الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف (نسخة منقحة)
.ذكر ملوك الروم من الهجرة إلى سنة 345: واجتمعت البطارقة وغيرهم من ذوي المراتب؛ من الروم وغيرهم بعد قتل فوقاس لاختيار من يصلح للملك، فوقع اختيارهم بعد خطب طويل وتنازع كثير على هرقل، فملكوه ورجوا صلاح أحوالهم بتمليكه وهو الثاني والعشرون من ملوك الروم المتنصرة، وكان ملكه لثلاث وثلاثين سنة خلت من ملك كسرى أبرويز بن هرمز ملك بابل، فملك خمساً وعشرين سنة وقيل أكثر من ذلك وفي أول سنة من ملكه كانت هجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأقام في الملك أيام النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأيام أبي بكر وعمر وسنتين من خلافة عثمان وفي أيامه غلب المسلمون على بلاد سورية وهي الشأم والجزيرة، وكان أخوه قسطنطين معاضداً له على الملك فهلك قبله.ولما ملك هرقل جد في حرب الفرس، فكانت له معهم حروب كثيرة وفسد الأمر بين كسرى أبرويز وصاحب جيشه المحاصر للقسطنطينية شهربراز وأتاه هرقل ومالأه على أبرويز، فخرج هرقل في مراكب كثيرة في الخليج إلى بحر الخزر وسار إلى طرانزندة وأبواب لازقة واستنجد هناك ملوك الأعاجم من اللان والخزر والسرير والأبخاز وجرزان والأرمن وغيرهم حتى صار إلى بلاد أران والبيلقان وآذربيجان والماهات من أرض الجبل واتصلت جيوشه بأرض العراق فشن الغارات وقتل وسبى وانصرف راجعاً إلى القسطنطينية بحيلة أوقعها أبرويز عليه قال المسعودي: وقد أتينا على خبر شهربراز والسبب في فساد الحال بينه وبين أبرويز وإلى ما آل أمرهما وشرح أخبار هرقل، وما كان بينه وبين فارس من الحروب وحيله ومكايده، وما كان بينه وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم من المكاتبات والمراسلات، وما كان بين جنوده وبين المسلمين من الحروب بالشأم ومصر وغيرهما في خلافة أبي بكر وعمر، وخروجه عن الشأم وقطعه الدرب إلى بلاد الروم، وقوله عند صعوده جبل الأكام وإشرافه على الشأم: عليك السلام يا سورية سلام مودع لا يعود إليك أبداً حتى يولد الغلام المشئوم، وليته لا يولد فما أحلى رضاعه، وأمر فطامه وما كان بينه وبين معاوية بن أبي سفيان في حال إمرته على الشأم من قبل عمر وعثمان من المراسلات والملاطفات. وإخباره يناق غلام معاوية بأن عثمان بن عفان يقتل وما يئول إليه أمر المسلمين بعد ذلك وغير ذلك من أخباره في كتاب أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية، والممالك الداثرة وفي كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف وإنما نذكر في هذا الكتاب لمعاً وجوامع منبهين بذلك على ما تقدم تأليفه من كتبنا، ومدخلاً إلى علم ما سبق إيضاحه من تصنيفنا الثالث والعشرون قسطنطين بن قسطنطين أخي هرقل وقيل إنه ابن هرقل ملك تسع سنين وستة أشهر في خلافة عثمان بن عفان، وهو الذي غزا في البحر في نحو ألف مركب حربية وغيرها فيها الخيل والخزائن والعدد يريد الإسكندرية من بلاد مصر وكان عامل مصر والإسكندرية لعثمان عبد الله بن سعد بن أبي سرح فالتقوا في البحر فكانت على قسطنطين فعطبت مراكبه وهلك أكثر رجاله ونجا في مركب فوقع في جزيرة سقلية من بلاد إفريقية فقتله جرجيق ملكها تشاؤماً به لإهلاكه النصرانية وسميت هذه الغزات ذات الصواري لكثرة المراكب وصواريها، وهي الأدقال وكان ذلك في سنة 34 للهجرة.وقال المسعودي: وفي ملكه كان السنهودس السادس وهو المجمع بالقسطنطينية من بلاد بوزنطيا وقيل بل كان قبل هذا الوقت، وكان اجتماعهم على لعن رجل يقال له قورس الإسكندراني خالف الملكية وأحدث قولاً نحو قول المارونية في المشيئة والفعل وكان عدة من اجتمع فيه من الأساقفة مائتين وتسعة وثمانين أسقفاً وقيل دون ذلك فمن السنهودس الخامس إلى هذه السنهودس ثمان وستون سنة وأربعة أشهر وقيل دون ذلك وهذا آخر السنهودسات؛ لم يكن لهم إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهو سنة 345 والملك على الروم قسطنطين بن لاون ابن بسيل- اجتماع فيما بلغني مع قربنا من ديارهم وبحثنا عن أخبارهم وتنقلنا بالثغر الشأمي وأنطاكية والشأم ومصر، والملكية تذكر هذه الاجتماعات الستة في قداسها وهي الصلاة على القربان في كل يوم، وقد اختلف أهل دين النصرانية في العبارة عن أسماء هذه المجامع عند مقابلتهم الأمانات بالتراجم المعروفة فمنه ما يسميه أهل مصر السنهودسات أحدها سنهودس وبها عبرنا في كتابنا هذا لأنها أفصحها ولمقامنا بمصر في هذا الوقت، ويسميه أهل المشرق السنادسات وقوم يقولون سناطس وقد أتينا على شرحها والسبب في وقوعها وما كان في ذلك من الخلاف والمناظرات بينهم، وأخبار أصحاب الكراسي الذين هم البطاركة أحدهم بطريرك ومراتبهم وتسميتهم وأعدادهم إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا ممن كان منهم بمدينة رومية والإسكندرية من بلاد مصر وأنطاكية والقسطنطينية وإيليا، في كتاب مروج الذهب في كتاب ومعادن الجوهر وفي كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف وإن كانت أسماؤهم مثبتة في الدبطخة التي تقرؤها النصارى في القداس وذكرنا أسماء الاثني عشر والسبعين تلاميذ المسيح وتفرقهم في البلاد وأخبارهم وما كان منهم ومواضع قبورهم ومن أصحاب الأناجيل الأربعة منهم يوحنا ومتى من الاثني عشر ولوقا ومرقس من السبعين وأن مرقس صاحب الإسكندرية ومن كان بعده من البطاركة على هذا الكرسي الحكام على سائر أصحاب الكراسي في كل ما يختلفون فيه، والقضاة عليهم إذا تنازعوا ومتى اجتمعوا في محفل جلسوا حسراً وصاحب هذا الكرسي بعمامة إذ كان خليفة بطرس، وأن السبب في ذلك أن بطرس لما عاد التلاميذ إلى أن يسير بعضهم إلى الإسكندرية بالإنجيل الذي كتبه ويدعو الناس جزعوا من ذلك لأجل من كان بها من الصابئين والقاطرين أحدهم قاطر ويسمى بالقبطية هيراتقس وهم الكهنة وأن مرقس انتدب لذلك وكان أصغر القوم سناً فناوله بطرس الإنجيل ومحا اسمه منه وأثبت فيه اسم مرقس وقال له قد جعلناك الحاكم عليهم فيما تنازعوا فيه وغير ذلك من أسرار دين النصرانية وأخبارهم من السليحين وغيرهم مما هو موجود في الكتاب المعروف بيركسيس وفي كتاب ديونوسيوس الفلوباخيطوا في أسرارهم أيضاً وفي كتاب قليمنس وكان تلميذاً لبطرس ورأيت كثيراً من النصارى يقف في هذا الكتاب ويدفع أن يكون صحيحاً، وفي الأربع عشرة رسالة لبولس التي كتب بها في أوقات متفرقة إلى أهل رومية وغيرهم، وتدعى هذه الرسائل كتاب السليخ؛ وذكرنا في كتاب المقالات، في أصول الديانات وكتاب خزائن الدين وسر العالمين أقاويل الأمم العوالم الأربعة في عالم الربوبية وعالم العقل وعالم النفس وعالم الطبيعة ومراتب الروحانية والجواهر العلوية والأجسام السمائية وسائر الوسائط والفرق بين النار والنور ومراتب الأنوار وما قاله كل فريق منهم في ذلك من الهند وقدماء الفلكيين وأصحاب الاثنين ومن واقفهم من أصحاب التأويل في هذا الوقت والحنفاء والكلدانيين وهم البابليون الذين بقيتهم في هذا الوقت بالبطائح بين واسط والبصرة في قرايا هناك وتوجههم في صلاتهم إلى القطب الشمالي والجدي.