.من فوائد الجصاص في الآية:
قال رحمه الله:قَوْله تَعَالَى:
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَم قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} إنَّمَا لَحِقَتْهُمْ سِمَةُ الْكُفْرِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّدَيُّنِ بِهِ وَاعْتِقَادِهِمْ إيَّاهُ وَالْإِقْرَارِ بِصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ مُنْكِرِينَ لَهُ لَمَا كَفَرُوا؛ وَالْكُفْرُ هُوَ التَّغْطِيَةُ، وَيَرْجِعُ مَعْنَى مَا ذُكِرَ عَنْهُمْ إلَى التَّغْطِيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كُفْرَانُ النِّعْمَةِ بِجَحْدِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُنْعِمُ بِهَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِضَافَتُهَا إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ ادَّعَوْا لَهُ الْإِلَهِيَّةَ.وَالْآخَرُ كُفْرٌ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ جَاهِلٍ بِاَللَّهِ كَافِرٌ لِتَضْيِيعِهِ حَقَّ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مُضِيفِهَا إلَى غَيْرِهِ.وقَوْله تَعَالَى:
{فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} مَعْنَاهُ: مَنْ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ أَرَادَ هَلَاكَ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ.وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الِاحْتِجَاجِ وَأَوْضَحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَسِيحُ إلَهًا لَقَدَرَ عَلَى دَفْعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى إهْلَاكَهُ وَإِهْلَاكَ غَيْرِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْمَسِيحُ وَسَائِرُ الْمَخْلُوقِينَ سَوَاءً فِي جَوَازِ وُرُودِ الْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ عَلَيْهِمْ، صَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ سَائِرُ النَّاسِ آلِهَةً وَهُوَ مِثْلُهُمْ فِي جَوَازِ الْفَنَاءِ وَالْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ عَلَيْهِمْ. اهـ.
.من روائع شرف الدين البوصيري:
قال عليه الرحمة:
