الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ...} الآية.أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله: {أوفوا بالعقود} يعني بالعهود، ما أحل الله وما حرم، وما فرض وما حدَّ في القرآن كله، لا تغدروا ولا تنكثوا.وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {أوفوا بالعقود} أي بعقد الجاهلية، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول «أوفوا بعقد الجاهلية، ولا تحدثوا عقدًا في الإسلام».وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {أوفوا بالعقود} قال: بالعهود، وهي عقود الجاهلية الحلف.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن عبيدة قال: العقود خمس: عقدة الإيمان، وعقدة النكاح، وعقدة البيع، وعقدة العهد، وعقدة الحلف.وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في الآية قال: العقود خمس: عقدة الإيمان، وعقدة النكاح، وعقدة البيع، وعقدة العهد، وعقدة الحلف.وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقِّه أهلها، ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم، فكتب بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله ورسوله {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} عهدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم، أمره بتقوى الله في أمره كله {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [النحل: 128]، وأمره أن يأخذ الحق كما أمره، وأن يبشر بالخير الناس، ويأمرهم به الحديث بطوله.وأخرج الحرث بن أبي أسامة في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أدوا للحلفاء عقودهم التي عاقدت أيمانكم. قالوا: وما عقدهم يا رسول الله؟ قال: العقل عنهم، والنصر لهم».وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مقاتل بن حيان قال: بلغنا في قوله: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} يقول: أوفوا بالعهود، يعني العهد الذي كان عهد اليهم في القرآن فيما أمرهم من طاعته أن يعملوا بها، ونهيه الذي نهاهم عنه، وبالعهد الذي بينهم وبين المشركين، وفيما يكون من العهود بين الناس.وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس ان نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} قال: يعني الإبل والبقر والغنم قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الأعشى وهو يقول:وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ابن المنذر عن الحسن في قوله: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} قال: الإبل، والبقر، والغنم.وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس. أنه أخذ بذنب الجنين، فقال: هذا من بهيمة الأنعام التي أحلَّت لكم.وأخرج ابن جرير عن ابن عمر في قوله: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} قال: ما في بطونها. قلت: إن خرج ميتًا آكله؟ قال: نعم.وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} قال: الأنعام كلها {إلا ما يتلى عليكم} قال: إلا الميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله: {أحلَّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} قال: {الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به} [المائدة: 3] إلى آخر الآية فهذا ما حرم الله من بهيمة الأنعام.وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إلا ما يتلى عليكم} قال: إلا الميتة وما ذكر معها {غير محلي الصيد وأنتم حرم} قال: غير أن يحل الصيد أحد وهو محرم.وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن أيوب قال: سئل مجاهد عن القرد أيؤكل لحمه؟ فقال: ليس من بهيمة الأنعام.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال: الأنعام كلها حل إلا ما كان منها وحشيًا فإنه صيد، فلا يحل إذا كان محرمًا.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {إن الله يحكم ما يريد} قال: إن الله يحكم ما أراد في خلقه، وبين ما أراد في عباده، وفرض فرائضه، وحدَّ حدوده، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته. اهـ. .فوائد لغوية وإعرابية: .قال ابن عادل: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود} بالعقود أي: بالعهود، ويقال: وَفَّى بالعهد، وأوفى به.قال الزَّجَّاج: هي أوكد العهود، ويقال: عاقدت فلانًا، وعقدت عليه، أي: ألزمته ذلك باستيثاق، وأصله من عقد الشيء بغيره، ووصله به كما يعقد الحبل بالحبل.فالعهد إلزام، والعقد التزام على سبيل الإحكام، ولما كان الإيمان هو المعرفة بالله تعالى وصفاته وأحكامه، وكان من جملة أحكامه أنه يجب على الخَلْقِ إظهار الانقياد لله تعالى في جميع تكاليفه وأوامره ونواهيه- أمر بالوفاء بالعقود، أي: أنكم التزمتم بإيمكانكم أنواع العقود والطاعة بتلك العقود..