الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَجْنُونِ, وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ جُنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ, فَإِنْ أَفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ قَضَى الشَّهْرَ كُلَّهُ. قَالَ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كُلِّهِ, فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ قَضَى الشَّهْرَ كُلَّهُ إلاَّ يَوْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهَا; لأَِنَّهُ قَدْ نَوَى صِيَامَهُ مِنْ اللَّيْلِ. وقال مالك: مَنْ بَلَغَ وَهُوَ مَجْنُونٌ مُطْبَقٌ فَأَقَامَ وَهُوَ كَذَلِكَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ: فَإِنَّهُ يَقْضِي كُلَّ رَمَضَانَ كَانَ فِي تِلْكَ السِّنِينَ, وَلاَ يَقْضِي شَيْئًا مِنْ الصَّلَوَاتِ. قَالَ: فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ النَّهَارِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ, فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلَّ النَّهَارِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ جُمْلَةً دُونَ تَقْسِيمٍ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: لاَ قَضَاءَ عَلَى الْمَجْنُونِ إلاَّ عَلَى الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ, وَلاَ قَضَاءَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وقال الشافعي: لاَ يَقْضِي الْمَجْنُونُ, وَيَقْضِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمْ. قال أبو محمد: كُنَّا نَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ, وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَبْطُلُ صَوْمُهُمَا، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمَا, وَكَذَلِكَ الصَّلاَةُ. وَنَقُولُ: إنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلاَنِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا وُهَيْبٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ, وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ وَكُنَّا نَقُولُ: إذَا رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ فَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِصَوْمٍ، وَلاَ بِصَلاَةٍ. ثُمَّ تَأَمَّلْنَا هَذَا الْخَبَرَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ حَتَّى يَعْقِلَ, وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُطْلاَنُ صَوْمِهِ الَّذِي لَزِمَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ, وَلاَ عَوْدَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَاقَتِهِ, وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى, فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلاَ يَكُونُ مُفْطِرًا بِجُنُونِهِ; لَكِنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ, وَقَدْ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ; فَإِنْ أَفَاقَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِي يَوْمٍ بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ حِينِهِ وَيَكُونُ صَائِمًا; لأَِنَّهُ حِينَئِذٍ عَلِمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ. وَهَكَذَا مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ, أَوْ مَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ يَوْمُ نَذْرِهِ أَوْ فَرْضِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ, وَكَذَلِكَ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا, وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ, أَوْ مَنْ نَامَ, أَوْ سَكِرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ، وَلاَ صَحَا إلاَّ مِنْ الْغَدِ وَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ النَّهَارِ, أَوْ أَقَلُّهُ. وَوَجَدْنَا الْمَجْنُونَ لاَ يُبْطِلُ جُنُونُهُ إيمَانَهُ, وَلاَ أَيْمَانَهُ، وَلاَ نِكَاحَهُ، وَلاَ طَلاَقَهُ, وَلاَ ظِهَارَهُ، وَلاَ إيلاَءَهُ, وَلاَ حَجَّهُ, وَلاَ إحْرَامَهُ، وَلاَ بَيْعَهُ, وَلاَ هِبَتَهُ, وَلاَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهِ اللاَّزِمَةِ لَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ, وَلاَ خِلاَفَتَهُ إنْ كَانَ خَلِيفَةً, وَلاَ إمَارَتَهُ إنْ كَانَ أَمِيرًا، وَلاَ وِلاَيَتَهُ، وَلاَ وَكَالَتَهُ, وَلاَ تَوْكِيلَهُ, وَلاَ كُفْرَهُ, وَلاَ فِسْقَهُ, وَلاَ عَدَالَتَهُ, وَلاَ وَصَايَاهُ, وَلاَ اعْتِكَافَهُ, وَلاَ سَفَرَهُ, وَلاَ إقَامَتَهُ, وَلاَ مِلْكَهُ, وَلاَ نَذْرَهُ, وَلاَ حِنْثَهُ, وَلاَ حُكْمَ الْعَامِّ فِي الزَّكَاةِ عَلَيْهِ. وَوَجَدْنَا ذُهُولَهُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ لاَ يُوجِبُ بُطْلاَنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, فَقَدْ يَذْهَلُ الإِنْسَانُ عَنْ الصَّوْمِ, وَالصَّلاَةِ, حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُصَلِّيًا، وَلاَ صَائِمًا; فَيَأْكُلَ, وَيَشْرَبَ, وَلاَ يَبْطُلُ بِذَلِكَ صَوْمُهُ، وَلاَ صَلاَتُهُ, بِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا, وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ, وَلاَ يُبْطِلُ الْجُنُونُ وَالإِغْمَاءُ إلاَّ مَا يُبْطِلُ النَّوْمُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْوُضُوءِ وَحْدَهُ فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَغْلُوبَ الْمُكْرَهَ عَلَى الْفِطْرِ لاَ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, وَالْمَجْنُونُ, وَالْمُكْرَهُ مَغْلُوبَانِ مُكْرَهَانِ مُضْطَرَّانِ بِقَدَرٍ غَالِبٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَصَابَهُمَا, فَلاَ يُبْطِلُ ذَلِكَ صَوْمَهُمَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ جُنَّ; أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَحَّ صَوْمُهُ بِيَقِينٍ مِنْ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ; فَلاَ يَجُوزُ بُطْلاَنُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلاَ إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مُطْبَقًا فَهَذَا لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُخَاطَبًا, وَلاَ لَزِمَتْهُ الشَّرَائِعُ, وَلاَ الأَحْكَامُ وَلَمْ يَزَلْ مَرْفُوعًا عَنْهُ الْقَلَمُ; فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمٍ أَصْلاً; بِخِلاَفِ قَوْلِ مَالِكٍ: فَإِذَا عَقَلَ فَحِينَئِذٍ ابْتَدَأَ الْخِطَابُ بِلُزُومِهِ إيَّاهُ, لاَ قَبْلَ ذَلِكَ. وأما مَنْ شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ فِي لَيْلَةِ رَمَضَانَ وَكَانَ نَوَى الصَّوْمَ فَصَحَا بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ النَّهَارِ أَقَلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ أَوْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: فَصَوْمُهُ تَامٌّ, وَلَيْسَ السُّكْرُ مَعْصِيَةً, إنَّمَا الْمَعْصِيَةُ شُرْبُ مَا يُسْكِرُ سَوَاءٌ سَكِرَ أَمْ لَمْ يَسْكَرْ, وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مَنْ فُتِحَ فَمُهُ أَوْ أُمْسِكَتْ يَدُهُ وَجَسَدُهُ وَصُبَّ الْخَمْرُ فِي حَلْقِهِ حَتَّى سَكِرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا بِسُكْرِهِ, لأَِنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ مَا يُسْكِرُهُ بِاخْتِيَارِهِ, وَالسُّكْرُ لَيْسَ هُوَ فِعْلُهُ, إنَّمَا هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ, وَإِنَّمَا يُنْهَى الْمَرْءُ عَنْ فِعْلِهِ, لاَ عَنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الَّذِي لاَ اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلاَّ فِي النَّهَارِ، وَلاَ فَرْقَ; أَوْ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ لَمْ يَسْتَيْقِظْ إلاَّ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ, فَصَوْمُهُ تَامٌّ. وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ, أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ سَكِرَ, أَوْ نَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُفِقْ، وَلاَ صَحَا، وَلاَ انْتَبَهَ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا وَالْغَدَ كُلَّهُ إلَى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: أَيَقْضِيهِ أَمْ لاَ. فَوَجَدْنَا الْقَضَاءَ إيجَابَ شَرْعٍ; وَالشَّرْعُ لاَ يَجِبُ إلاَّ بِنَصٍّ, فَلاَ نَجِدُ إيجَابَ الْقَضَاءِ فِي النَّصِّ إلاَّ عَلَى أَرْبَعَةٍ: الْمُسَافِرُ, وَالْمَرِيضُ بِالْقُرْآنِ وَالْحَائِضُ, وَالنُّفَسَاءُ, وَالْمُتَعَمِّدُ لِلْقَيْءِ بِالسُّنَّةِ، وَلاَ مَزِيدَ. وَوَجَدْنَا النَّائِمَ, وَالسَّكْرَانَ, وَالْمَجْنُونَ الْمُطْبَقَ عَلَيْهِ لَيْسُوا مُسَافِرِينَ، وَلاَ مُتَعَمِّدِينَ لِلْقَيْءِ, وَلاَ حُيَّضًا, وَلاَ مِنْ ذَوَاتِ النِّفَاسِ, وَلاَ مَرْضَى; فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ أَصْلاً, وَلاَ خُوطِبُوا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ الأَحْوَالِ; بَلْ الْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عنهم بِالسُّنَّةِ. وَوَجَدْنَا الْمَصْرُوعَ, وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَرِيضَيْنِ بِلاَ شَكٍّ, لأَِنَّ الْمَرَضَ هِيَ حَالٌ مُخْرِجَةٌ لِلْمَرْءِ عَنْ حَالِ الاِعْتِدَالِ وَصِحَّةِ الْجَوَارِحِ وَالْقُوَّةِ إلَى الاِضْطِرَابِ وَضَعْفِ الْجَوَارِحِ وَاعْتِلاَلِهَا, وَهَذِهِ صِفَةُ الْمَصْرُوعِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بِلاَ شَكٍّ, وَيَبْقَى وَهْنُ ذَلِكَ وَضَعْفُهُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الإِفَاقَةِ مُدَّةً; فَإِذْ هُمَا مَرِيضَانِ فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَيْسَ قَوْلُنَا بِسُقُوطِ الصَّلاَةِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إلاَّ مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ مِنْهَا وَبِقَضَاءِ النَّائِمِ لِلصَّلاَةِ: مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا هَاهُنَا; بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ, لأَِنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالصَّلاَةِ فِيهِ, وَلاَ كَانَ أَيْضًا مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ; وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ, وَلَمْ يُوجِبْ تَعَالَى عَلَى الْمَرِيضِ: قَضَاءَ صَلاَةٍ, وَأَوْجَبَ قَضَاءَ الصَّلاَةِ: عَلَى النَّائِمِ, وَالنَّاسِي, وَلَمْ يُوجِبْ قَضَاءَ صِيَامٍ عَلَى النَّائِمِ, وَالنَّاسِي بَلْ أَسْقَطَهُ تَعَالَى عَنْ النَّاسِي, وَالنَّائِمِ; إذْ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ. فَصَحَّ قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وأما قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ; لأَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ, وَلَمْ يَتَّبِعْ نَصًّا, وَلاَ قِيَاسًا; لأَِنَّهُ رَأَى عَلَى مَنْ أَفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ جُنُونِهِ: قَضَاءَ الشَّهْرِ كُلِّهِ, وَهُوَ لاَ يَرَاهُ عَلَى مَنْ بَلَغَ, أَوْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ: الْمَجْنُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِضِ وَهَذَا كَلاَمٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ عَنْ تَكَلُّفِ إبْطَالِهِ, وَمَا نَدْرِي فِيمَا يُشْبِهُ الْمَجْنُونُ الْحَائِضَ . وَمَنْ جَهَدَهُ الْجُوعُ, أَوْ الْعَطَشُ حَتَّى غَلَبَهُ الأَمْرُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فَإِنْ كَانَ خَرَجَ بِذَلِكَ إلَى حَدِّ الْمَرَضِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ, وَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْمَرَضِ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ; لأَِنَّهُ مَغْلُوبٌ مُكْرَهٌ مُضْطَرٌّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَمْ يَأْتِ الْقُرْآنُ، وَلاَ السُّنَّةُ بِإِيجَابِ قَضَاءٍ عَلَى مُكْرَهٍ, أَوْ مَغْلُوبٍ; بَلْ قَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَضَاءَ عَمَّنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَأَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَهُ . وَلاَ يَلْزَمُ صَوْمٌ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ إلاَّ بِتَبَيُّنِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وأما مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فَالأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ مُبَاحٌ كُلُّ ذَلِكَ, كَانَ عَلَى شَكٍّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ. فَمَنْ رَأَى الْفَجْرَ وَهُوَ يَأْكُلُ فَلْيَقْذِفْ مَا فِي فَمِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ, وَلْيَصُمْ, وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ; وَمَنْ رَأَى الْفَجْرَ وَهُوَ يُجَامِعُ فَلْيَتْرُكْ مِنْ وَقْتِهِ, وَلْيَصُمْ, وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ; وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَانَ طُلُوعُ الْفَجْرِ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ قَرِيبَةٍ, فَلَوْ تَوَقَّفَ بَاهِتًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, وَصَوْمُهُ تَامٌّ; وَلَوْ أَقَامَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ شَرِبَ فَهُوَ عَاصٍ لَهُ تَعَالَى, مُفْسِدٌ لِصَوْمِهِ, وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقَضَاءِ; فَإِنْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ: بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ, قَالَ الْقَاسِمُ: عَنْ عَائِشَةَ, وَقَالَ نَافِعٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ, قَالَتْ عَائِشَةُ, وَابْنُ عُمَرَ: كَانَ بِلاَلٌ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ, فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ; فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ, فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ, قَالَ: وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ الْقُشَيْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلاَلٍ مِنْ السُّحُورِ, وَلاَ هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَسْتَطِيرَ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ, وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الْخَيْطَيْنِ الأَسْوَدِ, وَالأَبْيَضِ فَقَالَ عليه السلام إنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ. قال أبو محمد: فَنَصَّ عليه السلام عَلَى أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ, وَأَبَاحَ الأَكْلَ إلَى أَذَانِهِ, فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الأَكْلَ مُبَاحٌ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِمُرِيدِ الصَّوْمِ طُلُوعُهُ. وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ قوله تعالى: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ, وَإِحَالَةٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ, وَلِكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلٌ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ; وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَكَانَ بِلاَلُ, وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعًا لاَ يُؤَذِّنَانِ إلاَّ قَبْلَ الْفَجْرِ, وَهَذَا بَاطِلٌ لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ, لاَ هُمْ، وَلاَ غَيْرُهُمْ. وأما قوله تعالى: وقال بعضهم: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِبِلاَلٍ: اكْلاَْ لَنَا الْفَجْرَ مُوجِبٌ لِصِحَّةِ قَوْلِهِمْ. قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ إلاَّ لِلصَّلاَةِ, لاَ لِلصَّوْمِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِلصَّوْمِ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا لاَ لَهُمْ; لأَِنَّ الأَكْلَ, وَالْجِمَاعَ: مُبَاحَانِ إلَى أَنْ يُنْذِرَهُمْ بِلاَلٌ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ, وَإِنْذَارُهُ إيَّاهُمْ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لاَ يَكُونُ إلاَّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِلاَ شَكٍّ; فَالأَكْلُ, وَالشُّرْبُ, وَالْجِمَاعُ: مُبَاحٌ كُلُّ ذَلِكَ, وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ, وَإِنَّمَا يَحْرُمُ كُلُّ ذَلِكَ بِإِنْذَارِ بِلاَلٍ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ; هَذَا مَا لاَ حِيلَةَ لَهُمْ فِيهِ, وَقَوْلُهُمْ هُنَا خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ وَلِجَمِيعِ السُّنَنِ حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا حَبِيبُ بْنُ خَلَفٍ الْبُخَارِيُّ، حدثنا أَبُو ثَوْرِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ تَسَحَّرْتُ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إلَى الْمَسْجِدِ, فَدَخَلْتُ عَلَى حُذَيْفَةَ, فَأَمَرَ بِلِقْحَةٍ فَحُلِبَتْ, ثُمَّ أَمَرَ بِقِدْرٍ فَسُخِّنَتْ, ثُمَّ قَالَ: كُلْ. قُلْتُ: إنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ, قَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ, فَأَكَلْنَا ثُمَّ شَرِبْنَا ثُمَّ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ, فَقَالَ حُذَيْفَةُ: هَكَذَا فَعَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: بَعْدَ الصُّبْحِ قَالَ: بَعْدَ الصُّبْحِ; إلاَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ: أَيُّ وَقْتٍ تَسَحَّرْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هُوَ النَّهَارُ, إلاَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ قَالَ عَمَّارٌ: وَكَانُوا يُؤَذِّنُونَ إذَا بَزَغَ الْفَجْرُ. قَالَ حَمَّادٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: كَانَ أَبِي يُفْتِي بِهَذَا وَ حدثنا حمام، حدثنا ابْنِ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَسَحَّرَ هُوَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَهُوَ عليه السلام يُرِيدُ الصَّوْمَ, ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ, ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ. قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَبَيَّنُ لَهُمْ الْفَجْرُ بَعْدُ; فَبِهَذَا تَتَّفِقُ السُّنَنُ مَعَ الْقُرْآنِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا نَظَرَ الرَّجُلاَنِ إلَى الْفَجْرِ فَشَكَّ أَحَدُهُمَا فَلْيَأْكُلاَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَقُولُ لِي: قُمْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْفَجْرِ حَتَّى تَسَحَّرَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: قُمْ فَاسْتُرْنِي مِنْ الْفَجْرِ, ثُمَّ أَكَلَ. سَالِمُ بْنُ عُبَيْدٍ هَذَا أَشْجَعِيٌّ كُوفِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ, قَالَ وَكِيعٌ: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي السَّفَرِ, وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ, قَالاَ جَمِيعًا: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَقُولُ: أَجِيفُوا الْبَابَ حَتَّى نَتَسَحَّرَ الإِيجَافُ: الْغَلْقُ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: إذَا شَكَّ الرَّجُلاَنِ فِي الْفَجْرِ فَلْيَأْكُلاَ حَتَّى يَسْتَيْقِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ حدثنا حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: أَحْرَزْتُهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ الشَّرَابَ مَا شَكَكْتَ; يَعْنِي فِي الْفَجْرِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسْقِنِي يَا غُلاَمُ, قَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ, فَقُلْت: كَلًّا, فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَكٌّ لَعَمْرُ اللَّهِ, اسْقِنِي فَشَرِبَ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ عَنْ مَكْحُولٍ الأَزْدِيِّ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَخَذَ دَلْوًا مِنْ زَمْزَمَ وَقَالَ لِرَجُلَيْنِ: أَطَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَدْ طَلَعَ, وَقَالَ الآخَرُ: لاَ; فَشَرِبَ ابْنُ عُمَرَ. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ تَسَحَّرَ فِي رَمَضَانَ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ حِبَّانَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ تَسَحَّرَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُمَا يُرِيدَانِ الصِّيَامَ, فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: أَقِمْ الصَّلاَةَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ قَالَ: تَسَحَّرْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُقِيمَ الصَّلاَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ مَطَرٍ قَالَ: أَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ, فَأَخْرَجَ لَنَا فَضْلَ سُحُورٍ, فَتَسَحَّرْنَا مَعَهُ, فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ; فَخَرَجْنَا فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ نَحْوُ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّتِي وَكَانَتْ قَدْ حَجَّتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ, فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ بِلاَلٌ, وَإِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ, قَالَتْ: وَكَانَ يَصْعَدُ هَذَا وَيَنْزِلُ هَذَا قَالَتْ: فَكُنَّا نَتَعَلَّقُ بِهِ فَنَقُولُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى نَتَسَحَّرَ. فَحَصَلَ لَنَا مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُمَا كَانَا مُؤَذِّنَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ بِيَسِيرٍ, أَيَّهُمَا كَانَا: حِينًا هَذَا وَحِينًا هَذَا وَالآخَرُ، وَلاَ بُدَّ بَعْدَ الْفَجْرِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: كُلْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الْفَجْرُ. وَعَنْ الْحَسَنِ: كُلْ مَا امْتَرَيْت. