الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد (نسخة منقحة)
.معنى كون الله في السماء: المعنى الصحيح لكون الله في السماء أن الله تعالى على السماء، فـ: (في) بمعنى (على)، وليست للظرفية؛ لأن السماء لا تحيط بالله، أو إنه في العلو فالسماء بمعنى العلو وليس المراد بها السماء المبنية.تنبيه: ذكر المؤلف رحمه الله أنه نقل عن بعض الكتب المتقدمة أن من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم يسجدون بالأرض ويزعمون أن إلههم في السماء وهذا النقل غير صحيح؛ لأنه لا سند له، ولأن الإيمان بعلو الله والسجود له لا يختصان بهذه الأمة، وما لا يختص لا يصح أن يكون علامة، ولأن التعبير بالزعم في هذا الأمر ليس بمدح لأن أكثر ما يأتي الزعم فيما يشك فيه.جواب الإمام مالك بن أنس بن مالك، وليس أبوه أنس بن مالك الصحابي بل غيره، وكان جد مالك من كبار التابعين وأبو جده من الصحابة. ولد مالك سنة 93هـ بالمدينة ومات فيها سنة 179هـ وهو في عصر تابعي التابعين.سئل مالك فقيل: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}. كيف استوى؟ فقال رحمه الله: (الاستواء غير مجهول) أي معلوم المعنى، وهو العلو والاستقرار. (والكيف غير معقول) أي كيفية الاستواء غير مدركة بالعقل؛ لأن الله تعالى أعظم وأجل من أن تدرك العقول كيفية صفاته. (والإيمان به) أي الاستواء (واجب) لوروده في الكتاب والسنة. (والسؤال عنه) أي عن الكيف (بدعة)؛ لأن السؤال عنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ثم أمر بالسائل فأخرج من المسجد خوفًا من أن يفتن الناس في عقيدتهم وتعزيرًا له بمنعه من مجالس العلم..الصفة الخامسة عشرة: (الكلام): الكلام صفة من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه}.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي». أخرجه ابن خزيمة وابن جرير وابن أبي حاتم.وأجمع السلف على ثبوت الكلام لله، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.وهو كلام حقيقي يليق بالله، يتعلق بمشيئته بحروف وأصوات مسموعة.والدليل على أنه بمشيئته، قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}. فالتكليم حصل بعد مجيء موسى فدل على أنه متعلق بمشيئته تعالى.والدليل على أنه حروف، قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}. فإن هذه الكلمات حروف وهي كلام الله.والدليل على أنه بصوت، قوله تعالى:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت. وروي عن عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يحشر الله الخلائق فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان». علقه البخاري بصيغة التمريض، قال في (الفتح): وأخرجه المصنف في (الأدب المفرد) وأحمد، وأبو يعلي في (مسنديهما) وذكر له طريقين آخرين.وكلام الله تعالى قديم النوع، حادث الآحاد. ومعنى قديم النوع: أن الله لم يزل، ولا يزال متكلمًا ليس الكلام حادثًا منه بعد أن لم يكن. ومعنى حادث الآحاد: أن آحاد كلامه- أي الكلام المعين المخصوص- حادث؛ لأنه متعلق بمشيئته، متى شاء تكلم بما شاء كيف شاء..المخالفون لأهل السنة في كلام الله تعالى: خالف أهل السنة في كلام الله طوائف نذكر منها طائفتين:الطائفة الأولى: الجهمية، قالوا: ليس الكلام من صفات الله، وإنما هو خلق من مخلوقات الله يخلقه الله في الهواء، أو في المحل الذي يسمع منه، وإضافته إلى الله إضافة خلق، أو تشريف مثل ناقة الله، وبيت الله.ونرد عليهم بما يلي:1- أنه خلاف إجماع السلف.2- أنه خلاف المعقول، لأن الكلام صفة للمتكلم وليس شيئًا قائمًا بنفسه منفصلًا عن المتكلم.3- أن موسى سمع الله يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي}. ومحال أن يقول ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى.الطائفة الثانية: الأشعرية، قالوا: كلام الله معنى قائم بنفسه لا يتعلق بمشيئته، وهذه الحروف والأصوات المسموعة مخلوقة للتعبير عن المعنى القائم بنفس الله.ونرد عليهم بما يلي:1- أنه خلاف إجماع السلف.2- أنه خلاف الأدلة؛ لأنها تدل على أن كلام الله يسمع، ولا يسمع إلا الصوت ولا يسمع المعنى القائم بالنفس.3- أنه خلاف المعهود؛ لأن الكلام المعهود هو ما ينطق به المتكلم لا ما يضمره في نفسه..تعليق كلام المؤلف في فصل الكلام: قوله: (متكلم بكلام قديم) يعني قديم النوع حادث الآحاد لا يصلح إلا هذا المعنى على مذهب أهل السنة والجماعة، وإن كان ظاهر كلامه أنه قديم النوع والآحاد.قوله: (سمعه موسى من غير واسطة) لقوله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}.قوله: (وسمعه جبريل) لقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ}.قوله: (ومن أذن له من ملائكته ورسله) أما الملائكة فلقوله صلى الله عليه وسلم: «ولكن ربنا إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش، ثم يسبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} فيخبرونهم». الحديث رواه مسلم. وأما الرسل فقد ثبت أن الله كلم محمدًا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج.قوله: (وإنه سبحانه يكلم المؤمنين ويكلمونه) لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك». الحديث متفق عليه.قوله: (ويأذن لهم فيزورونه) لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة إذا دخلوا فيها نزلوا بفضل أعمالهم ثم يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم...» الحديث رواه ابن ماجه والترمذي وقال: غريب وضعفه الألباني.وقوله: (وقال ابن مسعود: «إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء» وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم) أثر ابن مسعود لم أجده بهذا اللفظ وذكر ابن خزيمة طرقه في كتاب التوحيد بألفاظ منها: «سمع أهل السموات للسموات صلصلة»، وأما المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من حديث النواس بن سمعان مرفوعًا «إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي فإذا تكلم أخذت السماوات منه رجفة، أو قال رعدة شديدة من خوف الله، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا..» الحديث رواه ابن خزيمة وابن أبي حاتم..القول في القرآن: القرآن الكريم من كلام الله تعالى، منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، فهو كلام الله حروفه ومعانيه. دليل أنه من كلام الله قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}. يعني القرآن.ودليل أنه منزل قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}.ودليل أنه غير مخلوق قوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر}. فجعل الأمر غير الخلق والقرآن من الأمر لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}، {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُم}. ولأن كلام الله صفة من صفاته وصفاته غير مخلوقة.ودليل أنه منه بدأ، أن الله أضافه إليه، ولا يضاف الكلام إلا إلى من قاله مبتدئًا.ودليل أنه إليه يعود أنه ورد في بعض الآثار أنه يرفع من المصاحف والصدور في آخر الزمان..القرآن حروف وكلمات: القرآن حروف وكلمات، وقد ذكر المؤلف رحمه الله لذلك أدلة ثمانية:1- أن الكفار قالوا: إنه شعر، ولا يمكن أن يوصف بذلك إلا ما هو حروف وكلمات.2- أن الله تحدى المكذبين به أن يأتوا بمثله، ولو لم يكن حروفًا وكلمات لكان التحدي غير مقبول، إذ لا يمكن التحدي إلا بشيء معلوم يدرى ما هو.3- أن الله أخبر بأن القرآن يتلى عليهم {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}. ولا يتلى إلا ما هو حروف وكلمات.4- أن الله أخبر بأنه محفوظ في صدور أهل العلم ومكتوب في اللوح المحفوظ {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}. {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}. ولا يحفظ ويكتب إلا ما هو حروف وكلمات.5- قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة». صححه المؤلف ولم يعزه ولم أجد من خرجه.6- قول أبي بكر وعمر: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.7- قول علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.8- إجماع المسلمين- كما نقله المؤلف- على أن من جحد منه سورة، أو آية، أو كلمة، أو حرفًا متفقًا عليه فهو كافر.وعدد سور القرآن (114) منها (29) افتتحت بالحروف المقطعة..أوصاف القرآن: وصف الله القرآن الكريم بأوصاف عظيمة كثيرة ذكر المؤلف منها ما يلي:1- أنه كتاب الله المبين، أي: المفصح عما تضمنه من أحكام وأخبار.2- أنه حبل الله المتين، أي: العهد القوي الذي جعله الله سببًا للوصول إليه والفوز بكرامته.3- أنه سور محكمات، أي: مفصل السور، كل سورة منفردة عن الأخرى، والمحكمات المتقنات المحفوظات من الخلل والتناقض.4- أنه آيات بينات، أي علامات ظاهرات على توحيد الله، وكمال صفاته، وحسن تشريعاته.5- أن فيه محكمًا ومتشابهًا، فالمحكم: ما كان معناه واضحًا، والمتشابه: ما كان معناه خفيًا. ولا يعارض هذا ما سبق برقم (3) لأن الإحكام هناك بمعنى الإتقان والحفظ من الخلل والتناقض، وهنا بمعنى وضوح المعنى، وإذا رددنا المتشابه هنا إلى المحكم صار الجميع محكمًا.6- أنه حق لا يمكن أن يأتيه الباطل من أي جهة {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.7- أنه بريء مما وصفه به المكذبون به من قولهم: إنه شعر؛ {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}، وقول بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَر}. {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ}. فقال الله متوعدًا هذا القائل: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}.8- أنه معجزة لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله وإن عاونه غيره {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}..رؤية الله في الآخرة: رؤية الله في الدنيا مستحيلة لقوله تعالى لموسى وقد طلب رؤية الله: {لَنْ تَرَانِي}.ورؤية الله في الآخرة ثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. وقال: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}. فلما حجب الفجار عن رؤيته دل على أن الأبرار يرونه وإلا لم يكن بينهما فرق.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «''إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته» متفق عليه. وهذا التشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي؛ لأن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ولا شبيه له ولا نظير.وأجمع السلف على رؤية المؤمنين لله تعالى دون الكفار بدليل الآية الثانية.يرون الله تعالى في عرصات القيامة وبعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى.وهي رؤية حقيقية تليق بالله، وفسرها أهل التعطيل بأن المراد بها رؤية ثواب الله، أو أن المراد بها رؤية العلم واليقين. ونرد عليهم باعتبار التأويل الأول بما سبق في القاعدة الرابعة، وباعتبار التأويل الثاني بذلك وبوجه رابع: أن العلم واليقين حاصل للأبرار في الدنيا وسيحصل للفجار في الآخرة. |