أسَمِعْتُمُ أنَّ الإلَه لحَاجَةٍ ** فأبى أقلُّ العالمين عُقُولاقومٌ رأوا بشرًا كريمًا فادَّعوا ** من جهلهمْ للهِ فيهِ حُلولاوعصابة ٌ ماصدقتهُ وأكثرتْ ** بالإفكِ والبهتانِ فيه القيلالَمْ يَأْتِ فيهِ مُفْرِطٌ ومُفَرِّطٌ ** بالحَقِّ تَجْرِيحًا وَلا تَعْدِيلافكأنما جاء المسيحُ إليهمُ ** لِيُكَذِّبُوا التَّوْراة َ والإنجيلافاعجبْ لأمتهِ التي قد صيَّرتْ ** تنزيهها لإلهها التَّنكيلاوإِذا أرادَ الله فِتْنَة َ مَعْشَرٍ ** وَأَضَلّهُمْ رَأوُا القَبِيحَ جَمِيلاهُمْ بجَّلُوهُ بِباطِلٍ فابْتَزَّهُ ** أعداؤُه بالباطلِ التَّبْجِيلاويَنَامُ مِنْ تَعَبٍ وَيَدْعُو رَبَّهُ ** زُمرًا ألم ترَ عِقدها محلولاهُوَ آدَمٌ فِي الفَضلِ إلاَّ أنهُ ** لَمْ يُعْطَ حال النَّفخة ِ التَّكْمِيلاأسَمِعْتُمُ أنَّ الإلَه لحَاجَةٍ ** يتناولُ المشروبَ والمأكولاوينامُ من تعبٍ ويدعو ربَّهُ ** ويرومُ من حرِّ الهجيرِ مقيلاويمسُّهُ الألمُ الذي لم يستطعْ ** صَرْفًا لَهُ عنهُ ولا تَحْوِيلاياليتَ شعري حين مات بزعمهم ** منْ كان بالتدبير عنهُ كفيلاهَلْ كانَ هَذا الكَوْنُ دَبَّرَ نَفْسَهُ ** من بعدهِ أم آثرَ التعطيلااجزُوا اليَهُودَ بِصَلْبِهِ خَيرًا ولا ** تُخْزُوا يَهُوذَا الآخِذَ البِرْطِيلازعموا الإلهَ فدى العبيدَ بنفسهِ ** وأراهُ كانَ القاتِلَ المَقْتُولاأيَكونُ قَوْمٌ في الجَحِيمِ ويَصْطَفِي ** منهم كَلِيما رَبُّنا وخَليلاوإذا فَرَضْتُمْ أنَّ عيسى ربَّكُمْ ** أَفَلَمْ يَكُنْ لِفِدائِكُمْ مَبْذُولاوأُجِلُّ رُوحًا قامَتِ المَوْتى بهِ ** عَنْ أَنْ يُرَى بِيَدِ اليَهودِ قَتِيلافدعوا حديثَ الصَّلبِ عنه ودونكمْ ** مِنْ كُتْبِكُمْ ما وافَقَ التَّنْزِيلاشهدَ الزبورُ بحفظهِ ونجاتهِ ** أفتعجلون دليلهُ مدخولاأيَكونُ قَوْمٌ في الجَحِيمِ ويَصْطَفِي ** أو من أشيدَ بنصرهِ مخذولا؟أيَجُوزُ قَوْلُ مُنَزِّهِ لإِلههِ ** سبحانَ قاتِلِ نَفْسِهِ فأَقُولا؟أوْ جَلَّ مَنْ جَعَلَ اليَهُودُ بِزَعْمِكُمْ ** شوكَ القتادِ لرأسهِ إكليلاومضى بحملِ صليبهِ مستسلمًا ** للموتِ مكتوفَ اليدينِ ذليلاكم ذا أبكتكمْ ولمْ تستنكفوا ** أنْ تَسْمَعُوا التَّبْكِيتَ والتَّخْجِيلاضلَّ النصارى في المسيحِ وأقسموا ** لايهتدون إلى الرشادِ سبيلاجَعَلوا الثَّلاثَة َ واحِدًا وَلَو اهْتَدوا ** لَمْ يَجْعَلُوا العَدَدَ الكَثيرَ قليلاعَبَدُوا إلهًا مِنْ إلهِ كائِنًا ** ذا صورةٍ ضلوا بها وهيولىضلَّ النَّصارى واليهودُ فلا تكنْ ** بهِمِ عَلَى ُسُبل الهُدَى مَدْلُوُلاوالمدَّعو التثليثِ قومٌ سَوَّغوا ** ما خالف المنقولَ والمَعْقولاوالعابدونَ العجلَ قد فُتنوُا به ** ودُّوا اتخاذ المُرْسلينَ عجولافإِذا أتَتْ بُشْرَى إليهمْ كَذَّبُوا ** بهوى النفوسِ وقُتِّلُوا تقتيلاوكفى اليهودَ بأنهم قد مَثَّلُوا ** مَعْبُودَهُم بِعِبَادِهِ تَمثِيلًاوبأَنَّ إسرائيلَ صارعَ رَبَّهُ ** ورمى به شُكرًا لإسرائيلاوبأنَّهم رحَلُوا به في قُبَّةٍ ** إذْ أزمعوا نحوَ الشامِ رحيلاوبِأنهمْ سَمِعُوا كلامَ إلهِهِمْ ** وسبيلهُمْ أنْ يسمعوُا المنقولاوبأنهم ضَرَبُوا لِيَسْمَعَ رَبَّهُمْ ** في الحَرْبِ بِوقاتٍ لَهُ وَطُبُولاوبأنَّ رَبَّ العالَمينَ بدالَهُ ** في خلقِ آدمَ يالهُ تجهيلاوبدا لَهُ في قَوْمِ نوح وَانْثَنى ** أسفًا يعضُّ بنانهُ مذهولاوَبأنَّ إبراهيمَ حاولَ أكْلَهُ ** خُبْزًا وَرامَ لِرِجْلِهِ تَغْسِيلاوبأنَّ أموالَ الطَّوائِفِ حُلِّلَتْ ** لهمُ ربًا وخيانة ً وغلولاوبأنهمْ لم يَخْرِجُوا مِنْ أَرْضِهِمْ ** فكأنهم حسِبوا الخُروجَ دُخولاوحديثهمْ في الأنبياءِ فلا تسلْ ** عنه وخَلِّ غِطاءهُ مَسْدُولالَمْ يَنتَهُوا عَنْ قَذْفِ دَاوُدَ وَلا ** لوطٍ فكيفَ بقذفهم روبيلاوَعَزَوْا إلَى يَعْقُوبَ مِنْ أوْلادِهِ ** ذِكْرًا مِنَ الفِعْلِ القَبيحِ مَهولاوإلى المسيحِ وأمهِ وكفيّ بها ** صِدِّيقَة ً حَمَلَتْ به وَبتُولاوَلِمَنْ تَعَلَّقَ بالصَّلِيب بِزَعْمِهِم ** لعنًا يعودُ عليهم مكفولاوجنوا على هارونَ بالعجلِ الذي ** نسبوا لهُ تصويرهُ تضليلاوَبأنَّ موسى صَوَّرَ الصُّوَرَ التي ** ما حلَّ منها نهيهُ معقولاورضوا له غضبَ الإلهِ فلا عدا ** غَضَبُ الإلهِ عَدُوَّهُ الضِّلِّيلاوبأنَّ سِحْرًا ما اسْتطاعَ لآيَةٍ ** منه وَلا استطاعتْ لهُ تَبْطِيلاوبأَنَّ ما أبْدَى لهُمْ مِنْ آيَةٍ ** أبْدَوْا إليه مثْلَها تَخْييلاإلاَّ البَعُوضَ ولا يَزالُ مُعانِدًا ** لإلهِهِ بِبَعُوضَةٍ مَخْذُولاورضوا لموسى أن يقولَ فواحشًا ** ختمتْ وصيَّتُهُ لهنَّ فصولانقلوا فواحشَ عن كليمِ اللهِ لمْ ** يَكُ مِثلُها عَنْ مِثْلِهِ مَنْقُولاوَأَظُنُّهُمْ قد خالفوه فَعُجِّلَتْ ** لهُمُ العُقُوبَة ُ بالخَنا تَعْجِيلاوشكتْ رجالهمُ مصادرَ ذيلها ** ونِساؤُهُمْ غيرَ البُعُولِ بُعولالُعِنَ الذينَ رأوا سبيلَ محمدٍ ** وَالمؤْمِنِينَ بِهِ أضَلَّ سَبِيلاأَبْناءُ حَيَّاتٍ ألَمْ تَرَ أنهمْ ** يَجِدُونَ دِرْيَاقَ السُّمومِ قَتولامذْ فارقوا العجلَ الذي فتنوا به ** ودُّوا اتخاذ الأنبياء عجولافإذَا أَتَى بَشَرٌ إليهمْ كَذَّبوا ** بهوى النفوسِ وقُتِّلوا تقتيلاأَخْلَوْا كِتَابَ الله مِنْ أحكامِهِ ** عدوًا وكان العامرَ المأهولاجعلوا الحَرَامَ بهِ حَلالاَ وَالهُدَى ** غياَ وموصولَ التقى مفصولاوَدَعاهُم ما ضَيَّعُوا مِنْ فَضْلِهِ ** إلاَّ وكانَ لهُ الزَّمانُ مُنِيلاكَتَمُوا العِبادَة َ والمعادَ ومَا رَعَوْا ** للحقِّ تعجيلًا ولا تأجيلاعجبًا لهم والسَّبْتُ بيعٌ عندهمْ ** لمْ يلقَ منهُ المُشترونَ مقيلاهَلاَّ عَصَوْا في السَّبْتِ يُوشَعَ إذْ غَدا ** يدعو جنودًا للوغى وخيولاأو خالفوا هارونَ في ذبحٍ وفي ** عَجْنٍ له لَمْ يُبْدِ عنهُ نُكُولاأو ألحقوا بهما المسيحَ وسَوَّغوا