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: السَّاطِعُ: ذَلِكَ الصُّبْحُ الْكَاذِبُ, وَلَكِنْ إذَا انْفَضَحَ الصُّبْحُ فِي الآُفُقِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: الْمُعْتَرِضُ الأَحْمَرُ يُحِلُّ الصَّلاَةَ وَيُحَرِّمُ الطَّعَامَ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَتَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ وَأَنَا فِي الْبَيْتِ لاَ أَدْرِي لِعَلَيَّ قَدْ أَصْبَحْت قَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ, هُوَ شَكٌّ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ: لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ, إنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلاَُ الْبُيُوتَ وَالطُّرُقَ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ: أَنَّهُ تَسَحَّرَ وَخَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَعَنْ مَعْمَرٍ: أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ السُّحُورَ جِدًّا, حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ: لاَ صَوْمَ لَهُ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ " مَنْ تَسَحَّرَ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ " مَنْ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ قَضَاءً. فَهَؤُلاَءِ: أَبُو بَكْرٍ, وَعُمَرُ, وَعَلِيٌّ, وَابْنُ عُمَرَ, وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَأَبُو هُرَيْرَةَ, وَابْنُ مَسْعُودٍ, وَحُذَيْفَةُ, وَعَمُّهُ خُبَيْبٌ, وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ, فَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ, لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. إلاَّ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَلَمْ يُدْرِكْهُ; وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ, وَأَبُو مِجْلَزٍ , وَإِبْرَاهِيمُ, وَمُسْلِمٌ, وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ, وَعَطَاءٌ, وَالْحَسَنُ, وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ, وَمُجَاهِدٌ, وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ, وَجَابِرُ بْنِ زَيْدٍ. وَمِنْ الْفُقَهَاءِ: مَعْمَرٌ, وَالأَعْمَشُ. فَإِنْ ذَكَرُوا رِوَايَةَ سَعِيدِ بْنِ قَطَنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ فِيمَنْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ, وَبِالرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ: فَإِنَّمَا هَذَا فِي الإِفْطَارِ عِنْدَ اللَّيْلِ, لاَ فِي الأَكْلِ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ, وَبَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَرْقٌ, وَلاَ يَحِلُّ الأَكْلُ إلاَّ بَعْدَ يَقِينِ غُرُوبِ الشَّمْسِ, لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إلَى اللَّيْلِ} فَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي مَجِيءِ اللَّيْلِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى, وَصِيَامُهُ بَاطِلٌ, فَإِنْ جَامَعَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ, لأَِنَّهُ فِي فَرْضِ الصِّيَامِ, مَا لَمْ يُوقِنْ اللَّيْلَ, بِخِلاَفِ قَوْلِهِ: 757 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ صَحَّ عِنْدَهُ بِخَبَرِ مَنْ يُصَدِّقُهُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ, أَوْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَبْدٍ, أَوْ حُرٍّ, أَوْ أَمَةٍ, أَوْ حُرَّةٍ, فَصَاعِدًا أَنَّ الْهِلاَلَ قَدْ رُئِيَ الْبَارِحَةَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ فَفُرِضَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ صَامَ النَّاسُ أَوْ لَمْ يَصُومُوا, وَكَذَلِكَ لَوْ رَآهُ هُوَ وَحْدَهُ, وَلَوْ صَحَّ عِنْدَهُ بِخَبَرِ وَاحِدٍ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا فَصَاعِدًا: أَنَّ هِلاَلَ شَوَّالٍ قَدْ رُئِيَ فَلْيُفْطِرْ, أَفْطَرَ النَّاسُ أَوْ صَامُوا; وَكَذَلِكَ لَوْ رَآهُ هُوَ وَحْدَهُ; فَإِنْ خَشِيَ فِي ذَلِكَ أَذًى فَلْيَسْتَتِرْ بِذَلِكَ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلاَلَ, وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ, فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حدثنا ابْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْت أَبَا الْبَخْتَرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ بِمِثْلِ قَوْلِنَا فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ, وَلَمْ يُجِيزُوا فِي هِلاَلِ شَوَّالٍ إلاَّ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ. قال أبو محمد: وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وقال مالك: لاَ أَقْبَلُ فِي كِلَيْهِمَا إلاَّ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ. قال أبو محمد: أَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْهِلاَلَيْنِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً. وأما قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى سَائِرِ الأَحْكَامِ. قال أبو محمد: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ; ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً; لأَِنَّ الْحُقُوقَ تَخْتَلِفُ: فَمِنْهَا عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ مَا يُقْبَلُ فِيهَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ, وَمِنْهَا مَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ إلاَّ رَجُلاَنِ, أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَمِنْهَا مَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ إلاَّ رَجُلاَنِ فَقَطْ. وَمِنْهَا مَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ إلاَّ أَرْبَعَةٌ. وَمِنْهَا مَا يُسْمَحُ فِيهِ حَتَّى يُجِيزُوا فِيهِ النَّصْرَانِيَّ وَالْفَاسِقَ, كَالْعُيُوبِ فِي الطِّبِّ, فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا بَعْضَ هَذِهِ الْحُقُوقِ دُونَ بَعْضٍ بِقِيَاسِ الشَّهَادَةِ فِي الْهِلاَلِ عَلَيْهِ. وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلاَّ فُسَّاقٌ, أَوْ نَصَارَى, أَوْ نِسَاءٌ وَفِيهِمْ عَدْلٌ يَضْعُفُ بَصَرُهُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ قال أبو محمد: فأما نَحْنُ فَخَبَرُ الْكَافَّةِ مَقْبُولٌ فِي ذَلِكَ, وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُسَّاقًا; لأَِنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ ضَرُورَةً. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى قَبُولِ عَدْلَيْنِ فِي ذَلِكَ قلنا: لاَ, بَلْ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي يَقُولُ: إنْ كَانَ الْجَوُّ صَافِيًا لَمْ أَقْبَلْ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ. فَإِنْ قَالُوا: كَلاَمُهُ سَاقِطٌ قلنا: نَعَمْ, وَقِيَاسُكُمْ أَسْقَطُ. فَإِنْ قَالُوا: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ فِيهِمَا خَبَرَ الْوَاحِدِ قلنا: لأَِنَّهُ مِنْ الدِّينِ; وَقَدْ صَحَّ فِي الدِّينِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ; فَهُوَ مَقْبُولٌ فِي كُلِّ مَكَان, إلاَّ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ لاَ يُقْبَلَ إلاَّ عَدَدٌ سَمَّاهُ لَنَا. وَأَيْضًا: فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَذَانِ بِلاَلٍ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَأَمَرَ عليه السلام بِالْتِزَامِ الصِّيَامِ بِأَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ بِالصُّبْحِ, وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ بِأَنَّ الْفَجْرَ قَدْ تَبَيَّنَ. وَ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، حدثنا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ نَافِعِ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلاَلَ, فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْتُهُ, فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ. وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ; إنِّي رَأَيْتُ الْهِلاَلَ يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ; أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: قُمْ يَا بِلاَلُ فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا. قال أبو محمد: رِوَايَةُ سِمَاكٍ لاَ نَحْتَجُّ بِهَا، وَلاَ نَقْبَلُهَا مِنْهُمْ, وَهُمْ قَدْ احْتَجُّوا بِهَا فِي أَخْذِ الدَّنَانِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ, فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا هَاهُنَا, وَإِلاَّ فَهُمْ مُتَلاَعِبُونَ فِي الدِّينِ فَإِنْ تَعَلَّقَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هِلاَلِ رَمَضَانَ وَهِلاَلِ شَوَّالٍ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ, وَقَالَ: لَمْ يَرِدْ إلاَّ فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ قلنا: وَلاَ جَاءَ نَصٌّ قَطُّ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ, وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ, فَهَلاَّ قِسْتُمْ هِلاَلَ شَوَّالٍ عَلَى هِلاَلِ رَمَضَانَ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الشَّاهِدَ فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ لاَ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ, وَالشَّاهِدُ فِي هِلاَلِ شَوَّالٍ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ قلنا: فَرَدُّوا بِهَذَا الظَّنِّ بِعَيْنِهِ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ فِي شَوَّالٍ أَيْضًا; لأَِنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا, كَمَا تَفْعَلُونَ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ يَكْذِبُ فِي مِثْلِ هَذَا لاَ يُبَالِي قُبِلَ أَوْ رُدَّ وَنَقُولُ لَهُمْ: إذَا صُمْتُمْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ; فَغُمَّ الْهِلاَلُ بَعْدَ الثَّلاَثِينَ, أَتَصُومُونَ أَحَدًا وَثَلاَثِينَ فَهَذِهِ طَامَّةٌ, وَشَرِيعَةٌ لَيْسَتْ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ تُفْطِرُونَ عِنْدَ تَمَامِ الثَّلاَثِينَ وَإِنْ لَمْ تَرَوْا الْهِلاَلَ فَقَدْ أَفْطَرْتُمْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَتَنَاقَضْتُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: فَإِنْ شَغَبُوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ حدثنا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، حدثنا حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ الْجَدَلِيُّ جَدِيلَةُ قَيْسٍ: أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ خَطَبَ فَقَالَ: عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَنْسُكَ لِرُؤْيَتِهِ, فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيَّانِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمُسْلِمَانِ أَنْتُمَا قَالاَ: نَعَمْ فَأَمَرَ النَّاسُ فَأَفْطَرُوا أَوْ صَامُوا. وَعَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ: إذَا شَهِدَ رَجُلاَنِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ أَفْطَرُوا. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: أَبِي عُثْمَانُ أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَتَبَ إلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ: إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلاَلَ نَهَارًا فَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلاَنِ: لَرَأَيَاهُ بِالأَمْسِ. قلنا: أَمَّا حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ فَإِنَّ رَاوِيَهُ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ مَجْهُولٌ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ, لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ قَبُولُهُ اثْنَيْنِ, وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ هَذَا, وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لاَ يَقْبَلَ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي عُثْمَانَ, عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَكَذَا الْقَوْلُ فِي فِعْلِ عَلِيٍّ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ رضي الله عنه إنَّمَا رَدَّ شَهَادَةَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ لأَِنَّهُ لَمْ يَرْضَهُ; لاَ لأَِنَّهُ وَاحِدٌ; وَلَقَدْ كَانَ هَاشِمٌ أَحَدَ الْمُجَلِّبِينَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه. وأما خَبَرُ عُمَرَ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا خِلاَفُ ذَلِكَ, كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْظُرُ إلَى الْهِلاَلِ, فَرَآهُ رَجُلٌ, فَقَالَ عُمَرُ: يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمْ; فَأَمَرَهُمْ فَأَفْطَرُوا أَوْ صَامُوا فَهَذَا عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا, عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مِثْلَ هَذَا . