الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (23- 29): {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}المراودة: الإرادة والطلب برفق ولين وقيل: هي مأخوذة من الرود أي: الرفق والتأني، يقال أرودني: أمهلني. وقيل: المراودة مأخوذة من راد يرود إذا جاء وذهب. كأن المعنى: أنها فعلت في مراودتها له فعل المخادع، ومنه الرائد لمن يطلب الماء والكلأ، وقد يخص بمحاولة الوقاع فيقال: راود فلان جاريته عن نفسها، وراودته هي عن نفسه: إذا حاول كل واحد منهما الوطء والجماع، وهي مفاعلة، وأصلها أن تكون من الجانبين، فجعل السبب هنا في أحد الجانبين قائماً مقام المسبب، فكأن يوسف عليه السلام لما كان ما أعطيه من كمال الخلق والزيادة في الحسن سبباً لمراودة امرأة العزيز له مراود. وإنما قال: {التى هُوَ في بَيْتِهَا} ولم يقل: امرأة العزيز، وزليخا قصداً إلى زيادة التقرير مع استهجان التصريح باسم المرأة والمحافظة على الستر عليها {وَغَلَّقَتِ الأبواب} قيل: في هذه الصيغة ما يدلّ على التكثير، فيقال: غلق الأبواب، ولا يقال: غلق الباب، بل يقال: أغلق الباب، وقد يقال: أغلق الأبواب، ومنه قول الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء:قيل: وكانت الأبواب سبعة.قوله: {هَيْتَ لَكَ}. قرأ أبو عمرو، وعاصم، والكسائي، وحمزة، والأعمش بفتح الهاء وسكون الياء وفتح التاء، وبها قرأ ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، وعكرمة. قال ابن مسعود: لا تنطعوا في القراءة، فإنما هو مثل قول أحدكم: هلمّ وتعال، وقرأ ابن أبي إسحاق النحوي بفتح الهاء وكسر التاء. وقرأ عبد الرحمن السلمي وابن كثير {هيت} بفتح الهاء وضم التاء، ومنه قول طرفة: وقرأ أبو جعفر ونافع بكسر الهاء وسكون الياء وفتح التاء. وقرأ عليّ وابن عباس في رواية عنه وهشام بكسر الهاء وبعدها همزة ساكنة وضم التاء. وقرأ ابن عامر وأهل الشام بكسر الهاء وبالهمزة وفتح التاء. ومعنى {هيت} على جميع القراءات معنى هلمّ وتعال؛ لأنها من أسماء الأفعال إلاّ في قراءة من قرأ بكسر الهاء بعدها همزة وتاء مضمومة. فإنها بمعنى: تهيأت لك. وأنكر أبو عمرو هذه القراءة.وقال أبو عبيدة: سئل أبو عمرو عن قراءة من قرأ بكسر الهاء والهمزة وضم التاء فقال: باطل جعلها بمعنى تهيأت، اذهب فاستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن، هل تعرف أحداً يقول هكذا؟ وأنكرها أيضاً الكسائي.وقال النحاس: هي جيدة عند البصريين؛ لأنه يقال: هاء الرجل يهاء ويهيء هيئة، ورجح الزجاج القراءة الأولى، وأنشد بيت طرفة المذكور هيتا بالفتح، ومنه قول الشاعر في عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه: وتكون اللام في {لَكَ} على القراءات الأولى التي هي فيها بمعنى اسم الفعل للبيان، أي: لك. أقول هذا كما في هلمّ لك. قال النحويون: هيت جاء بالحركات الثلاث: فالفتح للخفة، والكسر لالتقاء الساكنين، والضم تشبيهاً بحيث، وإذا بين باللام نحو: {هيت لك} فهو صوت قائم مقام المصدر كأف له، أي: لك أقول هذا، وإن لم يبين باللام فهو صوت قائم مقام مصدر الفعل فيكون اسم فعل، إما خبر أي: تهيأت، وإما أمر أي: أقبل.وقال في الصحاح: يقال: هوّت به وهيت به إذا صاح به ودعاه، ومنه قول الشاعر: وقد روي عن ابن عباس والحسن أنها كلمة سريانية معناها أنها تدعوه إلى نفسها. قال أبو عبيدة: كان الكسائي يقول: هي لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز معناها تعال. قال أبو عبيدة: فسألت شيخاً عالماً من حوران فذكر أنها لغتهم. {قَالَ مَعَاذَ الله} أي: أعوذ بالله معاذاً مما دعوتني إليه، فهو مصدر منتصب بفعل محذوف مضاف إلى اسم الله سبحانه، وجملة {إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ} تعليل للامتناع الكائن منه ببعض الأسباب التي هي أقرب إلى فهم امرأة العزيز، والضمير للشأن أي: إن الشأن ربي، يعني: العزيز أي سيدي الذي رباني وأحسن مثواي حيث أمرك بقوله: {أَكْرِمِى مَثْوَاهُ} فكيف أخونه في أهله وأجيبك إلى ما تريدين من ذلك؟ وقال الزجاج: إن الضمير لله سبحانه أي: إن الله ربي تولاني بلطفه فلا أركب ما حرّمه، وجملة {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} تعليل آخر للامتناع منه عن إجابتها، والفلاح: الظفر. والمعنى: أنه لا يظفر الظالمون بمطالبهم، ومن جملة الظالمين الواقعون في مثل هذه المعصية التي تطلبها امرأة العزيز من يوسف.قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} يقال: همّ بالأمر إذا قصده وعزم عليه. والمعنى: أنه همّ بمخالطتها كما همت بمخالطته ومال كل واحد منهما إلى الآخر بمقتضى الطبيعة البشرية والجبلة الخلقية، ولم يكن من يوسف عليه السلام القصد إلى ذلك اختياراً كما يفيده ما تقدّم من استعاذته بالله، وإن ذلك نوع من الظلم. ولما كان الأنبياء معصومين عن الهمّ بالمعصية والقصد إليها شطح أهل العلم في تفسير هذه الآية بما فيه نوع تكلف، فمن ذلك ما قاله أبو حاتم قال: كنت أقرأ على أبي عبيدة غريب القرآن، فلما أتيت على {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} قال: هذا على التقديم والتأخير: كأنه قال: ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها.وقال أحمد بن يحيى ثعلب: أي همت زليخا بالمعصية وكانت مصرّة، وهمّ يوسف ولم يوقع ما همّ به، فبين الهمين فرق، ومن هذا قول الشاعر: فهذا إنما هو حديث نفس من غير عزم، وقيل همّ بها بمعنى تمنى أن يتزوّجها.وقد ذهب جمهور المفسرين من السلف والخلف إلى ما قدّمنا من حمل اللفظ على معناه اللغوي، ويدل على هذا ما سيأتي من قوله: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} [يوسف: 52]، وقوله: {وَمَا أُبَرّئ نَفْسِى إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء} [يوسف: 53] ومجرد الهمّ لا ينافي العصمة، فإنها قد وقعت العصمة عن الوقوع في المعصية، وذلك المطلوب، وجواب {لو} في {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} محذوف: أي لولا أن رأى برهان ربه لفعل ما همّ به.واختلف في هذا البرهان الذي رآه ما هو؟ فقيل: إن زليخا قامت عند أن همت به وهمّ بها إلى صنم لها في زاوية البيت فسترته بثوب فقال: ما تصنعين؟ قالت: أستحي من إلهي هذا أن يراني على هذه الصورة، فقال يوسف: أنا أولى أن أستحي من الله تعالى. وقيل: إنه رأى في سقف البيت مكتوباً {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32]. وقيل: رأى كفاً مكتوباً عليها {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين} [الانفطار: 10] وقيل إن البرهان هو تذكره عهد الله وميثاقه وما أخذه على عباده. وقيل: نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء؟ وقيل: رأى صورة يعقوب على الجدار عاضاً على أنملته يتوعده، وقيل غير ذلك مما يطول ذكره. والحاصل أنه رأى شيئاً حال بينه وبين ما همّ به.قوله: {كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء} الكاف نعت مصدر محذوف، والإشارة بذلك إلى الإراءة المدلول عليها بقوله: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك أي: مثل تلك الإراءة أريناه، أو مثل ذلك التثبيت ثبتناه. {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء} أي: كل ما يسوؤه، والفحشاء كل أمر مفرط القبح. وقيل: السوء الخيانة للعزيز في أهله، والفحشاء: الزنا؛ وقيل: السوء الشهوة، والفحشاء: المباشرة؛ وقيل: السوء الثناء القبيح. والأولى الحمل على العموم فيدخل فيه ما يدل عليه السياق دخولاً أولياً، وجملة {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} تعليل لما قبله. قرأ ابن عامر، وابن كثير، وأبو عمرو {المخلصين} بكسر اللام، وقرأ الآخرون بفتحها. والمعنى على القراءة الأولى: أن يوسف عليه السلام كان ممن أخلص طاعته لله، وعلى الثانية أنه كان ممن استخلصه الله للرسالة، وقد كان عليه السلام مخلصاً مستخلصاً.{واستبقا الباب} أي: تسابقا إليه، فحذف حرف الجرّ وأوصل الفعل بالمفعول، أو ضمن الفعل معنى فعل آخر يتعدّى بنفسه كابتدرا الباب، وهذا الكلام متصل بقوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} وما بينهما اعتراض.