فصل: مسألة قال امرأته طالق إن كانت هذه الطريق فأقاموا حتى أصبحوا فإذا هم على غير الطريق:

مساءً 9 :1
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
11
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يسلف في الطعام إلى أجل ويحلف له البائع بالطلاق ليقضينه إلى الأجل:

وعن الرجل يسلف في الطعام إلى أجل، ويحلف له البائع بالطلاق ليقضينه إلى الأجل الذي يسلفه إليه، ثم يسلفه صفقة هو ورجل آخر، فيقضيه عند أجل الصفقة الأولى التي حلف له فيها، وشريكه غائب، فلما قدم أنكر، وقال: لا يجوز أن تقضي منه شيئا دوني، والذي اقتضيت منه بيننا، أيبر الحالف، ويجوز لهذا ما اقتضى أم لا؟
قال: أرى ما اقتضى يمضى، على كان وجب للمحلوف له من تسليفه الذي اختص به، وعلى الصفقة الأخرى التي له ولشريكه على قدر ما كان على الغريم من ذلك الدين، ويكون للمحلوف له بقدر ما يصير لدينه الذي وجب له خاصة، ويكون لشريكه وله بقدر ما يصير للدين الذي كان لهما على الغريم يقتسمانه، ولا يكون له ما اقتضى خالصا دون أن يحاص فيه شريكه على ما فسرت لك، ولا يبرأ الحالف؛ لأنه لم يدفع إلى المحلوف جميع حقه عند الأجل.
قال محمد بن رشد: ذكر ابن زيد هذه المسألة في النوادر، وقال فيها: إن قوله عند أجل الصفقة الأولى غلط في النقل، قال: ورأيت في بعض النسخ من المجموعة، فأعطاه عند الأجل عدد الصفقة الأولى قال: وهذا أصح، ولم يفسر عم دفع؟ فقسم على الصفقتين، وقول ابن أبي زيد: وهذا أصح، معناه وهذا الصحيح؛ إذ لا يصح معنى المسألة إلا على ذلك، وقوله: ولم يفسر عم دفع صحيح، إذ لو تبين أنه إنما يدفع إليه ذلك العدد على الصفقة الأولى لما كان لشريكه عليه في ذلك دخول، وأبرأ الحالف في يمينه، وأما قوله فقسم على الصفقتين، فإنه اتبع به ظاهر ما في الرواية، وليس ذلك بصحيح على ما نذكره بعد، وقد رأيت لابن دحون في هذه المسألة أنه قال فيها: هي وهم، وإن كان الطعام كله إلى أجل واحد؛ لأنه لو كان لرجلين على رجل دين بينهما، ولأحدهما دين مفرد، والأجل سواء فقضى الذي له الدين المفرد لم يكن للآخر كلام إلا أن يكون مفسرا، فيكون له كلام على اختلاف في ذلك، وقول ابن دحون: فقضى الذي له الدين المفرد لم يكن للآخر كلام فهو الوهم، فليست المسألة بوهم في إيجاب الحنث، وإنما هي وهم في صفقة القبض لا في القبض؛ إذ الصواب أن يفض ما اقتضى على ما كان وجب للمحلوف له من تسليفه الذي اختص به، وعلى ما يجب من الصفقة الأخرى دخل معه فيه الشريك، وحنث الحالف؛ إذ لم يصح للقابض جميع حقه قبل الأجل، وهذا بيّن، والله سبحانه أعلم.

.مسألة يحلف للرجل بطلاق امرأته ليقضين رجلا حقه يوم الفطر:

ومن كتاب الصلاة:
وسئل عن الرجل يحلف للرجل بطلاق امرأته ليقضين رجلا حقه يوم الفطر، وهو من بعض أهل المياه، فأفطر واليوم السبت، وقضاه ذلك اليوم ثم جاء الثبت من أهل الحاضرة أن الفطر كان يوم الجمعة، قال: سمعت مالكا يقول: هو حانث.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة على أصل المذهب، في أن من حلف ألا يفعل فعلا ففعله مخطئا أو جاهلا أو ناسيا يحنث؛ لأن يمينه تحمل على عموم لفظه في جميع ذلك إلا أن يخص بنيته شيئا من ذلك، فتكون له نيته مثال ذلك في الخطأ والجهل أن يحلف الرجل ألا يكلم رجلا، فيكلمه جاهلا به، يظن أنه غيره، وقد مضى القول في ذلك، في رسم سلف، من سماع عيسى، وكذلك هذا لا ينتفع بجهله أن يوم الجمعة كان يوم الفطر إلا أن تكون له نية تخرجه من الحنث في ذلك، وإنما مثل ذلك أن يحلف الرجل ليقضين رجلا حقه يوم كذا، فيمر ذلك اليوم، وهو يظن أنه لم يأت بعد، وبالله التوفيق.

