه حتي يموت). /فهذا هو الدجال الكبير ودونه دجاجلة، منهم من يدعي النبوة، ومنهم من يكذب بغير ادعاء النبوة كما قال صلى الله عليه وسلم: (يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم). فالحلاج كان من الدجاجلة بلا ريب، ولكن إذا قيل: هل تاب قبل الموت، أم لا؟ قال الله أعلم، فلا يقول ما ليس له به علم، ولكن ظهر عنه من الأقوال والأعمال ما أوجب كفره وقتله باتفاق المسلمين والله أعلم به.
/ فأجاب: الحمد لله، أما القول بأنه هو أو أحد من أولاده أو نحوهم كانوا معصومين من الذنوب والخطأ، كما يدعيه الرافضة في [الاثني عشر]، فهذا القول شر من قول الرافضة بكثير: فإن الرافضة ادعت ذلك فيمن لا شك في إيمانه وتقواه، بل فيمن لا يشك أنه من أهل الجنة؛ كعلي، والحسن، والحسين ـ رضي الله عنهم. ومع هذا فقد اتفق أهل العلم والإيمان علي أن هذا القول من أفسد الأقوال، وأنه من أقوال أهل الإفك والبهتان؛ فإن العصمة في ذلك ليست لغير الأنبياء ـ عليهم السلام. بل كان من سوي الأنبياء يؤخذ من قوله ويترك، ولا تجب طاعة من سوي الأنبياء والرسل في كل ما يقول، ولا يجب علي الخلق اتباعه والإيمان / به في كل ما يأمر به ويخبر به، ولا تكون مخالفته في ذلك كفرًا، بخلاف الأنبياء، بل إذا خالفه غيره من نظرائه وجب علي المجتهد النظر في قوليهما، وأيهما كان أشبه بالكتاب والسنة تابعه، كما قال تعالي: أما وجوب اتباع القائل في كل ما يقوله من غير ذكر دليل علي صحة ما يقول فليس بصحيح، بل هذه المرتبة هي [مرتبة الرسول] التي لا تصلح إلا له، كما قال تعالي: فلو كان غير الرسول معصومًا فيما يأمر به وينهي عنه لكان حكمه ذلك حكم الرسول، والنبي المبعوث إلي الخلق رسول إليهم، بخلاف من لم يبعث إليهم. فمن كان آمرًا ناهيا للخلق؛ من إمام، وعالم، وشيخ، وأولي أمر غير هؤلاء من أهل البيت أو غيرهم، وكان معصومًا، كان بمنزلة الرسول في ذلك، وكان من أطاعه وجبت له الجنة، ومن عصاه وجبت له النار، كما يقوله القائلون بعصمة علي أو غيره من الأئمة، بل من أطاعه يكون مؤمنًا، ومن عصاه يكون كافرًا، وكان هؤلاء كأنبياء بني إسرائيل، فلا / يصح حينئذ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نبي بعدي). وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا إنما ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر). فغاية العلماء من الأئمة وغيره من هذه الأمة أن يكونوا ورثة أنبياء. وأيضًا فقـد ثبت بالنصوص الصحيحة والإجماع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصديق في تأويل رؤيا عبرها: (أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا)، وقال الصديق: أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. وغضب مرة علي رجل فقال له أبو بردة: دعني أضرب عنقه فقال له: أكنت فاعلاً؟! قال: نعم. فقال: ما كانت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا اتفق الأئمة علي أن من سب نبيا قتل، ومن سب غير النبي لا يقتل بكل سب سبه، بل يفصل في ذلك: فإن من قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم، قتل مسلمًا كان أو كافرًا: لأنه قدح في نسبه، ولو قذف غير أم النبي صلى الله عليه وسلم ممن لم يعلم براءتها لم يقتل. وكذلك عمر بن الخطاب كان يقر علي نفسه في مواضع بمثل هذه، فيرجع عن أقوال كثيرة إذا تبين له الحق في خلاف ما قال، ويسأل الصحابة عن بعض السنة حتي يستفيدها منهم، ويقول في مواضع: والله ما يدري عمر أصاب الحق أو أخطأه، ويقول: