الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من أقوال المفسرين: .قال الفخر: قال سيبويه: أذن أعلم.وأذن نادى وصاح للإعلام ومنه قوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ} [الأعراف: 44] وقوله: {تَأَذَّنَ} بمعنى أذن أي أعلم.ولفظة تفعل، هاهنا ليس معناه أنه أظهر شيئًا ليس فيه، بل معناه فعل فقوله: {تَأَذَّنَ} بمعنى أذن كما في قوله: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] معناه علا وارتفع لا بمعنى أنه أظهر من نفسه العلو، وإن لم يحصل ذلك فيه وأما قوله: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} ففيه بحثان:البحث الأول: أن اللام في قوله: {لَيَبْعَثَنَّ} جواب القسم لأن قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ} جار مجرى القسم في كونه جازمًا بذلك الخبر.البحث الثاني: الضمير في قوله: {عَلَيْهِمْ} يقتضي أن يكون راجعًا إلى قوله: {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين} [الأعراف: 166] لكنه قد علم أن الذين مسخوا لم يستمر عليهم التكليف.ثم اختلفوا فقال بعضهم: المراد نسلهم والذين بقوا منهم.وقال آخرون: بل المراد سائر اليهود فإن أهل القرية كانوا بين صالح وبين متعد فمسخ المتعدي وألحق الذل بالبقية، وقال الأكثرون: هذه الآية في اليهود الذين أدركهم الرسول صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى شريعته، وهذا أقرب.لأن المقصود من هذه الآية تخويف اليهود الذين كانوا في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم وزجرهم عن البقاء على اليهودية، لأنهم إذا علموا بقاء الذل عليهم إلى يوم القيامة انزجروا.البحث الثالث: لا شبهة في أن المراد اليهود الذين ثبتوا على الكفر واليهودية، فأما الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فخارجون عن هذا الحكم.أما قوله: {إلى يَوْمِ القيامة} فهذا تنصيص على أن ذلك العذاب ممدود إلى يوم القيامة وذلك يقتضي أن ذلك العذاب إنما يحصل في الدنيا، وعند ذلك اختلفوا فيه فقال بعضهم: هو أخذ الجزية.وقيل: الاستخفاف والإهانة والإذلال لقوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ} وقيل: القتل والقتال.وقيل: الإخراج والإبعاد من الوطن، وهذا القائل جعل هذه الآية في أهل خيبر وبني قريظة والنضير، وهذه الآية نزلت في اليهود على أنه لا دولة ولا عز، وأن الذل يلزمهم، والصغار لا يفارقهم.ولما أخبر الله تعالى في زمان محمد عن هذه الواقعة.ثم شاهدنا بأن الأمر كذلك كان هذا أخبارًا صدقًا عن الغيب، فكان معجزًا، والخبر المروي في أن أتباع الرجال هم اليهود إن صح، فمعناه أنهم كانوا قبل خروجه يهودًا ثم دانوا بإلهيته، فذكروا بالاسم الأول ولولا ذلك لكان في وقت اتباعهم الدجال قد خرجوا عن الذلة والقهر، وذلك خلاف هذه الآية.واحتج بعض العلماء على لزوم الذل والصغار لليهود بقوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة أَيْنَمَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ الله} [آل عمران: 112] إلا أن دلالتها ليست قوية لأن الاستثناء المذكور في هذه الآية يمنع من القطع على لزوم الذل لهم في كل الأحوال.أما الآية التي نحن في تفسيرها لم يحصل فيها تقييد ولا استثناء، فكانت دلالتها على هذا المعنى قوية جدًّا.واختلفوا في أن الذين يلحقون هذا الذل بهؤلاء اليهود من هم، فقال بعضهم: الرسول وأمته وقيل يحتمل دخول الولاة الظلمة منهم، وإن لم يؤمروا بالقيام بذلك إذا أذلوهم.وهذا القائل حمل قوله: {لَيَبْعَثَنَّ} على نحو قوله: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} [مريم: 83] فإذا جاز أن يكون المراد بالإرسال التخلية، وترك المنع، فكذلك البعثة، وهذا القائل.قال: المراد بختنصر وغيره إلى هذا اليوم، ثم أنه تعالى ختم الآية بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب} والمراد التحذير من عقابه في الآخرة مع الذلة في الدنيا {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} لمن تاب من الكفر واليهودية، ودخل في الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم. اهـ..قال السمرقندي: قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} يعني أعلم ربك ويقال: قال ربكم وكل شيء في القرآن تأذن فهو إعلام.ومعناه قال: {لَيَبْعَثَنَّ} أي ليسلطن {عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة} أي على بني إسرائيل، والذين لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم {مَن يَسُومُهُمْ سُوء العذاب} يعني: يعذبهم بالجزية والقتل {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب} إذا عاقب من أصرّ على كفره {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ} لمن تاب من الشرك {رَّحِيمٌ} بعد ذلك. اهـ..