والسمنية وهم صابئة الصين وغيرهم وهم على مذاهب بوداسب وعوام اليونانيين وتوجههم في صلاتهم إلى المشرق وصابئة المصريين الذين بقيتهم في هذا الوقت صابئو الحرانيين وتوجههم في صلاتهم إلى التيمن وهو القبلة واستدبارهم الشمال، وامتناعهم من كثير من المآكل التي كان صابئة اليونانيين يأكلونها كلحم الخنزير والفراخ والثوم والباقلي وغير ذلك وقولهم بنبوة أغاثديمون وهرمس وأميروس وأراطس صاحب كتاب صورة الفلك والكواكب وغير ذلك وأريباسيس وأراني الأول والثاني وغيرهم وأسرارهم في الذبائح والصلوات للكواكب السبعة وغيرها والقوفات وهي الدخن للكواكب وتمثيلهم مراتب الكهنوت في هياكلهم بما علا من الروحانية وتسميتهم أعلى الكهنة رأس كمرين وما يذهبون إليه من قول أفلاطون إن من عرف نفسه حقيقة المعرفة تأله ومن قول صاحب المنطق من عرف نفسه فقد عرف بها كل شيء وما جرى بين فرفريوس الصوري صاحب كتاب أيساغوجي في المدخل إلى كتاب أرسطاطاليس في المنطق؛ وكان نصرانياً ينصر مذاهب صابئة اليونانيين مخفياص لذلك وبين أنابوا الكاهن المصري، وكان ينصر الفلسفة الأولى التي كان عليها فوثاغورس وثاليس الملطي وغيرهما وهي مذهب صابئة المصريين من المسائل والجوابات في العلوم الإلهية، وذلك في رسائل بينهم معروفة عند من عني بعلوم الأوائل وما كانوا عليه من الآراء والنحل وقد صنف على مذاهب الفوثاغوريين والانتصار لهم كتب كثيرة، وآخر من صنف في ذلك أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي صاحب كتاب المنصور في الطب وغيره كتاباً في ثلاث مقالات وذلك بعد سنة 310 وقد ذكر أفلاطون ترتيب العوالم في كتابه المعروف بطيماوس فيما بعد الطبيعة وهو ثلاث مقالات إلى تلميذه طيماوس مما ترجمه يحيى بن البطريق وهو غير كتاب طيماوس الطبي الذي ذكر فيه كون العالم الطبيعي وما فيه والهيئات والألوان وتراكيبها واختلافها وغير ذلك شرحه جالينوس وفسره حنين بن إسحاق، وذكر بأنه سقط عنه منه كراستان الأولى والثانية، والذي حصل من ترجمته أربع مقالات ذكر أرسطاطاليس ترتيب العوالم في كتابه فيما بعد الطبيعة في الحرف المعروف باللام وغيره من الأحرف فيما فسره طامستيوس وترجمة إلى العربي إسحاق بن حنين وذكرنا فيما سلف من كتبنا ما ذهب إليه النصارى من أن البارئ عز وجل خلق في الابتداء جنس الملائكة المقريين روحانيين ذوي جواهر بسائط أحياء ناطقة، ليمجدوه من غير حاجة منه عز وجل إلى ذلك، وأنه تعالى جعلهم منقسمين لطبقات تسع، وعلى طبقات بعضها أعلى من بعض واسم جملة الروحانيين بالسريانية وهو اللسان الأول طغم وبالرومية طغماتس وبالعربية تغم والكنيسة عندهم كنيسة السماء ومراتب الكهنوت على مقدار طغمات الملائكة وهي تسع فالطغمة الأولى عندهم طغمة البطارقة ثم ما يلي ذلك من مراتب الكهنة وذكرنا مذاهب الصابئين في ذلك وأنهم يرون أن هذه المراتب على ترتيب الأفلاك التسعة، وكذلك مذاهب أصحاب الاثنين في ذلك قبل ظهور ماني، وأسماء كل فرقة منهم، وما رتب لها من ذوي الرئاسات الديانية تشبيهاً بما علا من الجواهر العلوية والأجسام السمائية قال المسعودي: فلنرجع الآن إلى سياقة الملوك على الترتيب الرابع والعشرون