امرأة أصابت، ورجل أخطأ، ومع هذا فقد ثبت في / الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر)، وفي الترمذي: (لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر)، وقال: (إن الله ضرب الحق علي لسان عمر وقلبه)، فإذا كان المحدث الملهم الذي ضرب الله الحق علي لسانه وقلبه بهذه المنزلة يشهد علي نفسه بأنه ليس بمعصوم، فكيف بغيره من الصحابة وغيرهم الذين لم يبلغوا منزلته؟! فإن أهل العلم متفقون علي أن أبا بكر وعمر أعلم من سائر الصحابة، وأعظم طاعة لله ورسوله من سائرهم، وأولي بمعرفة الحق واتباعه منهم، وقد ثبت بالنقل المتواتر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر)، روي ذلك عنه من نحو ثمانين وجهًا، وقال علي ـ رضي الله عنه : لا أوتي بأحد يفضلني علي أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري. والأقوال المأثورة عن عثمان وعلي وغيرهما من الصحابة كثرة. بل أبو بكر الصديق لا يحفظ له فتيا أفتي فيها بخلاف نص النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وجد لعلي وغيره من الصحابة من ذلك أكثر مما وجد لعمر، وكان الشافعي ـ رضي الله عنه ـ يناظر بعض فقهاء الكوفة في مسائل الفقه، فيحتجون عليه بقول علي، فصنف كتاب [اختلاف علي وعبد الله بن مسعود]، وبين فيه مسائل كثيرة تركت من قولهما: لمجيء السنة بخلافها، وصنف بعده محمد بن نصر الثوري كتابًا أكبر من ذلك، كما ترك من قول علي ـ رضي الله عنه ـ / أن المعتدة المتوفي عنها إذا كانت حاملاً فإنها تعتد أبعد الأجلين، ويروي ذلك عن ابن عباس أيضًا، واتفقت أئمة الفتيا علي قول عثمان وابن مسعود وغيرهما في ذلك، وهو أنها إذا وضعت حملها حلت، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن سبيعة الأسلمية كانت قد وضعت بعد زوجها بليال، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك، فقال: ما أنت بناكح حتي تمر عليك أربعة أشهر وعشرًا، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: (كذب أبو السنابل. حللت فانكحي). فكذب النبي صلى الله عليه وسلم من قال بهذه الفتيا. وكذلك المفوضة التي تزوجها زوجها ومات عنها ولم يفرض لها مهر قال فيها علي وابن عباس: إنها لا مهر لها، وأفتي فيها ابن مسعود وغيره: إن لها مهر المثل، فقام رجل من أشجع فقال: نشهد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضي في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت به في هذه. ومثل هذا كثير. وقد كان علي وابناه وغيرهم يخالف بعضهم بعضًا في العلم والفتيا، كما يخالف سائر أهل العلم بعضهم بعضًا، ولو كانوا معصومين لكان مخالفة المعصوم للمعصوم ممتنعة، وقد كان الحسن في أمر القتال يخالف أباه ويكره كثيرًا مما يفعله، ويرجع علي ـ رضي الله عنه ـ في آخر الأمر إلي رأيه، وكان يقول: لئن عجـــزت عجزةً لا أعـتــذر ** ســوف أكيس بعدهـــا وأستمــر وأجبر الرأي النسيب المنتشر /وتبين له في آخر عمره أن لو فعل غير الذي كان فعله لكان هو الأصوب، وله فتاوي رجع ببعضها عن بعض، كقوله في أمهات الأولاد، فإن له فيها قولين: أحدهما: المنع من بيعهن، والثاني: إباحة ذلك. والمعصوم لا يكون له قولان متناقضان، إلا أن يكون أحدهما ناسخًا للآخر، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم السنة استقرت فلا يرد عليها بعده نسخ إذ لا نبي بعده. وقد وصي الحسن أخاه الحسين بألا يطيع أهل العراق، ولا يطلب هذا الأمر، وأشار عليه بذلك ابن عمر وابن عباس