فصل في الكلام على فصاحة الآية: قال القرطبي: هذه الآية مما تلوح فصاحتها وكثرة معانيها على قلة ألفاظها، لكل بصير بالكلام؛ فإنها تضمنت خمسة أحكام:الأول: الأمر بالوفاء بالعقود.الثاني: تحليل بهيمة الأنعام.الثالث: استثناء ما يلي بعد ذلك.الرابع: استثناء حال الإحرام فيما يُصَادُ.الخامس: ما تقتضيه الآية من إباحة الصيد لمن ليس بمحرم.وحكى النقاش أن أصحاب الكندي، قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن، فقال: نعم أعمل مثل بعضه فاحتجب أيامًا كثيرة، ثم خرج، فقال: والله ما أقدر، ولا يطيق هذا أحد، إني فتحت المصحف فخرجت سورة «المائدة»، فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء، ونهى عن النكث، وحلل تحليلًا عامًا، ثم استثنى استثناء بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد.قوله: {إلا ما يتلى عليكم} هذا مستثنى من {بهيمة الأنعام} والمعنى: ما يتلى عليكم تحريمه وذلك قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} [المائدة: 3] إلى قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} [المائدة: 3].وفي هذا الاستثناء قولان:أحدهما: أنه متصل.والثاني: أنه منقطع حسب ما فُسر به المتلوُّ عليهم، كما سيأتي بيانه.وعلى تقدير كونه استثناء متصلًا يجوز في محلّه وجهان:أظهرهما: أنه منصوب؛ لأنه استثناء متصل من موجب، ويجوز أن يرفع على أنه نعت لـ {بهيمة} على ما قرر في علم النحو.ونقل ابن عطيَّة عن الكوفيين وجهين آخرين:أحدهما: أنه يجوز رفعه على البدل من {بهيمة}.والثاني: أن «لا» حرف عطف، وما بعدها عطف على ما قبلها، ثم قال: وذلك لا يجوز عند البصريين إلا من نكرة أو ما قاربها من أسماء الأجناس، نحو: جاء الرجال إلا زيد، كأنك قلت: غير زيد، وقوله: وذلك ظاهره أنه مُشارٌ به إلى الوجهين: البدل والعطف.وقوله: إلا من نكرة غير ظاهرة؛ لأن البدل لا يجوز ألبتة من موجب عند أحد من الكوفيين والبصريين.ولا يُشترط في البدل التوافقُ تعريفًا وتنكيرًا وأما العطف فذكره بعض الكوفيين.وأما الذي اشترط البصريون فيه التنكير، أو ما قاربه، فإنما اشترطوه في النعت بـ {إلاَّ} فيُحتمل أنه اختلط على أبي محمد شرط النعت، فجعله شرطًا في البدل، هذا كله إذا أريد بالمتلوِّ عليهم تحريمه في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} [المائدة: 3] إلى آخره.وإن أريد به الأنعامُ والظباء وبقرُ الوحش وحُمره، فيكون منقطعًا بمعنى «لكن» عند البصريين، وبمعنى «بل» عند الكوفيين.وسيأتي بيان هذا المنقطع بأكثر من هذا في نصب {غير}.قوله: {غَيْرَ} في نصبه خمسة أوجه:أحدها: أنه حال من الضمير المجرور في {لكم}، وهذا قول الجمهور، وإليه ذهب الزمخشري، وابن عطية وغيرهما.وقد ضعف هذا الوجه بأنه يلزم منه تقييدُ إحلال بهيمة الأنعام لهم بحال كونهم غَيْرَ محلِّي الصيد، وهم حرم؛ إذْ يصير معناه: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} في حال كون انتفاء كونكم تحلون الصيد، وأنتم حرم، والغرض أنهم قد أحلت لهم بهيمة الأنعام في هذه الحال وفي غيرها، هذا إذا أريد ببهيمة الأنعام نفسها.وأما إذا عني بها الظباء، وحُمُر الوحش، وبقره على ما فسَّره بعضهم، فيظهر للتقييد بهذه الحالة فائدة؛ إذ يصير المعنى {أحلّت لكم} هذه الأشياء حال انتفاء كونكم تحلُّون الصيد وأنتم حرم، فهذا معنى صحيح، ولكن التركيب [الذي قدرته لك] فيه قَلَقٌ ولو أريد هذا المعنى من الآية الكريمة لجاءت به على أحسن تركيب وأفصحه.القول الثاني: وهو قول الأخفش وجماعة أنه حال من فاعل {أوفوا}، والتقدير: أوفوا بالعقود في حال انتفاء كونكم محلِّين الصيد وأنتم حُرم، وقد ضعفوا هذا المذهب من وجهين:الأول: أنه يلزم منه الفَصْلُ بين الحال وصاحبها بجملة أجنبية، ولا يجوز الفَصْل إلا بجمل الاعتراض، وهذه الجملة وهي قوله: {أحلَّت لكم بهيمة الأنعام} ليست اعتراضية، بل هي منشئة أحكامًا ومبينة لها.وجملة الاعتراض إنما تفيد تأكيدًا وتسْديدًا.والثاني: أنه يلزم تقييد الأمر بإيفاء العقود بهذه الحالة، ويصير التقدير؛ كما تقدم، فإذا اعتبرنا مَفْهُومه يصير المعنى: فإذا انتفت هذه الحال فلا توفوا بالعقود، والأمر ليس كذلك فإنهم مأمورون بالإيفاء بالعقود على كل حال من إحرام وغيره.الوجه الثاني: أنه منصوب على الحال من الضمير المجرور في {عليكم} أي: لا ما يتلى عليكم، حال انتفاء كونكم محلّين الصيد، وهو ضعيف أيضًا بما تقدم من أن المتلو عليهم لا يتقيد بهذا الحال دون غيرها، بل هو متلو عليهم في هذه الحال، وفي غيرها.الوجه الرابع: أنه حال من الفاعل المقدر يعني الذي حُذِفَ، وأقيم المفعول مقامه في قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام}، فإن التقدير عنده: أحل الله لكم بهيمة الأنعام غير محلي لكم الصيد وأنتم حرم، فحذف الفاعل، وأقام المفعول مقامه، وترك الحال من الفاعل باقية.
|