قسطا بن قسطنطين، ملك خمس عشرة سنة وذلك في خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام وصدراً من أيام معاوية بن أبي سفيان الخامس والعشرون هرقليانس بن قسطنطين، وهو هرقل الأصغر وقل أن جده هرقل الأكبر ملك أربع سنين وثلاثة أشهر في أيام معاوية السادس والعشرون قسطنطين بن قسطا، ملك ثلاث عشرة سنة، بقية أيام معاوية، وأيام يزيد، ومروان بن الحكم، وصدراً من أيام عبد الملك بن مروان السابع والعشرون أسطنيانس المعروف بالأخرم، ملك تسع سنين في أيام عبد الملك ثم خلع وخرم أنفه وقطع عرق تحت لسانه ليخرس، فسلم من ذلك وحمل إلى بعض الجزائر فهرب ولحق بملك الخزر مستنجداً به وتزوج هناك فلم ير عندهم ما يحب، فصارا إلى طرفلا ملك برجان الثامن والعشرون أولنطس وقيل لونطس، ملك ثلاث سنين في أيام عبد الملك ثم زهد في الملك وأظهر العجز عنه فلحق بالدير فترهب.التاسع والعشرون أبسيمر المعروف بالطرسوسي، ملك سبع سنين في أيام عبد الملك فسار أسطنيانس الأخرم ومعه طرفلا ملك برجان منجداً له في جيوش كثيفة فكانت له مع أبسيمر حروب يطول شرحها قد ذكرناها في كتاب أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الداثرة فغلب أسطنيانس على الملك وخلع أبسيمر، وكان ذلك في السنة الأولى من ملك الوليد بن عبد الملك واستوى الأمر له الملك الثاني وهو الثلاثون من ملوكهم وقد كان شرط لطرفلا ملك برجان إذا رجع الملك إليه أن يحمل إليه في كل سنة خراجاً، وكان يفعل ذلك واشتد عسفه للروم وبسط يده في القتل فيهم وأباد كثيراً من رؤسائهم وبطارقتهم فأجمعوا على قتله فقتلوه، فكان ملكه الثاني سنتين ونصفاً الحادي والثلاثون فيلبقوس ملك سنتين وستة أشهر بقية أيام الوليد وهلك في أول سنة من ملك سليمان بن عبد الملك الثني والثلاثون نسطاس بن فيلبقوس ملك ثلاثة أشهر على تحزب كثير واختلاف كلمة ثم خلع ونفي الثالث والثلاثون تيدوس المعروف بالأرمني كان ملكه في السنة التي بويع فيها سليمان بن عبد الملك فبعث إليه سليمان أخاه مسلمة لغزو القسطنطينية براً وبحراً وذلك في سنة 97 وكان في مائة ألف وعشرين ألف مقاتل وكان على أسطول المسلمين في البحر عمر بن هبيرة الفزاري فانضم إلى مسلمة بطريق يعرف بأليون بن قسطنطين المرعشي وضمن له أن يناصحه على أهل القسطنطينية فركن مسلمة إلى ذلك وعبر الخليج وحصر القسطنطينية فوجه أهلها إلى مسلمة يبذلون الفدية فأبى فمكر به أليون واستأذنه في مكاتبة رؤساء الروم والتوسط بينه وبينهم فكاتبهم وسار إليهم، فخلا بالبطريرك صاحب كرسي القسطنطينية ورئيس الديانة وسائر البطارقة أصحاب السيوف وولاة الأعمال فدعاهم إلى أن يملكوه عليهم ليقوم بأمرهم ويصرف مسلمة عنهم وذكر لهم ضعف تيدوس ملكهم عن مقاومته فأجابوه إلى ذلك وعاد إلى مسلمة فأخبره أنهم قد دخلوا في طاعته وسأله التبعد عنهم قليلاً وترك حصارهم ليطمئنوا إليه ففعل ذلك فدخل أليون القسطنطينية فملك ونصب التاج على رأسه، فأمر بنقل ما كان مسلمة أعده من الأقوات لعسكره فأدخل القسطنطينية وبلغ مسلمة ذلك فعلم أنه ممكور به فرجع إلى حصارهم وعاودهم الحرب وعظم البلاء على من مع مسلمة لذهاب أقواتهم وولى عمر بن عبد العزيز على تلك الحال فكتب إلى مسلمة يأمره بالقفول واستحثه على ذلك فقفل بعد كره شديد وخطب طويل وذلك في سنة 100وقد أتينا على شرح هذه الحروب وما كان فيها من الحيل والمكايد في كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف الرابع والثلاثون أليون بن قسطنطين ملك ستاً وعشرين سنة بقية أيام سليمان ابن عبد الملك، وأيام عمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام، وهلك في السنة التي بويع فيها الوليد بن يزيد الخامس والثلاثون قسطنطين بن أليون ملك إحدى وعشرين سنة أيام الوليد ابن يزيد، ويزيد بن الوليد، ومروان بن محمد، وأبي العباس السفاح، وعشر سنين من خلافة المنصور السادس والثلاثون أليون بن قسطنطين ملك سبع عشرة سنة وأربعة أشهر؛ بقية أيام المنصور، وخمس سنين من خلافة المهدي.السابع والثلاثون ريني امرأة أليون بن قسطنطين وتفسير ريني صلاح ثم لقبت بعد ذلك أغسطة وملك معها ابنها قسطنطين بن أليون فلم يزالا ملكين بقية أيام المهدي، وأيام الهادي، وصدراً من خلافةالرشيد.وكانت هي تمضي الأمور والاسم لابنها، وكانت كالمهادنة للمهدي والهادي والرشيد، فلما نشأ ابنها أفسد وتعدى وطغى ونابذ الرشيد ونقض ما كان بينهم من الصلح، فغزاه الرشيد وأوقع به فهرب فكاد أن يؤخذ فلما صار إلى قراره خافت أمه أن يكر عليهم الرشيد وكان طغيان ابنها وقبح سياسته قد ظهر في رعيته حتى سبوه وأنكروه، فاحتالت عليه أمه ليبقى ملكها عليها فأمرت بمرآة فأحميت في حال نومه ثم أنبهته وقابلته بالمرآة ففتح عينيه على غرة فذهب بصره.وكان مدة ملكه مع أمه سبع عشرة سنة وتفردت بالأمر خمس سنين وذلك في أيام الرشيد وهادنت الرشيد وحملت إليه الأتاوة فتطرق بذلك عليها نقفور فأعين وعوضد حتى خلعت وانتزع الملك منها وذلك في سنة 187 وهي في بلاد بنته بالقسطنطينية يعرف بالأبتارو إلى هذا الوقت ولغثيطها الياطس؛ وكان ذا رأي وحزم وسياسة، والبلاط القصر، وفي هذا البلاط مينا عليه سلسة فيه ينزل رسل العرب إذا قدموا للفداء الثامن والثلاثون نقفور بن استبراق ملك سبع سنين وثلاثة أشهر في أيام الرشيد وهلك في أول خلافة الأمين وقيل إنه كان من ولد جفنة من غسان ممن تنصر آباؤه وقيل بل من ولد متنصرة إياد الذين دخلوا في أرض الروم من بلاد الجزيرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبايع لابنه استبراق بالملك بعده ولمي عهد هذا فيمن سلف من ملوك الروم، وكانت كتبه تصدر من نقفور واستبراق ملكي الروم، وكانت ملوك الروم قبله تحلق لحالها، وكذلك ملوك الفرس لأمور قد ذكرناها في غير هذا الكتاب فأبى ذلك نقفور وقال هذا تغيير لخلق البارئ سبحانه، وكانت مرتبته قبل أن يلي الملك لغيثط وهي ولاية ديوان الخراج.وكانت ملوك الروم تكتب على كتبها من فلان ملك النصرانية فغير ذلك نقفور وكتب ملك الروم، وقال هذا كذب ليس أنا ملك النصرانية أنا ملك الروم والملوك لا تكذب، وأنكر على الروم تسميتهم العرب ساراقينوس تفسير ذلك عبيد سارة طعناً منهم على هاجر وابنها إسماعيل، وإنها كانت أمة لسارة وقال تسميتهم عبيد سارة كذب، والروم إلى هذا الوقت تسمي العرب ساراقينوس وكان مقتل نقفور في حرب كانت بينه وبين برجان في سنة 193، وقد أتينا على أخباره مع الرشيد وحروبه لبرجان وقتلهم إياه وغير ذلك من أخباره في كتاب مروج الذهب، ومعادن الجوهر التاسع والثلاثون استبراق بن نقفور بن استبراق ملك شهرين.الأربعون ميخائيل بن جورجس وكان ابن عم نقفور وصهره ملك سنتين في أيام الأمين وقيل أكثر من ذلك فوثب به أليون المعروف بالبطريق وغلب على الأمر وأقام ميخائيل قبله مخفياً أمره، وأشاع هلكه بعد أن ناله بأنواع المكاره.