وغيرهما ممن يتولاه ويحبه ورأوا أن مصلحته ومصلحة المسلمين ألا يذهب إليهم، لا يجيبهم إلي ما قالوه من المجيء إليهم والقتال معهم، وإن كان هذا هو المصلحة له وللمسلمين، ولكنه ـ رضي الله عنه ـ فعل ما رآه مصلحة، والرأي يصيب ويخطئ. والمعصوم ليس لأحد أن يخالفه؛ وليس له أن يخالف معصومًا آخر، إلا أن يكـونا علي شـريعتين، كالرسـولين، ومعلـوم أن شريعتهما واحـدة. وهـذا باب واسـع مبسوط في غير هذا الموضع. والمقصود أن من ادعي عصمة هؤلاء السادة، المشهود لهم بالإيمان والتقوي والجنة: هو في غاية الضلال والجهالة، ولم يقل هذا القول من له في الأمة لسان صدق، بل ولا من له عقل محمود. /فكيف تكون العصمة في ذرية [عبد الله بن ميمون القداح] مع شهرة النفاق والكذب والضلال؟! وهب أن الأمر ليس كذلك ، فلا ريب أن سيرتهم من سيرة الملوك، وأكثرها ظلمًا وانتهاكًا للمحرمات، وأبعدها عن إقامة الأمور والواجبات، وأعظم إظهارًا للبدع المخالفة للكتاب والسنة، وإعانة لأهل النفاق والبدعة. وقد اتفق أهل العلم علي أن دولة بني أمية وبني العباس أقرب إلي الله ورسوله من دولتهم، وأعظم علماً وإيمانًا من دولتهم، وأقل بدعًا وفجورًا من بدعتهم، وأن خليفة الدولتين أطوع لله ورسوله من خلفاء دولتهم، ولم يكن في خلفاء الدولتين من يجوز أن يقال فيه إنه معصوم، فكيف يدعي العصمة من ظهرت عنه الفواحش والمنكرات، والظلم والبغي، والعدوان والعداوة لأهل البر والتقوي من الأمة، والاطمئنان لأهل الكفر والنفاق؟! فهم من أفسق الناس. ومن أكفر الناس. وما يدعي العصمة في النفاق والفسوق إلا جاهل مبسوط الجهل، أو زنديق يقول بلا علم. ومن المعلوم الذي لا ريب فيه أن من شهد لهم بالإيمان والتقوي، أو بصحة النسب فقد شهد لهم بما لا يعلم، وقد قال الله تعالي: وكذلك [النسب]، قد علم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس، أو اليهود. هذا مشهور من شهادة علماء الطوائف؛ من الحنيفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وأهل الحديث، وأهل الكلام، وعلماء النسب، والعامة، وغيرهم. وهذا أمر قد ذكره عامة المصنفين لأخبار الناس وأيامهم، حتي بعض من قد يتوقف في أمرهم كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه؛ فإنه ذكر ما كتبه علماء المسلمين بخطوطهم في القدح في نسبهم. /وأما جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين حتي القاضي ابن خلكان في تاريخه، فإنهم ذكروا بطلان نسبهم، وكذلك ابن الجوزي، وأبو شامة وغيرهما من أهل العلم بذلك، حتي صنف العلماء في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، كما صنف القاضي أبو بكر الباقلاني كتابة المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ، وذكر أنهم من ذرية المجوس، وذكر من مذاهبهم ما بين فيه أن مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصاري، بل ومن مذاهب الغالية الذين يدعون إلهية علي أو نبوته، فهم أكفر من هؤلاء، وكذلك ذكر القاضي أبو يعلي في كتابه [المعتمد] فصلاً طويلاً في شرح زندقتهم وكفرهم، وكذلك ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه الذي سماه [فضائل المستظهرية، وفضائح الباطنية] قال: ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض. وكذلك القاضي عبد الجبار بن أحمد وأمثاله من المعتزلة المتشيعة الذين لا يفضلون علي علي غيره، بل يفسقون من قاتله ولم يتب من قتاله، يجعلون هؤلاء من أكابر المنافقين الزنادقة. فهذه مقالة المعتزلة في