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ. وأما قَوْلُنَا: أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى رُؤْيَتِهِ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ خِلاَفَ ذَلِكَ; وَهُوَ أَنَّ مَنْ رَآهُ وَحْدَهُ فِي اسْتِهْلاَلِ رَمَضَانَ فَلاَ يَصُمْ, وَمَنْ رَآهُ وَحْدَهُ فِي اسْتِهْلاَلِ شَوَّالٍ فَلاَ يُفْطِرُ . وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ رَأَيَا الْهِلاَلَ فِي سَفَرٍ; فَقَدِمَا الْمَدِينَةَ ضُحَى الْغَدِ, فَأَخْبَرَا عُمَرَ, فَقَالَ لاَِحَدِهِمَا: أَصَائِمٌ أَنْتَ قَالَ: نَعَمْ, كَرِهْت أَنْ يَكُونَ النَّاسُ صِيَامًا وَأَنَا مُفْطِرٌ, كَرِهْت الْخِلاَفَ عَلَيْهِمْ, وَقَالَ لِلآخِرِ: فَأَنْتَ قَالَ: أَصْبَحْت مُفْطِرًا; لاَِنِّي رَأَيْت الْهِلاَلَ, فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْلاَ هَذَا يَعْنِي الَّذِي صَامَ لاََوْجَعْنَا رَأْسَكَ, وَرَدَدْنَا شَهَادَتَكَ; ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَأَفْطَرُوا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أُخْبِرْت عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعُمَرَ: إنِّي رَأَيْت هِلاَلَ رَمَضَانَ, قَالَ: أَرَآهُ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ: لاَ قَالَ: فَكَيْف صَنَعْت قَالَ: صُمْت بِصِيَامِ النَّاسِ, فَقَالَ عُمَرُ: يَا لَكَ فِيهَا. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ: قال أبو محمد: يَنْبَغِي لِمَنْ قَلَّدَ عُمَرَ فِيمَا يَدْعُونَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَتَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ: أَنْ يُقَلِّدَهُ هَاهُنَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ: يَصُومُ إنْ رَآهُ وَحْدَهُ, وَلاَ يُفْطِرُ إنْ رَآهُ وَحْدَهُ وَهَذَا تَنَاقُضٌ وقال الشافعي كَمَا قلنا وَخُصُومُنَا لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا، وَلاَ نَقُولُ بِهِ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. وَإِذَا رُئِيَ الْهِلاَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ مِنْ الْبَارِحَةِ وَيَصُومُ النَّاسُ مِنْ حِينَئِذٍ بَاقِيَ يَوْمِهِمْ إنْ كَانَ أَوَّلَ رَمَضَانَ وَيُفْطِرُونَ إنْ كَانَ آخِرَهُ, فَإِنْ رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَخَرَجَ مِنْ هَذَا الظَّاهِرُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقِّنِ, وَلَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ إلاَّ مِنْ الْغَدِ; وَبَقِيَ حُكْمُ لَفْظِ الْحَدِيثِ إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ, لِلاِخْتِلاَفِ فِي ذَلِكَ; فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى النَّصِّ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْهِلاَلَ إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّمَا يَرَاهُ النَّاظِرُ إلَيْهِ وَالشَّمْسُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ, وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ مَعَ حَوَالَةِ الشَّمْسِ دُونَهُ إلاَّ وَقَدْ أَهَلَّ مِنْ الْبَارِحَةِ وَبَعُدَ عَنْهَا بُعْدًا كَثِيرًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حدثنا أَبِي، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى النَّاسِ إذَا رَأَيْتُمُوهُ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَأَفْطِرُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ بَعْدَ زَوَالِهَا فَلاَ تُفْطِرُوا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِمِثْلِهِ . وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ رضي الله عنه إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلاَلَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَفْطِرُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ فَلاَ تُفْطِرُوا فَإِنَّ الشَّمْسَ تَزِيغُ عَنْهُ أَوْ تَمِيلُ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ بِبَلَنْجَرَ فَرَأَيْت الْهِلاَلَ ضُحًى فَأَتَيْت سَلْمَانَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَامَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَمَّا رَآهُ أَمَرَ النَّاسَ فَأَفْطَرُوا. وَبِهِ يَقُولُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيُّ, وَأَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد, وَغَيْرُهُ. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ خِلاَفُ هَذَا قلنا: نَعَمْ وَإِذَا صَحَّ التَّنَازُعُ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الآنَ وَجْهَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ وَإِنَّمَا هُوَ مَغِيبُ الشَّمْسِ عَنْ أُفُقِ الصَّائِمِ، وَلاَ مَزِيدَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً. وَمِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السُّحُورِ. قال أبو محمد: لاَ يَضُرُّ الصَّوْمَ تَعَمُّدُ تَرْكِ السَّحُورِ; لأَِنَّهُ مِنْ حُكْمِ اللَّيْلِ وَالصِّيَامُ مِنْ حُكْمِ النَّهَارِ, وَلاَ يَبْطُلُ عَمَلٌ بِتَرْكِ عَمَلٍ غَيْرِهِ إلاَّ بِأَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ السُّحُورَ وَيُعَجِّلُ الإِفْطَارَ, فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرُبَتْ الشَّمْسُ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتُ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَنَزَلَ فَجَدَحَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ, وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ قِبَلِ الْمَشْرِقِ. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى: تَأْخِيرَ الْفِطْرِ حَتَّى تَبْدُوَ الْكَوَاكِبُ، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا لِمَا ذَكَرْنَا وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَالأَذَانِ أَفْضَلُ, كَذَلِكَ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَأَبِي هُرَيْرَةَ, وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ الْفَجْرُ لَهُ, أَوْ بَلَغَ كَذَلِكَ, أَوْ رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ كَذَلِكَ, أَوْ مِنْ النِّفَاسِ كَذَلِكَ, أَوْ أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ كَذَلِكَ, أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ بَاقِيَ نَهَارِهِمْ وَيَطَئُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ, أَوْ مَنْ طَهُرَتْ فِي يَوْمِهَا ذَلِكَ, وَيَسْتَأْنِفُونَ الصَّوْمَ مِنْ غَدٍ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ, أَوْ بَلَغَ; وَتَقْضِي الْحَائِضُ, وَالْمُفِيقُ, وَالْقَادِمُ, وَالنُّفَسَاءُ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي بَعْضِ هَذَا: فَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: لاَ تَأْكُلُ إلَى اللَّيْلِ, كَرَاهَةَ التَّشَبُّهِ بِالْمُشْرِكِينَ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالأَوْزَاعِيُّ, وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ, وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ, وَعَنْ عَطَاءٍ إنْ طَهُرَتْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْتُتِمَّ يَوْمَهَا, وَإِنْ طَهُرَتْ فِي آخِرِهِ أَكَلَتْ وَشَرِبَتْ; وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ, وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وأما الْكَافِرُ يُسْلِمُ: فَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ إنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ صَامَ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ وَإِنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ النَّهَارِ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلُ ذَلِكَ, وَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ فِي صَلاَةِ الْمُقِيمِينَ. وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ ذَلِكَ. وقال أبو حنيفة فِي الصَّبِيِّ يَبْلُغُ بَعْدَ الْفَجْرِ: أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُسَافِرِ يَقْدُمُ بَعْدَ الْفَجْرِ. قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ صَوْمَ بَاقِي الْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ: قَدْ كَانَ الصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَأْمُورًا بِالصِّيَامِ فَكَيْف بَعْدَ بُلُوغِهِ. وَقَالُوا: هَلاَّ جَعَلْتُمْ هَؤُلاَءِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَنَّ الْهِلاَلَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ قلنا: هَذَا قِيَاسٌ, وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً لأَِنَّ الَّذِي جَاءَهُ خَبَرُ الْهِلاَلِ كَانَ مَأْمُورًا بِصَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَنَّهُ فَرْضُهُ. وَكُلُّ مَنْ ذَكَّرَنَا فَهُمْ عَالِمُونَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهِمْ, وَبِدُخُولِ رَمَضَانَ, إلاَّ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّوْمِ جُمْلَةً; وَلَوْ صَامَ كَانَ عَاصِيًا: كَالْحَائِضِ, وَالنُّفَسَاءِ, وَالْمُسَافِرِ, وَالْمَرِيضِ الَّذِي يُؤْذِيهِ الصَّوْمُ. وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّوْمِ, وَلَوْ صَامَهُ لَمْ يُجِزْهُ وَهُوَ الصَّبِيُّ وَإِنَّمَا يَصُومُ إنْ صَامَ تَطَوُّعًا لاَ فَرْضًا. وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّوْمِ بِشَرْطِ أَنْ يُقَدِّمَ الإِسْلاَمَ قَبْلَهُ, وَهُوَ الْكَافِرُ. وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ مَفْسُوحٌ لَهُ فِي الصَّوْمِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَفِي الْفِطْرِ إنْ شَاءَ وَهُوَ الْمَرِيضُ الَّذِي لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ; فَكُلُّهُمْ غَيْرُ مُلْزَمٍ ابْتِدَاءً صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِحَالٍ بِخِلاَفِ مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ, وَاَلَّذِي جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَلِ يُجْزِئْهُ صِيَامُ بَاقِي يَوْمِهِ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَيَعْصِي إنْ أَكَلَ, وَإِنَّمَا اتَّبَعْنَا فِيمَنْ بَلَغَهُ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ ذَكَرْنَا لاَ يَخْتَلِفُ الْحَاضِرُونَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي أَنَّ الَّتِي طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ, وَالنِّفَاسِ, وَالْقَادِمَ مِنْ السَّفَرِ, وَالْمُفِيقَ مِنْ الْمَرَضِ: لاَ يُجْزِئُهُمْ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَيْهِمْ قَضَاؤُهُ. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الَّذِي بَلَغَ, وَاَلَّذِي أَسْلَمَ إنْ أَكَلاَ فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ. فَصَحَّ أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ غَيْرُ صَائِمِينَ أَصْلاً, وَإِذَا كَانُوا غَيْرَ صَائِمِينَ فَلاَ مَعْنَى لِصِيَامِهِمْ, وَلاَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِصَوْمٍ لَيْسَ صَوْمًا, وَلاَ هُمْ مُؤَدُّونَ بِهِ فَرْضًا لِلَّهِ تَعَالَى, وَلاَ هُمْ عَاصُونَ لَهُ بِتَرْكِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما مَنْ رَأَى الْقَضَاءَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ, وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ رَأَى نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُ لِلشَّهْرِ كُلِّهِ فِي الصَّوْمِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا الْقَوْلِ, وَإِلاَّ فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي بَاقِيهِ، وَلاَ أَنْ يَشْرَبَ, وَلاَ أَنْ يُجَامِعَ وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ فَعَلَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ صَائِمٍ بِخِلاَفِ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا, لأَِنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا إمَّا مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّوْمِ, وأما مُبَاحٌ لَهُ تَرْكُ الصَّوْمِ فَهُمْ فِي إفْطَارِهِمْ مُطِيعُونَ لِلَّهِ تَعَالَى غَيْرُ عَاصِينَ لَهُ بِذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : لاَ صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إلاَّ مَنْ جَهِلَ أَنَّهُ يَوْمُ فَرْضِهِ فَقَطْ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِمْ, فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصُومُوا, لأَِنَّهُمْ لَمْ يَنْوُوهُ مِنْ اللَّيْلِ, وَلَمْ يَكُونُوا عُصَاةً بِالْفِطْرِ فَهُمْ مُفْطِرُونَ لاَ صَائِمُونَ. وأما مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ عَاصِيًا فَهُوَ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ بِلاَ خِلاَفٍ, صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ, وَمُحَرَّمٌ عَلَيْهِ فِيهِ كُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ, وَلاَ إجْمَاعٌ بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ لَهُ إذَا عَصَى بِتَعَمُّدِ الْفِطْرِ, فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ, وَهُوَ مُتَزَيِّدٌ مِنْ الْمَعْصِيَةِ مَتَى مَا تَزَيَّدَ فِطْرًا, وَلاَ صَوْمَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ نَحْوَ هَذَا, وَعَنْ الْحَسَنِ, وَعَطَاءٍ: أَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ. وَمَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ سَفَرَ طَاعَةٍ أَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ, أَوْ لاَ طَاعَةَ، وَلاَ مَعْصِيَةَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْفِطْرُ إذَا تَجَاوَزَ مِيلاً, أَوْ بَلَغَهُ, أَوْ إزَاءَهُ وَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ حِينَئِذٍ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ, وَيَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ, وَلَهُ أَنْ يَصُومَهُ تَطَوُّعًا, أَوْ عَنْ وَاجِبٍ لَزِمَهُ, أَوْ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ خَالٍ لَزِمَهُ, وَإِنْ وَافَقَ فِيهِ يَوْمَ نَذْرِهِ صَامَهُ لِنَذْرِهِ. وَقَدْ فَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ, وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَلَمْ يَرَوْا لَهُ الْفِطْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ, وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَيْضًا فَقَدْ أَتَيْنَا بِالْبَرَاهِينِ عَلَى بُطْلاَنِ الصَّوْمِ بِالْمَعْصِيَةِ بِتَعَمُّدٍ, وَالسَّفَرُ فِي الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَفُسُوقٌ, فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ بِهِمَا. وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ, وَلاَ يَخْتَلِفُونَ: أَنَّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ, أَوْ ضَارَبَ قَوْمًا ظَالِمًا لَهُمْ مُرِيدًا قَتْلَهُمْ, وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ فَدَفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَثْخَنُوهُ ضَرْبًا فِي تِلْكَ الْمُدَافَعَةِ حَتَّى أَوْهَنُوهُ; فَمَرِضَ مِنْ ذَلِكَ مَرَضًا لاَ يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الصَّوْمِ, وَلاَ عَلَى الصَّلاَةِ قَائِمًا; فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا وَيَقْصُرُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَرَضِ الْمَعْصِيَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. وأما الْمِقْدَارُ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ مُتَقَصَّى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَنَذْكُرُ هَاهُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ طَرَفًا: وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَدَّ السَّفَرَ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ مِنْ الزَّمَانِ بِمَسِيرِ ثَلاَثَةٍ أَيَّامٍ, وَمِنْ الْمَسَافَاتِ بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْمَدَائِنِ; ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَحَدَّ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً. وَحَّدَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ, مَرَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً, وَمَرَّةً ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلاً, وَمَرَّةً خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلاً, وَمَرَّةً اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً, وَمَرَّةً أَرْبَعِينَ مِيلاً, وَمَرَّةً سِتَّةً وَثَلاَثِينَ مِيلاً; ذَكَرَ ذَلِكَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَبْسُوطِ. قال أبو محمد: وَكُلُّ هَذِهِ حُدُودٌ فَاسِدَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ, وَلاَ إجْمَاعٍ قَدْ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ: فَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْصُرُ فِي أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ خَيْبَرٍ وَالْمَدِينَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ مِيلاً; وَرُوِيَ عَنْهُ أَنْ لاَ يَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ الْمَدِينَةَ إلَى السُّوَيْدَاءِ وَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلاً, وَرُوِيَ عَنْهُ لاَ يَكُونُ الْفِطْرُ إلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ; وَرُوِيَ عَنْهُ لاَ يَكُونُ الْقَصْرُ إلاَّ فِي الْيَوْمِ التَّامِّ وَرُوِيَ عَنْهُ الْقَصْرُ فِي ثَلاَثِينَ مِيلاً; وَرُوِيَ عَنْهُ الْقَصْرُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً; وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ عَنْهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِ سَاعَةٍ, وَفِي مِيلٍ وَفِي سَفَرِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ, وَهُوَ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْهُ, وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ , وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ عَنْهُ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ يَوْمٌ تَامٌّ, وَرُوِيَ عَنْهُ لاَ قَصْرَ فِي يَوْمٍ إلَى الْعَتَمَةِ فَإِنْ زِدْت فَأَقْصِرْ, وَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم غَيْرَ مَنْ ذَكَرْنَا, وَقَدْ اُخْتُلِفَ عنهم, وَعَنْ الزُّهْرِيِّ, وَالْحَسَنِ: أَنَّهُمَا حَدَّا ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا مِسْعَرٌ، وَ، هُوَ ابْنُ كِدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إنِّي لاَُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنْ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تُقْصَرُ الصَّلاَةُ فِي مَسِيرَةِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ: سَمِعْت جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: لَوْ خَرَجْت مِيلاً لَقَصَرْت الصَّلاَةَ. وَعَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَصَرَ فِي أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ. وَعَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَهُ إلَى مَكَان عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلاً فَقَصَرَ ابْنُ عُمَرَ الصَّلاَةَ وَهَذِهِ أَسَانِيدُ عَنْهُ كَالشَّمْسِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْقَصْرُ فِي ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ. وَعَنْ أَنَسٍ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلاً. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِيلاً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَأَقْصُرُ وَأُفْطِرُ فِي بَرِيدَيْنِ مِنْ الْمَدِينَةَ قَالَ: نَعَمْ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ ذُهْلٍ الْحَضْرَمِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ جَبْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ فَرَفَعَ ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ قَالَ: اقْتَرِبْ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ فَقَالَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَ. وَالرِّوَايَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. فأما تَحْدِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ, فَلاَ مَعْنَى لَهُ أَصْلاً وَإِنَّمَا هِيَ دَعَاوَى بِلاَ بُرْهَانٍ, وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا مَنَعَ مِنْ أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ قال أبو محمد: وَذَلِكَ خَبَرٌ صَحِيحٌ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ حُكْمِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ أَثَرٌ، وَلاَ دَلِيلٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ جَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ وَفِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ ثَلاَثًا وَفِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ لَيْلَتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ يَوْمًا وَفِي بَعْضِهَا لاَ تُسَافِرُ بَرِيدًا. وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ, وَأَبِي هُرَيْرَةَ, وَابْنِ عُمَرَ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الْخَبَرُ لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ دُونَ تَحْدِيدٍ أَصْلاً وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَصْلاً; فَإِنْ عَزَمُوا عَلَى تَرْكِ مَنْ اخْتَلَفَ عَنْهُ وَالأَخْذِ بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ; فَهُوَ أَوْلَى عَلَى هَذَا الأَصْلِ, وَإِنْ أَخَذُوا بِالزِّيَادَةِ, فَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ الزَّائِدَةُ عَلَى سَائِرِ الرِّوَايَاتِ, لأَِنَّهَا تَعُمُّ كُلَّ سَفَرٍ; وَإِنْ أَخَذُوا بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَأَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثٍ هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لاَ الثَّلاَثُ, كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلاَثٍ إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ. وَهَكَذَا رَوَاهُ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ, وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لاَِبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْخَبَرِ أَصْلاً إلاَّ كَتَعَلُّقِ الزُّهْرِيِّ, وَالْحَسَنِ بِذِكْرِ اللَّيْلَتَيْنِ فِيهِ، وَلاَ فَرْقَ. وَمَا لَهُمْ بَعْدَ هَذَا حِيلَةٌ, عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ, فَذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ مِنْ الرُّعَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَأَفْطَرَ فِي مَخْرَجِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلاَّ الْقَضَاءُ, وَرَأَى الْقَصْرَ فِي مِنًى مِنْ مَكَّةَ, وَهَذَا