الحادي والأربعون أليون المعروف بالبطريق، ملك سبع سنين وثلاثة أشهر، وذلك بقية أيام الأمين؛ وصدراً من خلافة المأمون، فاحتال صنائع ميخائيل فاستخلصوه فوثب بأليون وهو مغثر فقتله وعاد الملك إليه وقيل إنه في حال غلبة أليون على الأمر ترهب.الثاني والأربعون ميخائيل بن جورجس الملك الثاني ملك تسع سنين في أيام المأمون وقيل أكثر من ذلك وقد أتينا على خبره وما كان من أمره وعوده إلى الملك ثانية في كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر الثالث والربعون توفيل بن ميخائيل ملك أربع عشرة سنة بقية أيام المأمون وأيام المعتصم وصدراً من أيام الواثق، وهو الذي فتح مدينة زبطرة من الثغور الجزرية فخرج المعتصم نافراً غازياً حتى نزل على عمورية فافتتحها وذلك في سنة 223 وكان دخوله من الثغور الشأمية ودخل الأفشين خيذر بن كاوس الأشروسني فيمن كان معه من الأولياء وعمر بن عبيد الله بن مروان الأقطع السلمي صاحب ملطية من الثغور الجزرية فلقيهم الملك توفيل بن ميخائيل فكانت بينهم حروب عظيمة فانكشف الملك وحماه من كان معه من المحمرة والخزمية، ممن كان استأمن إليه من ناحية آذربيجان والجبال لما واقعهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الطاهري وكانوا ألوفاً، ولحق الأفشين بالمعتصم فنزل معه على عمورية وفي ذلك يقول الحسين بن الضحاك الخليع الباهلي في قصيدة له طويلة يمدح أبا الحسن الأفشين.وقد ذكره أبو تمام في قصيدته التي مدح بها المعتصم وذكر فتح عمورية التي أولها: وقال: وقال الحسين بن الضحاك أيضاً: في كلمة له طويلة يخاطب المعتصم. وقال: وإنما ذكرنا هذه الشواهد لأن فريقاً ممن لا علم له بسير الملوك وأيامهم ذهبوا إلى أن المواقع للأفشين والذي فتحت عمورية الكبرى في أيامه هو نقفور الذي كان في أيام الرشيد، وما ذكرنا أشهر وأوضح إذ كان من الكوائن التي يشترك الناس في علمها بسبب شهرتها، واستفاضة أنبائها، ولكن الحاجة دعت إلى الاستشهاد.الرابع والأربعون ميخائيل بن توفيل ملك ثمانياص وعشرين سنة بقية أيام الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين وكانت أمه تدورة تدبر الملك معه ثم أراد قتلها لأمر كان منها، فهربت ولحقت بالدير فترهبت. ونازعه في الملك رجل من أهل عمورية من أبناء الملوك السالفة يعرب بابن بقراط فلقيه ميخائيل وقد أخرج من في سجونه من المسلمين للقتال معه، وقواهم بالخيل والسلاح فظفر باب بقراط فشوه بخلقه ولم يقتله لأنه لم يلبس ثياب الفرفير والخف الأحمر، وقتل ميخائيل بسيل الصقلبي جد قسطنطين بن لاون بن بسيل الملك على الروم في هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهو سنة 345 في خلافة المطيع وكان قتله إياه في سنة 253 في خلافة المعتز وقيل في سنة 252.الخامس والأربعون بسيل الصقلبي ملك عشرين سنة أيام المعتز والمهتدي وصدراً من خلافة المعتمد وكانت أمه صقلبية فنسب إليها فقيل الصقلبي.قال المسعودي: وقد أتينا على خبره وبدء أمره وخروجه من بلده وهو بند تراقية إلى القسطنطينية ملتمساً للرزق طالباً للمعاش وما كان عليه من الشدة والشجاعة والهمة والمعرفة بأمور الخيل، وكيف اتصاله بميخائيل بن توفيل إلى أن صار المدبر لخيله وانتقاله في المراتب إلى أن سمي براكنميس تفسير ذلك المدبر للملك وقيل أن توفيل استحضره لما نمي إليه خبره وخبر الامرأتين اللتين تزوج الملك بأحدهما وزوجه الأخرى إذ كانت شريعتهم تمنع من الجمع بينهما وكان الملك يختلف إليهما، وما توجه لبسيل عليه من الحيلة حتى قتله وصفا له الملك وغير ذلك من أحواله في تاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف السادس والأربعون أليون بن بسيل ملك ستاً وعشرين سنة بقية أيام المعتمد والمعتضد والمكتفي وصدراً من أيام المقتدر، وقيل أن وفاته كانت في سنة 297.