حقهم، فكيف تكون مقالة أهل السنة والجماعة؟! والرافضة الإمامية ـ مع أنهم من أجهل الخلق، وأنهم ليس لهم عقل ولا نقل، ولا دين صحيح، ولا دنيا منصورة ـ نعم يعلمون أن مقالة هؤلاء مقالة الزنادقة المنافقين، ويعلمون أن مقالة هؤلاء / الباطنية شر من مقالة الغالية الذين يعتقدون إلهية علي ـ رضي الله عنه ـ. وأما القدح في نسبهم فهو مأثور عن جماهير علماء الأمة من علماء الطوائف. وقد تولي الخلافة غيرهم طوائف، وكان في بعضهم من البدعة والظلم ما فيه، فلم يقدح الناس في نسب أحد من أولئك، كما قدحوا في نسب هؤلاء ولا نسبوهم إلي الزندقة والنفاق كما نسبوا هؤلاء. وقد قام من ولد علي طوائف؛ من ولد الحسن، وولد الحسين، كمحمد بن عبد الله بن حسن، وأخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وأمثالهما. ولم يطعن أحد لا من أعدائهم ولا من غير أعدائهم لا في نسبهم ولا في إسلامهم، وكذلك الداعي القائم بطبرستان وغيره من العلويين، وكذلك بنو حمود الذين تغلبوا بالأندلس مدة، وأمثال هؤلاء لم يقدح أحد في نسبهم، ولا في إسلامهم، وقد قتل جماعة من الطالبيين من علي الخلافة، لاسيما في الدولة العباسية، وحبس طائفة كموسي بن جعفر وغيره، ولم يقدح أعداؤهم في نسبهم، ولا دينهم. وسبب ذلك أن الأنساب المشهورة أمرها ظاهر متدارك مثل الشمس لا يقدر العدو أن يطفئه، وكذلك إسلام الرجل وصحة إيمانه بالله والرسول أمر لا يخفي، وصاحب النسب والدين لو أراد عدوه أن يبطل نسبه ودينه وله هذه الشهرة لم يمكنه ذلك، فإن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي علي نقله، ولا يجوز أن تتفق علي ذلك أقوال العلماء. /وهؤلاء [بنو عبيد القداح] مازالت علماء الأمة المأمونون علمًا ودينًا يقدحون في نسبهم ودينهم، لا يذمونهم بالرفض والتشيع، فإن لهم في هذا شركاء كثيرين، بل يجعلونهم من [القرامطة الباطنية] الذين منهم الإسماعيلية والنصيرية، ومن جنسهم الخرمية المحمرة ـ وأمثالهم من الكفار ـ المنافقون، الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، ولا ريب أن اتباع هؤلاء باطل، وقد وصف العلماء أئمة هذا القول بأنهم الذين ابتدعوه ووضعوه، وذكروا ما بنوا عليه مذاهبهم، وأنهم أخذوا بعض قول المجوس وبعض قول الفلاسفة، فوضعوا لهم [السابق] و [التالي] و [الأساس] و [الحجج] و [الدعاوي] وأمثال ذلك من المراتب. وترتيب الدعوة سبع درجات، آخرها [البلاغ الأكبر، والناموس الأعظم] مما ليس هذا موضع تفصيل ذلك. وإذا كان كذلك فمن شهد لهم بصحة نسب أو إيمان فأقل ما في شهادته أنه شاهد بلا علم، قاف ما ليس له به علم؛ وذلك حرام باتفاق الأمة، بل ما ظهر عنهم من الزندقة والنفاق، ومعاداة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، دليل علي بطلان نسبهم الفاطمي؛ فإن من يكون من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم القائمين بالخلافة في أمته لا تكون معاداته لدينه كمعاداة هؤلاء، فلم يعرف في بني هاشم، ولا ولد أبي طالب، ولا بني أمية من كان خليفة وهو معاد لدين الإسلام، فضلاً عن أن يكون معاديا كمعاداة /هؤلاء، بل أولاد الملوك الذين لا دين لهم فيكون فيهم نوع حمية لدين آبائهم وأسلافهم، فمن كان من ولد سيد ولد آدم الذي بعثه الله بالهدي ودين الحق كيف يعادي دينه هذه المعاداة؛ ولهذا نجد جميع المأمونين علي دين الإسلام باطنًا وظاهرًا معادين لهؤلاء، إلا من هو زنديق عدو الله ورسوله، أو جاهل لا يعرف ما بعث به رسوله. وهذا مما يدل علي كفرهم، وكذبهم في نسبهم.
|