قَوْلُنَا, وَكَذَلِكَ رَأَى أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمُتَأَوِّلِ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ رَأَوْا لِمَنْ سَافَرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَنْ يُفْطِرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ; فَإِنْ رَجَعَ لِشَيْءٍ أُوجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ السَّفَرِ; فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إلاَّ الْقَضَاءُ, فَقَدْ أَوْجَبُوا الْفِطْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ, وَيُغْنِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَوَجَدْنَا مَا دُونَ الْمِيلِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ; لأَِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعُدُ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ فَلاَ يَقْصُرُ، وَلاَ يُفْطِرُ, وَلَمْ نَجِدْ فِي أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ قَوْلاً عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالدِّينِ وَاللُّغَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَيَلْزَمُ مَنْ تَعَلَّقَ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ بِحَدِيثِ لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ أَنْ لاَ يَرَى الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ فِي سَفَرٍ مَعْصِيَةً; لأَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يُبِحْ لَهَا بِلاَ خِلاَفٍ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ أَصْلاً; وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهَا بِلاَ شَكٍّ أَسْفَارَ الطَّاعَاتِ; وَهَذَا مِمَّا أَوْهَمُوا فِيهِ مِنْ الأَخْبَارِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِهِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فأما مَا دُونَ الْمِيلِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ; فَلاَ يَجُوزُ الْفِطْرُ، وَلاَ الْقَصْرُ فِيهِ أَصْلاً, وَإِنْ أَرَادَ مِيلاً فَصَاعِدًا; لأَِنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ هِيَ غَيْرُ السَّفَرِ; وَقَدْ يَنْوِي السَّفَرَ مَنْ لاَ يُسَافِرُ, وَقَدْ يُسَافِرُ مَنْ لاَ يَنْوِي السَّفَرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ فِي مَنْزِلِهِ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: إذْ يُفَارِقُ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: تَرْكُ الْقَصْرِ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَانَ هَذَا هُوَ النَّظَرُ لَوْلاَ حَدِيثُ أَنَسٍ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ فَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ نَصٍّ. وأما قَوْلُنَا: يَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ فَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ, وَجَائِزٌ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي سَفَرٍ, وَفِي حَضَرٍ, لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِأَيَّامٍ أُخَرَ حَضَرًا مِنْ سَفَرٍ. وأما قَوْلُنَا: لاَ يَجُوزُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ كُلَّهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ الْفِطْرِ، وَلاَ يُجْزِئْهُ صَوْمُهُ. ثُمَّ افْتَرَقَ الْقَائِلُونَ بِتَخْيِيرِهِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ, وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُمَا سَوَاءٌ, وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُجْزِئْهُ الصَّوْمُ، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ الْفِطْرِ: فَرُوِّينَا الْقَوْلَ الأَوَّلَ: عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ بَعْدُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ; وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا نَهَتْ عَنْ السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ; وَعَنْ خَيْثَمَةَ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا حَضَرَ رَمَضَانُ: فَلاَ تُسَافِرْ حَتَّى تَصُومَ. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ مِثْلُهُ قَالَ: فَإِنْ أَبَى أَنْ لاَ يُسَافِرَ فَلْيَصُمْ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي مِجْلَزٍ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُسَافِرِ أَيَصُومُ أَمْ يُفْطِرُ فَقَالَ: يَصُومُ. وأما الطَّائِفَةُ الْمُجَوِّزَةُ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ; أَوْ الْمُخْتَارَةُ لِلصَّوْمِ: فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ; فَشَغَبُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ, وَأَبِي الدَّرْدَاءِ, وَجَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ فِي السَّفَرِ بِالْفِطْرِ وَهُوَ صَائِمٌ فَتَرَدَّدُوا وَفَطَرَ هُوَ عليه السلام. وَذَكَرُوا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ فِي السَّفَرِ وَتُتِمُّ الصَّلاَةَ; وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إنْ أَفْطَرَتْ فَرُخْصَةُ اللَّهِ تَعَالَى, وَإِنْ صُمْت فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ, وَابْنِ عَبَّاسٍ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ. وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ, وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثِ مِثْلُهُ; وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَامَ فِي سَفَرٍ; لأَِنَّهُ كَانَ رَاكِبًا, وَأَفْطَرَ سَعْدٌ مَوْلاَهُ, لأَِنَّهُ كَانَ مَاشِيًا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: صُمْهُ فِي الْيُسْرِ وَأَفْطِرْهُ فِي الْعُسْرِ. وَعَنْ طَاوُسٍ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ, وَعَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ مِثْلُهُ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الأَمْرَيْنِ سَوَاءً بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ. وَبِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ عَنْ الْغِطْرِيفِ أَبِي هَارُونَ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَافَرَا, فَصَامَ أَحَدُهُمَا وَأَفْطَرَ الآخَرُ, فَذَكَرَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كِلاَكُمَا أَصَابَ. وَبِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُنَادَى فِي النَّاسِ: مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ, كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلاَ يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ, وَالأَسْوَدِ, وَيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُمْ سَافَرُوا فِي رَمَضَانَ فَصَامَ بَعْضُهُمْ, وَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَعِبْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ إنْ شِئْت فَصُمْ وَإِنْ شِئْت فَأَفْطُرْ. وأما مَنْ رَأَى الْفِطْرَ أَفْضَلَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو إذْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عليه السلام: هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ. وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ اخْتِيَارُ الْفِطْرِ عَلَى الصَّوْمِ: سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ, رُوِّينَا أَنَّهُ سَافَرَ هُوَ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ, وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَصَامَا وَأَفْطَرَ سَعْدٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَنَا أَفْقَهُ مِنْهُمَا. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ مَعَهُ رَقِيقٌ فَكَانَ يَقُولُ: يَا نَافِعُ ضَعْ لَهُ سُحُورَهُ قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا سَافَرَ أَحَبَّ إلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ يَقُولُ: رُخْصَةُ رَبِّي أَحَبُّ إلَيَّ وَأَنْ آجَرَ لَكَ أَنْ تُفْطِرَ فِي السَّفَرِ. وَيَحْتَجُّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي رُوِّينَا آنِفًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ, وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ, فَحَسَّنَ الْفِطْرَ وَلَمْ يَزِدْ فِي الصَّوْمِ عَلَى إسْقَاطِ الْجُنَاحِ. قال علي: هذا مَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ مِمَّنْ رَأَتْ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لَمْ نَدْعُ مِنْهُ شَيْئًا, وَلَسْنَا نَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ فَنَحْتَاجُ إلَى تَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ, إلاَّ أَنَّهَا كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ لِرَمَضَانَ فِي السَّفَرِ, وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِنَا فَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا دَفْعُهَا كُلُّهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ وَنَسْتَعِينُ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَهَذَا عَارٌ لاَ يَرْضَى بِهِ مُحَقِّقٌ; لأَِنَّ نَصَّ الآيَةِ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَد بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ أَنَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ أَنَّا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا بَكْرِ يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: لَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: قال أبو محمد: فَحِينَئِذٍ كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ; فَظَهَرَتْ فَضِيحَةُ مَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وأما حَدِيثُ ابْنِ الْمُحَبَّقِ مَنْ كَانَ يَأْوِي إلَى حَمُولَةٍ أَوْ شِبَعٍ فَلْيَصُمْ فَحَدِيثٌ سَاقِطٌ لأَِنَّ رَاوِيَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ بَصْرِيٌّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَِحَدٍ مِنْ الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ إلاَّ لِلْقَوْلِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ " صُمْهُ فِي الْيُسْرِ, وَأَفْطِرْهُ فِي الْعُسْرِ " لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ إيجَابُ الصَّوْمِ, وَلاَ بُدَّ عَلَى ذِي الْحَمُولَةِ وَالشِّبَعِ, وَهَذَا خِلاَفُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ. وأما حَدِيثُ الْغِطْرِيفِ, وَأَبِي عِيَاضٍ فَمُرْسَلاَنِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ; وأما حَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي ذَكَرْنَا هَاهُنَا الَّذِي فِيهِ إبَاحَةُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ; فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَمْزَةَ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ, وَأَبُوهُ كَذَلِكَ; وأما الثَّابِتُ مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ هُوَ مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وأما حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ, وَأَبِي الدَّرْدَاءِ, وَجَابِرٍ; فَلاَ حَجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ صَائِمًا لِرَمَضَانَ, وَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهَا فَلاَ يَجُوزُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ, وَلاَ الاِحْتِجَاجُ بِاخْتِرَاعِ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْقُرْآنِ, وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا تَطَوُّعًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيهَا نَصًّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ; لأَِنَّ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إيجَابُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ; فَلَوْ كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ قَبْلَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَكَانَ مَنْسُوخًا بِآخِرِ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام كَمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وأما احْتِجَاجُ مَنْ أَوْجَبَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لِمَنْ أَهَلَّ عَلَيْهِ الشَّهْرُ فِي الْحَضَرِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: نَاقِلَيْنِ عَنْ الصَّوْمِ فِيهِ إلَى الْفِطْرِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ عَامَ الْفَتْحِ فَأَفْطَرَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَبِّهِ تَعَالَى, وَالْبَلاَغُ مِنْهُ نَأْخُذُهُ, وَعَنْهُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ. فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ, وَجَبَ أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا, بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: نَذْكُرُ الآنَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ, وَأَبِي الدَّرْدَاءِ, وَجَابِرٍ; وَحَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو مِنْ الْوُجُوهِ الصِّحَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَرَى أَنَّهَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا; ثُمَّ نُعَقِّبُ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ, وَبِهِ نَتَأَيَّدُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ، حدثنا الْوَلِيدِ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَتْنِي أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ مَا فِينَا صَائِمٌ إلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ فَأَتَى عَلَى غَدِيرٍ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: اشْرَبُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَشْرَبُ، وَلاَ تَشْرَبُ فَقَالَ: إنِّي أَيْسَرُكُمْ إنِّي رَاكِبٌ وَأَنْتُمْ مُشَاةٌ فَشَرِبَ وَشَرِبُوا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ فَمَرَّ بِمَاءٍ فَقَالَ: انْزِلُوا فَاشْرَبُوا; فَتَلَكَّأَ الْقَوْمُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشَرِبَ وَشَرِبْنَا مَعَهُ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقٍ لاَ يُحْتَجُّ بِهَا كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي قَزَعَةُ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَكَانَتْ رُخْصَةً, فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ, ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلاً آخَرَ فَقَالَ: إنَّكُمْ تُصَبِّحُونَ عَدُوَّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا فَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا, ثُمَّ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَعَطِشَ النَّاسُ فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ ثُمَّ شَرِبَ فَشَرِبَ النَّاسُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَقَالَ: إنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ، حدثنا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ وَقَالَ يَحْيَى، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَحَمَّادٌ كِلاَهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ قَالَ: صُمْ إنْ شِئْتَ. قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ أَصْلاً, وَإِقْحَامُ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ كَذِبٌ; وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا فَلاَ نُنْكِرُهُ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ، وَلاَ لَنَا فِيهِ. وأما حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَطَرِيقُ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ لاَ يُحْتَجُّ بِهَا; ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ; لأَِنَّ فِيهِ: أَنَّ آخِرَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْفِطْرُ, هَذَا إنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ. وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ; وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيَانٌ أَنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ, وَفِيهِمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ: أَمْرٌ عَظِيمٌ, لأَِنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ لِمَنْ صَامَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي ابْتَدَأَ صِيَامَهُ, وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْطِئٌ وَمَا يَبْعُدُ عنهم إطْلاَقُ اسْمِ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهِ, وَمَالِكٌ يَرَى عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ; فَلْيَنْظُرْ نَاصِرُ أَقْوَالِهِمْ فَبِمَاذَا يَدْخُلُ فِي احْتِجَاجِهِ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مِنْ إطْلاَقِ اسْمِ الْخَطَأِ وَالْمَعْصِيَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فِي إفْطَارِهِ, وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الإِسْلاَمِ مِمَّنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ. وأما نَحْنُ فَنَقُولُ: لَوْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ صَائِمًا يَنْوِيه مِنْ رَمَضَانَ لَكَانَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِآخِرِ أَمْرِهِ, وَآخِرِ فِعْلِهِ, وَإِذْ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَامَ تَطَوُّعًا, وَالْفِطْرُ لِلصَّائِمِ تَطَوُّعًا مُبَاحٌ مُطْلَقٌ لاَ كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا فَعَلَ عليه السلام. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يَقُولُ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا: لَعَلَّهُ إنَّمَا قَطَعَ يَدَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَقُولُ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ: لَعَلَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالإِعَادَةِ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَقُولُ فِي الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالصَّلاَةُ تُقَامُ فَقَالَ لَهُ: بِأَيِّ صَلاَتَيْكَ تَعْتَدُّ: لَعَلَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلاَّهُمَا بَيْنَ النَّاسِ مُكَابَرَةً لِلْبَاطِلِ: وَفِي الْخَبَرِ مَنْصُوصٌ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا نَاحِيَةً. ثُمَّ لاَ يَقُولُ هَاهُنَا: لَعَلَّهُ كَانَ يَصُومُ تَطَوُّعًا; وَهَاهُنَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ هَذَا; لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي الأَخْبَارِ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ; وأما تِلْكَ الأَخْبَارُ فَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَحْتَمِلُ مَا تَأَوَّلُوهُ لأَِنَّ نَصَّهَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إجَازَةِ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ أَثَرٌ، وَلاَ عَثْرٌ مِنْ إجَازَةِ الصَّوْمِ لِرَمَضَانَ فِي السَّفَرِ; وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ عليه السلام عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ. وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ قَوْلَ أَسْمَاءَ: ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ حُجَّةً, وَلاَ يَرَوْنَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ طَلاَقَ الثَّلاَثِ كَانَتْ تُجْعَلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدَةً حُجَّةً. وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ وَإِنَّمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إبَاحَةُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُهُ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا غَيْرَ رَمَضَانَ; وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّهُ لاَ يُعْلَمُ أَنَّهُ عليه السلام سَافَرَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ عَامِ الْفَتْحِ. وأما خَبَرُ حَمْزَةَ فَبَيَانٌ جَلِيٌّ فِي أَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَهُ عليه السلام عَنْ التَّطَوُّعِ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ إنِّي امْرُؤٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَأَوَّلُوهُ, وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ حُجَّةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: فَإِذْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حُجَّةٌ لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ فَلِنَذْكُرَ الآنَ الْبَرَاهِينَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ صَوْمَ الشَّهْرِ إلاَّ عَلَى مَنْ شَهِدَهُ, وَلاَ فَرْضَ عَلَى الْمَرِيضِ, وَالْمُسَافِرِ إلاَّ أَيَّامًا أُخَرَ غَيْرَ رَمَضَانَ, وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ لاَ حِيلَةَ فِيهِ، وَلاَ يَجُوزُ لِمَنْ قَالَ: إنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ إنْ أَفْطَرَا فِيهِ; لأَِنَّهَا دَعْوَى مَوْضُوعَةٌ بِلاَ بُرْهَانٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَد بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ. قال أبو محمد: إنْ كَانَ صِيَامُهُ عليه السلام لِرَمَضَانَ فَقَدْ نَسَخَهُ بِقَوْلِهِ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ وَصَارَ الْفِطْرُ فَرْضًا وَالصَّوْمُ مَعْصِيَةً, وَلاَ سَبِيلَ إلَى خَبَرٍ نَاسِخٍ لِهَذَا أَبَدًا, وَإِنْ كَانَ صِيَامُهُ عليه السلام تَطَوُّعًا فَهَذَا أَحْرَى لِلْمَنْعِ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ لِرَمَضَانَ فِي السَّفَرِ, وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ, وَمُسْلِمٍ. قَالَ الْبُخَارِيِّ، حدثنا آدَم, وَقَالَ مُسْلِمٌ حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ اتَّفَقَ آدَم وَمُحَمَّدٌ وَكِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ: صَائِمٌ, فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ هَذَا لَفْظُ آدَمَ, وَلَفْظُ غُنْدَرٍ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ. قال أبو محمد: وَهَذَا مَكْشُوفٌ وَاضِحٌ. فإن قيل: إنَّمَا مَنَعَ عليه السلام فِي مِثْلِ حَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ قلنا: هَذَا بَاطِلٌ لاَ يَجُوزُ لأَِنَّ تِلْكَ الْحَالَ مُحَرَّمُ الْبُلُوغِ إلَيْهَا بِاخْتِيَارِ الْمَرْءِ لِلصَّوْمِ فِي الْحَضَرِ كَمَا هُوَ فِي السَّفَرِ فَتَخْصِيصُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَنْعِ مِنْ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ إبْطَالٌ لِهَذِهِ الدَّعْوَى الْمُفْتَرَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَوَاجِبٌ أَخْذُ كَلاَمِهِ عليه السلام عَلَى عُمُومِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ. صَفْوَانُ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ مَكِّيٌّ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِالدَّرْدَاءِ بِنْتِ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَكَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ مَشْهُورُ الصُّحْبَةِ هَاجَرَ مَعَ أَبِي مُوسَى وَهُوَ مِنْ الأَشَاقِرِ حَيٌّ مِنْ الأَزْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ الْجَرْمِيُّ أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ وَقَدْ دَعَاهُ إلَى الْغَدَاءِ: أُخْبِرُكَ عَنْ الْمُسَافِرِ إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْهُ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلاَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، حدثنا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ هَانِئِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ وَدَعَاهُ إلَى الْغَدَاءِ: أَتَدْرِي مَا وَضَعَ اللَّهُ عَنْ الْمُسَافِرِ قُلْتُ: مَا وَضَعَ اللَّهُ عَنْ الْمُسَافِرِ قَالَ: الصَّوْمُ, وَشَطْرُ الصَّلاَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ حَدَّثَنِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ فِي ظِلٍّ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ صَائِمٌ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا فَهَذَا أَمْرٌ بِقَبُولِهَا وَأَمْرُهُ عليه الصلاة والسلام فَرْضٌ فَهِيَ رُخْصَةٌ مُفْتَرَضَةٌ; وَصَحَّ بِهَذِهِ الأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْقَطَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَنِصْفَ الصَّلاَةِ وَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ لَمْ يَأْتِ شَيْءٌ يُعَارِضُهَا فَلاَ يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهَا. فإن قيل: فَإِنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ مَانِعَةٌ كُلُّهَا بِعُمُومِهَا مِنْ كُلِّ صَوْمٍ فِي السَّفَرِ وَأَنْتُمْ تُبِيحُونَ فِيهِ كُلَّ صَوْمٍ إلاَّ رَمَضَانَ وَحْدَهُ قلنا: نَعَمْ, لأَِنَّ النُّصُوصَ جَاءَتْ بِمِثْلِ مَا قلنا; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَضِّ عَلَى صَوْمِ عَرَفَةَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ فِي السَّفَرِ لِمَنْ كَانَ حَاجًّا. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: إنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَعَمَّ عليه الصلاة والسلام وَلَمْ يَخُصَّ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ النَّارَ عَنْ وَجْهِهِ فَحَضَّ عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ. فَوَجَبَ الأَخْذُ بِجَمِيعِ النُّصُوصِ فَخَرَجَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ بِالْمَنْعِ وَحْدَهُ وَبَقِيَ سَائِرُ الصَّوْمِ وَاجِبُهُ وَتَطَوُّعُهُ عَلَى جَوَازِهِ فِي السَّفَرِ، وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ نَصٍّ لاِخَرَ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْجُرْأَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ: مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ مِثْلُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ. قال أبو محمد: هَذَا تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ, وَكَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقْوِيلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْ, وَفَاعِلُ هَذَا يَتَبَوَّأُ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ بِنَصِّ قَوْلِهِ عليه السلام, وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ نَصٌّ قَدْ جَاءَ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إجْمَاعٌ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ جَمِيعُ النُّصُوصِ وَتَخْرُجَ عَنْ ظَوَاهِرِهَا فَيَحْصُلُ مِنْ فِعْلِ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْقَرَامِطَةِ فِي إحَالَةِ الْقُرْآنِ عَنْ مَفْهُومِهِ وَظَاهِرِهِ, وَمَنْ بَلَغَ إلَى هَاهُنَا فَقَدْ كَفَى خَصْمَهُ مُؤْنَتَهُ. وَيُقَالُ لَهُ: إذَا قُلْت هَذَا فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ فَقُلْهُ أَيْضًا فِي قوله تعالى: فإن قيل: فَكَيْف تَقُولُونَ فِي صَوْمِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قلنا: هَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لاَ تَخْلُو هَذِهِ الآيَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا تَأَخَّرَ إلَى وَقْتِ فَتْحِ مَكَّةَ أَوْ بَعْدَهُ, وَتَقَدَّمَ فَرْضُ رَمَضَانَ بِوَحْيٍ آخَرَ كَمَا كَانَ نُزُولُ آيَةِ الْوُضُوءِ فِي الْمَائِدَةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ نُزُولِ فَرْضِهِ; فَإِنْ كَانَ تَأَخَّرَ نُزُولُهَا فَسُؤَالُكُمْ سَاقِطٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَإِنْ كَانَ تَقَدَّمَ نُزُولُهَا فَلاَ يَخْلُو عليه الصلاة والسلام فِي صَوْمِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَامَهُ لِرَمَضَانَ أَوْ تَطَوُّعًا, فَإِنْ كَانَ صَامَهُ تَطَوُّعًا فَسُؤَالُكُمْ سَاقِطٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَإِنْ كَانَ صَامَهُ عليه الصلاة والسلام لِرَمَضَانَ فَلاَ نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ عليه الصلاة والسلام نَسَخَ بِفِعْلِهِ حُكْمَ الآيَةِ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَعَادَ حُكْمُ الآيَةِ, فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ فَكَيْف، وَلاَ دَلِيلَ أَصْلاً عَلَى تَقَدُّمِ نُزُولِ الآيَةِ قَبْلَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَمَا نَزَلَ بَعْضُهَا إلاَّ بَعْدَ إسْلاَمِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ بَعْدَ الْفَتْحِ بِمُدَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْنَا إلاَّ أَنْ نَذْكُرَ مَنْ قَالَ: بِمِثْلِ قَوْلِنَا لِئَلاَّ يَدَّعُوا عَلَيْنَا خِلاَفَ الإِجْمَاعِ; فَالدَّعْوَى لِذَلِكَ مِنْهُمْ سَهْلَةٌ, وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ خِلاَفًا لِلإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا وَفِي غَيْرِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي قَيْسٍ أَنَّهُ صَامَ فِي السَّفَرِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُعِيدَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يُعِيدَ صِيَامَهُ فِي السَّفَرِ. قال أبو محمد: إنَّ مَنْ احْتَجَّ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : كُلُّ بَيِّعَيْنِ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: الْبَيْعُ عَلَى صَفْقَةٍ أَوْ تَخَايُرٍ; ثُمَّ رَدَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ: لاَُعْجُوبَةٌ وَأُخْلُوقَةٌ وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَهَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ أَصُومَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: يُسْرٌ وَعُسْرٌ خُذْ بِيُسْرِ اللَّهِ تَعَالَى. قال أبو محمد: إخْبَارُهُ بِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ عُسْرٌ: إيجَابٌ مِنْهُ لِفِطْرِهِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: الإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ: عَزْمَةٌ. رُوِّينَا هَذَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ, وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ صَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ يُجْزِئْهُ يَعْنِي لاَ يُجْزِئْهُ صِيَامُهُ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ الثَّقَفِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: إنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكَ أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقْتَ بِصَدَقَةٍ فَرُدَّتْ عَلَيْكَ أَلَمْ تَغْضَبْ قال أبو محمد: هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ مُغْضِبًا لِلَّهِ تَعَالَى, وَلاَ يُقَالُ هَذَا فِي شَيْءٍ مُبَاحٍ أَصْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ أَنَّ امْرَأَةً صَحِبَتْ ابْنَ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَوَضَعَ الطَّعَامَ فَقَالَ لَهَا: كُلِّي قَالَتْ: إنِّي صَائِمَةٌ قَالَ: لاَ تَصْحَبِينَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى الْقَزَّازِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يُقَالُ: الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ كَالإِفْطَارِ فِي الْحَضَرِ. قال أبو محمد: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ, وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ, وَلاَ يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الدِّينِ: يُقَالُ كَذَا إلاَّ عَنْ الصَّحَابَةِ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم, وأما خُصُومُنَا فَلَوْ وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا لَكَانَ أَسْهَلَ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا: لاَ يَقُولُ ذَلِكَ إلاَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، حدثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ, وَهَذَا سَنَدٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ الْمُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صُمْت رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَأَمَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ أُعِيدَهُ فِي أَهْلِي, وَأَنْ أَقْضِيَهُ فَقَضَيْته. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَأُتِمُّ الصَّلاَةَ فِي السَّفَرِ وَأَصُومُ قَالَ: لاَ فَقَالَ: إنِّي أَقْوَى عَلَى ذَلِكَ قَالَ سَعِيدٌ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَقْوَى مِنْك قَدْ كَانَ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: أَمَّا الْمَفْرُوضُ فَلاَ; وأما التَّطَوُّعُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ مَوْلَى قُرَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ صَامَ فِي السَّفَرِ: إنَّهُ يَقْضِيه فِي الْحَضَرِ, قَالَ شُعْبَةُ: لَوْ صُمْت رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ لَكَانَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالآخِرِ فَالآخِرِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لاَ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ; وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: لاَ يَصُومُ الْمُسَافِرُ أَفْطِرْ أَفْطِرْ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا صِيَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ. قال أبو محمد: وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ لَوْ وَجَدُوا مِثْلَهُ لَعَظُمَ الْخَطْبُ مَعَهُمْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، حدثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حدثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ. قال أبو محمد: وأما نَحْنُ فَلاَ نَحْتَجُّ بِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَلاَ نَرَاهُ حُجَّةً لَنَا، وَلاَ عَلَيْنَا وَفِي الْقُرْآنِ وَصَحِيحِ السُّنَنِ كِفَايَةٌ, وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لاَ يُجْزِئُ عِنْدَهُ إتْمَامُ الصَّلاَةِ فِي السَّفَرِ, وَمَالِكٌ يَرَى فِي ذَلِكَ الإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ يَخْتَارُونَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ عَلَى الْفِطْرِ, تَنَاقُضًا لاَ مَعْنَى لَهُ, وَخِلاَفًا لِنَصِّ الْقُرْآنِ, وَلِلْقِيَاسِ الَّذِي يَدَّعُونَ لَهُ السُّنَنَ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَمَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا, وَلَهُ أَنْ يَصُومَ فِيهِ قَضَاءَ رَمَضَانَ أَفْطَرَهُ قَبْلُ أَوْ سَائِرَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّوْمِ نَذْرًا أَوْ غَيْرَهُ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:
|