ووجه تسابقهما أن يوسف يريد الفرار والخروج من الباب، وامرأة العزيز تريد أن تسبقه إليه لتمنعه، ووحد الباب هنا وجمعه فيما تقدّم، لأن تسابقهما كان إلى الباب الذي يخلص منه إلى خارج الدار {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ} أي: جذبت قميصه من ورائه فانشق إلى أسفله، والقدّ: القطع، وأكثر ما يستعمل فيما كان طولاً، والقط بالطاء يستعمل فيما كان عرضاً، وقع منها ذلك عند أن فرّ يوسف لما رأى برهان ربه، فأرادت أن تمنعه من الخروج بجذبها لقميصه {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لدى الباب} أي: وجدا العزيز هنالك، وعني بالسيد: الزوج لأن القبط يسمون الزوج سيداً، وإنما لم يقل: سيدهما، لأن ملكه ليوسف لم يكن صحيحاً فلم يكن سيداً له.وجملة {قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} مستأنفة جواب سؤال مقدّر كأنه قيل: فما كان منهما عند أن ألفيا سيدها لدى الباب، و{ما} استفهامية، والمراد بالسوء هنا الزنا. قالت هذه المقالة طلباً منها للحيلة وللستر على نفسها، فنسبت ما كان منها إلى يوسف أيّ: جزاء يستحقه من فعل مثل هذا، ثم أجابت عن استفهامها بقولها: {إِلا أَن يُسْجَنَ} أي: ما جزاؤه إلاّ أن يسجن، ويحتمل أن تكون {ما} نافية أي: ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم. قيل: والعذاب الأليم هو الضرب بالسياط، والظاهر أنه ما يصدق عليه العذاب الأليم من ضرب أو غيره، وفي الإبهام للعذاب زيادة تهويل.وجملة {قَالَ هي رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى} مستأنفة كالجملة الأولى.وقد تقدّم بيان معنى المراودة أي: هي التي طلبت مني ذلك ولم أرد بها سوءاً {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} أي: من قرابتها، وسمي الحكم بينهما شهادة لما يحتاج فيه من التثبت والتأمل، قيل: لما التبس الأمر على العزيز احتاج إلى حاكم يحكم بينهما ليتبين له الصادق من الكاذب. قيل: كان ابن عمّ لها واقفاً مع العزيز في الباب. وقيل: ابن خال لها. وقيل: إنه طفل في المهد تكلم. قال السهيلي: وهو الصحيح للحديث الوارد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر من تكلم في المهد، وذكر من جملتهم شاهد يوسف. وقيل: إنه رجل حكيم كان العزيز يستشيره في أموره، وكان من قرابة المرأة {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} أي: فقال الشاهد هذه المقالة مستدلاً على بيان صدق الصادق منهما، وكذب الكاذب، بأن قميص يوسف إن كان مقطوعاً من قبل: أي من جهة القبل {فَصَدَقَتْ} أي: فقد صدقت بأنه أراد بها سوءاً {وَهُوَ مِنَ الكاذبين} في قوله إنها راودته عن نفسه. وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق {من قبل} بضم اللام، وكذا قرأ: {من دبر} قال الزجاج: جعلاهما غايتين كقبل وبعد كأنه قيل: من قبله ومن دبره، فلما حذف المضاف إليه: وهو مراد صار المضاف غاية بعد أن كان المضاف إليه هو الغاية.{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} أي: من ورائه {فَكَذَّبْتَ} في دعواها عليه {وَهُوَ مِن الصادقين} في دعواه عليها، ولا يخفى أن هاتين الجملتين الشرطيتين لا تلازم بين مقدّميهما وتالييهما، لا عقلاً ولا عادة، وليس ها هنا إلاّ مجرد أمارة غير مطردة، إذ من الجائز أن تجذبه إليها وهو مقبل عليها فينقدّ القميص من دبر، وأن تجذبه وهو مدبر عنها فينقدّ القميص من قبل.{فَلَماَّ رَأَى} أي: العزيز {قَمِيصِهِ} أي: قميص يوسف {قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ} أي: هذا الأمر الذي وقع فيه الاختلاف بينكما، أو أن قولك: {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} {مِن كَيْدِكُنَّ} أي: من جنس كيدكنّ يا معشر النساء {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} والكيد: المكر والحيلة.