قال الثعلبي: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} أذّن وأعلم ربّك مثل قولهم تعلم بمعنى أعلم. وأنشد المبرّد:وقال زهير: وقال ابن عباس: {تأذن ربّك} قال ربّك، وقال مجاهد: أمر ربّك، وقال عطاء: حتم، وقال أبو عبيد: أخبر، وقال قطرب: وعد.{لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة مَن يَسُومُهُمْ سواء العذاب} هم اليهود بعث الله عليهم محمدًا وأمته يقاتلونهم حتّى يسلموا أو يعطوا الجزية، وقال سعيد بن جبير: هم أهل الكتاب بعث الله عليهم العرب يجبونهم الخراج إلى يوم القيامة فهو سوء العذاب ولم يجب نبي قط الخراج إلاّ موسى عليه السلام فهو أول من وضع الخراج فجباه ثلاث عشرة سنة ثمّ أمسك. اهـ. .قال الماوردي: قوله عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ}.فيه قولان:أحدهما: أنه تفعُّل من الإذن ومعناه أعلم، قاله الحسن، ومنه قول الأعشى:والثاني: معناه نادى وأقسم، قاله الزجاج.{ليَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} يعني على اليهود.{إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} والمبعوثون هم العرب، وسوء العذاب هو الذلة وأخذ الجزية، قاله ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة.ويقال إن أول من وضع الخراج وجباه من الأنبياء موسى، فجبى الخراج سبع سنين وقيل ثلاث عشرة ثم أمسك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.وقال سعيد بن المسيب: استحب أن أبعث في الجزية الأنباط. ولا أعلم لاستحبابه ذلك وجهًا إلا أن يكون لأنهم من قوم بختنصر فهم أشد انتقامًا، أو لأنها قد كانت تؤخذ منهم على استيفائها لأجل المقابلة أحرص. اهـ. .قال ابن عطية: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ}.بنية تأذن هي التي تقتضي التكسب من أذن أي علم ومكن وآذن أي أعلم مثل كرم وأكرم وتكرم إلا أن تعلم وما جرى مجرى هذا الفعل إذا كان مسندًا إلى اسم الله عز وجل لم يلحقه معنى التكسب الذي يلحق المحدثين، فإنما يترتب بمعنى علم صفة لا بتكسب بل هي قائمة بالذات وإلى هذا المعنى ينحو الشاعر بقوله:لأنه لم يأمره بالتعلم الذي يقتضي جهالة وإنما أراد أن يوقفه على قوة علمه، ومنه قول زهير: فمعنى هذه الآية وإذ علم الله ليبعثن عليهم، ويقتضي قوة الكلام أن ذلك العلم منه مقترن بإنفاذ وإمضاء، كما تقول في أمر قد عزمت عليه غاية العزم علم الله لأفعلن كذا، نحا إليه أبو علي الفارسي، وقال الطبري وغيره {تأذن} معناه أعلم وهو قلق من جهة التصريف إذ نسبة {تأذن} إلى الفاعل غير نسبة أعلم، وتبين ذلك من التعدي وغيره، وقال مجاهد: {تأذن} معناه قال، وروي عنه أن معناه أمر، وقالت فرقة: معنى {تأذن} تألى.قال القاضي أبو محمد: وقادهم إلى هذا القول دخول اللام في الجواب، وأما اللفظة فبعيدة عن هذا، والضمير في {عليهم} لمن بقي من بني إسرائيل لا للضمير في لهم. وقوله: {من يسومهم} قال سعيد بن جبير هي إشارة إلى العذاب، وقال ابن عباس هي إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.قال القاضي أبو محمد: والصحيح أنها عامة في كل من حال اليهود معه هذه الحال، و{يسومهم} معناه يكلفهم ويحملهم، و{سوء العذاب} الظاهر منه الجزية والإذلال، وقد حتم الله عليهم هذا وحط ملكهم فليس في الأرض راية ليهودي، وقال ابن المسيب فيستحب أن تتعب اليهود في الجزية، ولقد حدثت أن طائفة من الروم أملقت في صقعها فباعت اليهود المجاورة لهم الساكنة معهم وتملكوهم، ثم حسن في آخر هذه الآية لتضمنها الإيقاع بهم والوعيد أن ينبه على سرعة عقاب الله ويخوف بذلك تخويفًا عامًا لجميع الناس ثم رجى ذلك لطفًا منه تبارك وتعالى. اهـ. .قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {وإذ تأذَّن ربك}.فيه أربعة أقوال:أحدها: أعلم، قاله الحسن، وابن قتيبة.وقال: هو من آذنتك بالأمر.وقال ابن الأنباري: {تأذن} بمعنى آذن؛ كما يقال: تعلَّم أن فلانًا قائم، أي: اعلم.وقال أبو سليمان الدمشقي: أي: أعلم أنبياء بني إسرائيل.والثاني: حتم، قاله عطاء.والثالث: وعد، قاله قطرب.والرابع: تألّى، قاله الزجاج.قوله تعالى: {ليبعثن عليهم} أي: على اليهود.وقال مجاهد: على اليهود والنصارى بمعاصيهم.{من يسومهم} أي: يولِّيهم {سوء العذاب}.وفي المبعوث عليهم قولان:أحدهما: أنه محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قاله ابن عباس.والثاني: العرب، كانوا يجبونهم الخراج، قاله سعيد بن جبير قال: ولم يجْبِ الخراجَ نَبيٌ قط إلا موسى، جباه ثلاث عشرة سنة، ثم أُمسك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.وقال السدي: بعث الله عليهم العرب يأخذون منهم الجزية ويقتلونهم.وفي سوء العذاب أربعة أقوال:أحدها: أخذ الجزية.رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.والثاني: المسكنة والجزية، رواه العوفي عن ابن عباس.والثالث: الخراج، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير.والرابع: أنه القتال حتى يُسلموا أو يُعطوا الجزية. اهـ.
|