السابع والأربعون أخوه الإكصندرس بن بسيل ملك سنة وقيل أكثر من ذلك وقيل إنه اغتيل لسوء سيرته وقبح سياسته.الثامن والأربعون قسطنطين بن لاون بن بسيل ملك وله نحو من ست وسنين وقيل أكثر من ذلك في سنة 301 وغلب على أمره بطريق البحر وصاحب مغازيه رومانوس فقام بأمر الملك وشرط على نفسه شروطاً منها أنه لا يطلب الملك ولا يريده ولا يتسمى به ولا أحد من ولده.وأقام على ذلك نحواً من سنتين. ومن رسوم ملوك الروم ألا يجلس معهم في مجلسهم أحد ولا يلبس خفين أحمرين غيرهم فجعل لأرمانوس أن يجلس معه ويلبس خفاً أحمر والآخر أسود، ثم نقض الشروط وسمى نفسه ملكاً ولبس التاج والثياب الفرفير التي لا يلبسها إلا الملوك وخفين أحمرين وحجر على قسطنطين.ونشأ لأرمانوس أربعة أولاد فخصى الأوسط واسمه توفيلقطس، وجعله خادماً للكنيسة فلما كبر وبلغ مبلغ الرجال جعله بطريركاً وهو ملك الدين والقيم به كما أن الملك صاحب السيف، فهو صاحب كرسي القسطنطينية إلى هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وصاحب الكرسي هو شريك الملك ليس يساوي الملك في الخلق أحداً لا هو، ولا يكفر الملك إلا له، وإذا جلس الملك جلس على كرسي من ذهب وجلس البطريرك على كرسي من حديد فما كان من نفقات الحرب وجباية الخراج وإعطاء الجند فهو إلى الملك، وما كان من أموال الأحباس والوقوف لنفقات الكنائس والديرة والأساقفة والرهبان وما أشبه ذلك من أمر دينهم فهو إلى البطريرك، وله في كل بند عامل مثل عامل الملك، والبطريرك لا يأكل اللحم ولا يطأ النساء ولا يتقلد السيف ولا يركب الخيل وإذا أراد أن يركب ركب حماراً وحول رجليه على جانب مثل ركوب النساء.وكان أولاد أرمانوس الباقون أخرصطفورس، أصطفن، وقسطنطين وكانوا جميعاً يخاطبون بالملك وزوج أرمانوس ابنته النا بقسطنطين فكانت تخاطب بالملكة أيضاً.وولد لقسطنطين الملك منها ولد سماه أرمانوس فهو ولي عهده والمرشح للملك بعده في هذا الوقت وهلك أخرصطفورس وبقي أخواه قسطنطين وأصطفن فلم يزل الأمر على ذلك إلى نحو من سنة 330 للهجرة فواطأ ابنا أرمانوس قسطنطين بن لاون على إزالة أبيهم أرمانوس عن الملك ليصفو لهم الأمر فدخلوا عليه في بعض الأيام في عدة من الناس فقبضوا عليه وأنفذوه إلى دير كان بناه في الجزائر بالقرب من القسطنطينية وأقام ولداه مع قسطنطين نحواً من أربعين يوماً وعملا على الفتك به والاستيلاء على الملك ونذر بما دبراه فسبقهما إلى ذلك فأحضرهما طعامه وقد أعد لهما عدة من خواصه فقبض عليهما ونفاهما إلى جزيرتين في البحر منفردتين ففتك أحدهما وهو قسطنطين بالموكل به ورام من أصحابه وأهل الجزيرة طاعته فقتلوه وحملوا رأسه إلى الملك قسطنطين فأظهر الجزع عليه، وتوفي أرمانوس بعد أربع سنين من ترهبه وبقي أصطفن في هذه الجزيرة إلى هذا الوقت على ما ينمى إلينا من أخبارهم ونحن بفسطاط مصر ممن يرد في المراكب من القسطنطينية من التجار والرسل إلى السلطان بها، وصفا الملك لقسطنطين فبقي في