.مسألة يستحلف غريمه بالطلاق فيقول إنما نويت واحدة وقد حنث في ظاهر أمره:

وقال في الذي يستحلف غريمه بالطلاق، فيقول: إنما نويت واحدة، أو قال: قد استثنيت سرا، وحركت به لساني، وقد حنث في ظاهر أمره: إن الطلاق يلزمه بما استحلف عليه، فقيل له: ففيم بينه وبين الله تعالى ماذا ترى عليه؟ قال: لا شيء عليه، قال: وإن حلف بالمشي، أو بالهدي، أو بالله، أو بيمين ليس طلبها إلى العباد، وإنما عليه الكفارة فيما بينه وبين الله، دين عليه ذلك ونواه، ونفعه استثناؤه، ولم يضره ما نوى المستحلف إن حلف بالمشي إلى بيت الله، فقال: نويت مسجدا من مساجده نوى ذلك، وإن حلف بالله فقال:
قد استثنيت سرا، وحركت به لساني، نوى ذلك، ولم يكن عليه شيء.
وهذا وما أشبهه مخالف للطلاق والعتق وما أشبههما.
قال ابن القاسم: وكل ما وصفت لك من تفسير صور هذه المسألة، فإنما ذلك إذا أحلفه غريمه، فأما إذا تطوع له باليمين من غير أن يسأله ذلك الغريم، ولا أن يلجأه إليه، فكل ما حلف به فهو يلزمه على ما أظهر، وهو لا ينفعه ما أسر من لغز ولا استثناء، لا في المشي إلى بيت الله، وفي نذر، ولا في شيء مما يحلف به متطوعا.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يستحلف غريمه بالطلاق فيقول: إنما نويت واحدة، أو استثنيت سرا، وحركت لساني: إن الطلاق يلزمه بما استحلف عليه، هو مثل ما مضى في قوله في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، ومثل قول ابن الماجشون وسحنون أن اليمين على نية المستحلف، لا على نية الحالف، خلاف قول مالك في رسم البز، من سماع ابن القاسم، وقول ابن وهب في سماع زونان عنه، الواقع عنه، وفي رسم حمل صبيا أيضا، من سماع عيسى.
وتفرقته في هذا بين ما يقضي عليه به، وما لا يقضى عليه به، هو مثل ما له في سماع أصبغ في كتاب النذور، وأما قوله: إنه إذا تطوع له باليمين من غير أن يسأله ذلك، فلا ينفعه ما أسر من لغز أو استثناء في شيء من الأشياء، بخلاف إذا سأله ذلك واستحلفه، فهو مثل قوله في رسم أوصى، من سماع عيسى، في كتاب النذور، وخلاف قوله، في سماع أصبغ منه، وهذه مسألة تتفرع إلى وجوه، والاختلاف فيها كثير قد مضى تحصيله في رسم شك في طوافه، من سماع ابن القاسم، من كتاب النذور، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة قال الغريم امرأتي طالق البتة إن كنت لم أدفع إليه حقك:

وقال في الرجل يأمر غريما له أن يدفع ما له عليه إلى وكيل له، ثم سأله بعد أيام فقال: قد دفعت إلى وكيلك ما أمرتني، فقال: قد كتب إلي وكيلي أنه لم يقبض منك شيئا، فقال الغريم: امرأتي طالق البتة إن كنت لم أدفع إليه حقك، وقال الطالب: امرأتي طالق إن كنت دفعت إليه شيئا.
قال: أما المطلوب فينوى في يمينه، ولا يبرأ من الحق إلا ببينة على الدفع، وأما الطالب فحانث من عاجل أمره؛ لأنه حلف على غيب لا علم له به، ولا يجوز للإمام أن يقر امرأته عنده، وقد تبين أنه حلف على غير علم، ولا يقين من شأن الذي حلف عليه.
وقال القاضي رَحِمَهُ اللَّهُ: قوله: ولا يجوز للإمام أن يقر امرأته عنده؛ من أجل أنه حلف على ما لا يستيقنه، وإن كان لم يرم بذلك مرمى الغيب، وإنما غلب ذلك على ظنه؛ لصدق وكيله عنده هو على ما مضى تحصيل القول فيه في رسم يوصي، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله التوفيق.