ثم خاطب العزيز يوسف عليه السلام بقوله: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا} أي: عن هذا الأمر الذي جرى واكتمه ولا تتحدّث به، ثم أقبل عليها بالخطاب فقال: {واستغفرى لِذَنبِكِ} الذي وقع منك {إِنَّكَ كُنتَ} بسبب ذلك {مِنَ الخاطئين} أي: من جنسهم، والجملة تعليل لما قبلها من الأمر بالاستغفار ولم يقل من الخاطئات تغليباً للمذكر على المؤنث كما في قوله: {وَكَانَتْ مِنَ القانتين} [التحريم: 12] ومعنى {من الخاطئين} من المتعمدين، يقال: خطئ إذا أذنب متعمداً، وقيل: إن القائل ليوسف ولامرأة العزيز بهذه المقالة هو الشاهد الذي حكم بينهما.وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ في بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} قال: هي امرأة العزيز.وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: راودته حين بلغ مبلغ الرجال.وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {هَيْتَ لَكَ} قال: هلمّ لك تدعوه إلى نفسها.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه قال: هلم لك بالقبطية، وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: هي كلمة بالسريانية أي: عليك.وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: معناها تعال.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد: إنها لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها.وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ: {هئت لك} مكسورة الهاء مضمومة التاء مهموزة، قال: تهيأت لك.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {إِنَّهُ رَبّى} قال: سيدي، قال: يعني زوج المرأة.وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: لما همت به تزينت ثم استلقت على فراشها، {وهمّ بها} جلس بين رجليها يحلّ ثيابه، فنودي من السماء يا ابن يعقوب لا تكن كطائر نتف ريشه، فبقي لا ريش له، فلم يتعظ على النداء شيئاً حتى رأى برهان ربه جبريل في صورة يعقوب، عاضاً على أصبعه، ففزع فخرجت شهوته من أنامله، فوثب إلى الباب فوجده مغلقاً، فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له، واتبعته فأدركته، فوضعت يديها في قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه، فألفيا سيدها لدى الباب.وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} قال: طمعت فيه وطمع فيها، وكان فيه من الطمع أن همّ بحل التكة، فقامت إلى صنم لها مكلل بالدرّ والياقوت في ناحية البيت، فسترته بثوب أبيض بينها وبينه، فقال: أيّ شيء تصنعين؟ فقالت: أستحي من إلهي أن يراني على هذه السوءة، فقال يوسف: تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب، ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ ثم قال: لا تناليها مني أبداً، وهو البرهان الذي رأى.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} قال: مثل له يعقوب، فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله.وقد أطال المفسرون في تعيين البرهان الذي رآه، واختلفت أقوالهم في ذلك اختلافاً كثيراً.وأخرج ابن جرير عن زيد بن ثابت قال: السيد الزوج، يعني في قوله: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لدى الباب}.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه.وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال: القيد.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} قال: صبي أنطقه الله كان في الدار.وأخرج أحمد، وابن جرير، والبيهقي، في الدلائل عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم».وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} قال: كان رجلاً ذا لحية.وأخرج الفريابي، وابن جرير، وأبو الشيخ عنه قال: كان من خاصة الملك.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن قال: هو رجل له فهم وعلم.وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: ابن عمّ لها كان حكيماً.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد قال: إنه ليس بإنسيّ ولا جنيّ هو خلق من خلق الله. قلت: ولعله لم يستحضر قوله تعالى: {مّنْ أَهْلِهَا}.
|