الملك بقية أيام المقتدر والقاهر والراضي والمتقي والمستكفي وإلى هذا الوقت من خلافة المطيع قال المسعودي: وقد ذكرنا في كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف خبر من خرج عليه من الخوارج ونازعه الملك قبل استيلاء أرمانوس عليه وقيامه به كقسطنطين بن أندرونقس الملقب بدوقاس وكان أبوه أندرونقس استأمن إلى المكتفي من ناحية طرسوس وكان صاحب جيش أليون ملك الروم وصار إلى مدينة السلام في سنة 294 وأسلم على يد المكتفي ثم هلك فهرب ابنه هذا على طريق الجبل وأرمينية وآذربيجان فكثر أتباعه والمعاضدون له وصار إلى القسطنطينية ونازع قسطنطين بن أليون على الملك وكاد أن يتم له ثم وثب به صنائع قسطنطين فقتلوه وذلك في سنة 301 وكقرقاس أخي الدمستق بارزوس بن الفقاس المساجل في هذا الوقت لأبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون بن الحارث العدوي عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمر بن غنم بن تغلب صاحب جند حمص وجند قنسرين والثغور الشأمية والجزيرة وديار مضر وديار بكر والمواقع له مرة بعد أخرى، وكان قرقاس طلب الملك وطمع فيه فقبض عليه وسمل وقد أتينا على سير هؤلاء وأخبارهم وحروبهم مع سائر الأمم وما بنوا من المدن وكورواً من الكور وشيدوا من الهياكل حين كانوا على الحنيفية والكنائس حين دانوا بالنصرانية وما كان من الكوائن والأحداث في أيامهم ودياناتهم ووجوه سياساتهم إلى هذا الوقت والتنازع في أعدادهم وما ملكوا من السنين وما كان بينهم وبين ملوك الفرس وغيرهم من الأمم من الحروب والوقائع والزحوف والحيل والمكايد وما كان بينهم وبين خلفاء المسلمين وملوكهم من المغازي والوقائع المشهورة في البر والبحر وأخبار الرسل والوفود بينهم والمهادنات والأفدية وغير ذلك، والتنازع في أنساب الروم وما قيل في وما يذهب إليه بعض ذوي المعرفة منهم والدراية في هذا الوقت من أنهم ولد رومي ابن لنطي بن يونان بن نويه بن سرجون بن بزنط بن توفيل بن رومي بن الأصفر بن أليفز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم فسموا باسم جدهم وأضيفوا إليه ومن قال منهم أنهم من ولد روم بن سملاحين بن هريا بن علقا بن العيص ابن إسحاق بن إبراهيم وغير ذلك من الأقاويل في كتاب أخبار الزمان، ومن أباده الحدثان، من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الداثرة في الكتاب الأوسط وفي النسخة الأخيرة من كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر التي قررنا أمرها في هذا الوقت المؤرخ به كتابنا وهي أضعاف ما تقدم من النسخ وفي كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف وفي كتاب ذخائر العلوم وفي كتاب الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار الذي كتابنا هذا تال له ومبني عليه وقد خصصنا كل كتاب منها من أخبارهم بما لم نخصص به الآخر إلا ما لا يسع تركه، وإنما ذكرنا في هذا الكتاب جملاً وجوامع استذكاراً لما تقدم وقد قدمنا في أول أخبار الروم من هذا الكتاب أن عدة ملوك الروم ثمانية وسبعون ملكاً من الصابئين والمتنصرة قبل الإسلام وبعده وأن مدة سنيهم إلى ملك قسطنطين هذا تسعمائة سنة وست وستون سنة وشهر وفصلنا ما ملكه الصابئون والمتنصرة.فإذ قد ذكرنا الروم وأنسابهم وتأريخ سنيهم وطبقات ملوكهم إلى وقتنا هذا فلنذكر الآن حدود بلادهم وبنودهم وما يتصل منها بالبحار وما لا يتصل. |