التَّحـ ** وبأنَّ أموالَ الطَّوائِفِ حُلِّلَتْوحَدِيثُهُمْ في الأنبياء فلا تَسَلْ ** قد نُصَّ عنْ شَعْيا وعَنْ يُوئِيلاأولمْ يروا حُكمَ العتيقة ِ ناسخًا ** أحكامَ كتبِ المرسلينَ الأولىأفيأنفُ الُفَّارُ أنْ يستدركوا ** قولًا على خيرِ الورى منحولالادرَّ درهمُ فإنَّ كلامهم ** يذرُ الثَّرى من أدمعي مبلولافكأنني ألفيتُ مقلة َ فاقدٍ ** ثكلى وموجعةٍ تصيبُ عويلاظَنُّوا بربِّهِمُ الظُّنُونَ وَرُسْلِهِ ** أوْ خالَفُوا هارُونَ في ذَبْحٍ وَفيإنْ يبخسوهُ بكيلِ زورٍ حقَّهُ ** فلأوسعنهمُ الجزاءَ مكيلاومن الغبينة ِ أن يجازى إفكهم ** صِدْقِي ولَسْنا في الكلاَمِ شُكُولالو يصدقون لما أتت رسلٌ لهمْ ** أترى الطبيبَ غدا يزور عليلاإنْ أنْكَرُوا فضلَ النبيِّ فإِنما ** أَرْخَوْا عَلَى ضَوْء النّهارِ سُدُولاالله أكبَرُ إِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ** وكتابهُ أقوى وأقومُ قيلاطلعتْ به شمسُ الهداية ِ للورى ** وأبى لها وصفُ الكمالِ أُفولاوالحقُّ أبلجُ في شريعتهِ التي ** جمعتْ فروعًا للورى وأصولالاتذكروا الكتبَ السَّوالفَ عندهُ ** طلعَ النهارُ فأطفِئُوا القنديلادَرَسَتْ معالِمُها أَلاَ فاستَخبِرُوا ** منها رُسومًا قد عَفَتْ وطُلُولاتُخْبِرْكُمْ التَّوْراة ُ أنْ قد بَشَّرَتْ ** قِدْمًا بأحمدَ أَم بإسماعيلاودعتهُ وحشَ الناسِ كلُّ نديَّةٍ ** وعلى الجميعِ له الأيادي الطُّولىتَجِدُوا الصحيحَ مِنَ السَّقِيم فطالما ** صدقَ الحبيبُ هوى َ المحبِ نحولامَنْ مِثْلُ موسَى قد أُقِيمَ لأَهْلِهِ ** من بين إخوتهمْ سواهُ رسولاأوْ أنَّ إخوتهمْ بنو العيصِ الذي ** نُقِلَتْ بَكارَتُهُ لإسْرائيلاتاللهِ ما كانَ المُرادُ به فتى ** موسى ولا عيسى ولا شموِيلاإذْ لَنْ يَقومَ لَهُمْ نَبِيٌّ مِثْلُهُ ** منهم ولو كان النبيُّ مثيلاطوبى لِمُوسى حينَ بَشَّرَ باسمِهِ ** ولِسامِعٍ مِنْ فَضْلِهِ ما قيلاوَجِبالُ فارانَ الرَّواسِي إنها ** نالتْ عَلَى الدُّنْيا به التَّفضيلاواستَخبِرُوا الإنجيلَ عنه وحاذِرُوا ** مِنْ لَفْظِه التَّحْرِيفَ والتَّبْدِيلاإنْ يدْعُهُ الإنجيلُ فارقليطهُ ** فلقَدْ دَعاهُ قبلَ ذلكَ إيلاودَعاهُ رُوحَ الحَقِّ لِلْوَحْيِ الذي ** يُتلى عليه بُكرة ً وأصيلاوَأَبى لَها وصْفُ الكمال أُفُولا ** وأراهُ كانَ القاتِلَ المَقْتُولاإنْ أنْطَلقْ عنكم يَكنْ خيرٌ لكم ** ليجيئكمْ منْ ترتَضُوهُ بديلايأتي على اسم الله منه مباركٌ ** ما كانَ مَوْعِدُ بَعْثِه مَمْطُولايَتْلُو كِتابَ البَّيِّناتِ كِتابهُ ** أبْدَوْا إليه مثْلَها تَخْييلاودُّوا اتِّخاذ الأنبياءِ عُجُولا ** وكَفَاهُمُ بِخَطِيئَة ِ تَخْجِيلا