الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَالْمِنْحَةُ جَائِزَةٌ , وَهِيَ فِي الْمُحْتَلَبَاتِ فَقَطْ , يَمْنَحُ الْمَرْءُ مَا يَشَاءُ مِنْ إنَاثِ حَيَوَانِهِ مَنْ شَاءَ لِلْحَلْبِ. وَكَدَارٍ يُبِيحُ سُكْنَاهَا , وَدَابَّةٍ يَمْنَحُ رُكُوبَهَا , وَأَرْضٍ يَمْنَحُ ازْدِرَاعَهَا , وَعَبْدٍ يَخْدُمُهُ , فَمَا حَازَهُ الْمَمْنُوحُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ , لاَ طَلَبَ لِلْمَانِحِ فِيهَا , وَلِلْمَانِحِ أَنْ يَسْتَرِدَّ عَيْنَ مَا مَنَحَ مَتَى شَاءَ سَوَاءٌ عَيَّنَ مُدَّةً أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ , أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ ; لأََنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَالُ أَحَدٍ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ إِلاَّ بِنَصٍّ , وَلاَ نَصَّ فِي هَذَا , وَتَعْيِينُهُ الْمُدَّةَ : عِدَّةٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ " الْوَعْدَ " لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي " بَابِ النُّذُورِ , وَالأَيْمَانِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا , فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَالْإِزْرَاعُ , وَالْإِسْكَانُ , وَالْإِفْقَارُ , وَالْإِمْتَاعُ , وَالْإِطْرَاقُ , وَالْإِخْدَامُ , وَالْإِعْرَاءُ , وَالتَّصْيِيرُ : حُكْمُ مَا وَقَعَ بِهَذِهِ الأَلْفَاظِ كَحُكْمِ الْمِنْحَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا , سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ ، وَلاَ فَرْقَ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَدَاوُد , وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. فَالْإِزْرَاعُ يَكُونُ فِي الأَرْضِ , يَجْعَلُ الْمَرْءُ لأَخَرَ أَنْ يَزْرَعَ هَذِهِ الأَرْضَ مُدَّةً يُسَمِّيهَا , أَوْ طُولَ حَيَاتِهِ وَالْإِسْكَانُ يَكُونُ فِي الْبُيُوتِ , وَفِي الدُّورِ , وَالدَّكَاكِينِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْإِفْقَارُ : يَكُونُ فِي الدَّوَابِّ الَّتِي تُرْكَبُ. وَالْإِطْرَاقُ : يَكُونُ فِي الْفُحُولِ تُحْمَلُ عَلَى الْإِنَاثِ. وَالْإِخْدَامُ : يَكُونُ فِي الرَّقِيقِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. وَالْإِمْتَاعُ : يَكُونُ فِي الأَشْجَارِ ذَوَاتِ الْحَمْلِ , وَفِي الثِّيَابِ , وَفِي جَمِيعِ الأَثَاثِ , وَكَذَلِكَ التَّصْيِيرُ. وَكَذَلِكَ الْجُعْلُ وَالْإِعْرَاءُ : يَكُونُ فِي حَمْلِ النَّخْلِ , فَكُلُّ هَذَا مَا قَبَضَهُ الْمَجْعُولُ لَهُ ذَلِكَ , فَلاَ رُجُوعَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ فِيهِ , وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمَجْعُولُ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ , فَلِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ اسْتِرْجَاعُ رَقَبَةِ مَالِهِ , وَمَنْعُ الْمَجْعُولِ لَهُ مِمَّا جَعَلَ لَهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً , وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ تَرُوحُ بِإِنَاءٍ وَتَغْدُو بِإِنَاءٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ نَا ابْنُ وَهْبٍ نَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ , وَكَانَ الأَنْصَارُ أَهْلَ الأَرْضِ وَالْعَقَارِ , فَقَاسَمَهُمْ الأَنْصَارُ ، رضي الله عنهم ، عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ ثِمَارَ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ , وَيَكْفُوهُمْ الْعَمَلَ وَالْمُؤْنَةَ. وَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَعْطَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِذَاقًا فَأَعْطَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلاَتَهُ أُمَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ , فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إلَى الأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ , فَرَدَّ عليه السلام إلَى أُمِّ سُلَيْمٍ عِذَاقَهَا , وَأَعْطَى عليه الصلاة والسلام أُمَّ أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ. وَأَمَّا الأَرْتِجَاعُ مَتَى شَاءَ , فَإِنَّهُ لَمْ يَهَبْ الأَصْلَ , وَلاَ الرَّقَبَةَ , فَلاَ يَجُوزُ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ , فَمَا دَامَ طَيِّبَ النَّفْسِ فِيمَا يُحْدِثُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَالِهِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ , فَإِذَا أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا فِي مَالِهِ لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسُهُ فَهُوَ مَالُهُ , حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ , بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَإِنَّمَا طِيبُ النَّفْسِ حِينَ وُجُودِ الشَّيْءِ , لاَ قَبْلَ خَلْقِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|