.مسألة له امرأتان فيحلف بطلاق إحداهما لأنكحن عليها:

وسئل عن الرجل تكون له امرأتان، فيحلف بطلاق إحداهما: لأنكحن عليها، ويحلف للأخرى بطلاقها ألا ينكح عليها، فينكح عليها امرأة، ويمسها، فإذا هي أخته من الرضاعة.
قال: يفرق بينه وبين أخته من الرضاعة، ولا يعد نكاحها نكاحا فيما رجا من البر، فيما حلف لإحدى امرأتيه لينكحن عليها، وعليه أن ينكح عليها أخرى نكاحا حلالا ثابتا على غير تحليل، ولا من ذوات المحارم من نسب ولا رضاعة، قال: وأما الذي حلف بطلاقها ألا ينكح عليها فقد حنث فيها، وهي طالق بما حلف واحدة فأكثر من ذلك؛ لأنه قد نكح عليها، وهو مجمع على حنثه فيما حلف به بطلاقها.
قلت له: أرأيت هذا الذي يحلف بطلاق امرأته لينكحن عليها إن نكح عليها امرأة في عدتها ومسها، أو في غير عدتها ومسها في الحيضة ثم طلقها؟ قال: لا يبر بنكاح واحدة منهما، ولا يعد مسيس ما لم يحله الله مسيسا، ولا يبر حتى ينكح نكاحا حلالا، ويمس مسيسا حلالا.
قال محمد بن رشد: هذا كله صحيح لا اختلاف فيه في المذهب على أصولهم في أن الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وقد مضى القول على هذا المعنى في مواضع، من ذلك رسم استأذن، وأول رسم لم يدرك، ورسم إن خرجت، من سماع عيسى، وبالله التوفيق.

.مسألة يشترط عليه عند النكاح إن تزوج عليها فهي طالق ويتزوج عليها:

وقال في الرجل يشترط عليه عند النكاح إن تزوج عليها فهي طالق، ويتزوج عليها، ويقول: إنما أردت واحدة، ويقول: ما اشترطت إلا لأكون طالقا البتة: إنه لا يقبل قوله، وهي البتة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الرهون، من سماع عيسى، من كتاب النكاح، وفي رسم استأذن، من سماع عيسى، من كتاب التخيير والتمليك؛ فليتأمله من أحب الوقوف عليه هنالك، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته أنت طالق البتة إن سألتني الطلاق إن لم أطلقك فسألته:

وقال في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق البتة إن سألتني الطلاق، إن لم أطلقك، فسألته الطلاق فقال: أمرك بيدك، فقضت بالطلاق أو تركته: إن ذلك لا يخرجه من يمينه، وقد حنث بالذي حلف به من الطلاق واحدة، أو أكثر منها؛ لأنها حين سألته الطلاق لم يطلقها كما حلف، وليس يكون التمليك طلاقا أبدا، وربما ردت ذلك المرأة، ولم تقض شيئا فأراه حانثا.
قال: أرأيت إذا لم يقل: إن سألتني الطلاق فلم أطلقك ساعتئذ فأنت طالق، فأحب أن يؤخر ذلك أياما، فقال: أنا أطلقها يسوف نفسه يوما بيوم، أيكون ذلك له؟ قال: لا يجوز له تأخير ذلك عن مجلسها الذي سألته الطلاق فيه، فإن أخر ذلك حنث.
قال محمد بن رشد: سحنون يقول: إنها إن طلقت نفسها بر، وإن لم تطلق نفسها حنث، ولا كلام في أنها إذا لم تطلق نفسها ولا طلقها هو حتى انقضى المجلس الذي سألته فيه الطلاق فقد حنث، وإنما الكلام إذا طلقت نفسها بالتمليك، أو ردت فطلقها هو في الحين، فقول ابن القاسم: إنه حانث صحيح، إن كان ملكها، ونيته أنها إن ردت بقيت زوجة له، وقول سحنون: لا حنث عليه صحيح أيضا إن كان ملكها، ونيته أن يطلقها إن ردت ولم تطلق، فحصل من هذا أن الخلاف بينهما إنما هو على ما يحتمل أمره إن لم تكن له نية، والله أعلم.
وقوله: إنه لا يجوز له تأخير ذلك عن مجلسها الذي سألته الطلاق فيه، فإن أخر ذلك حنث صحيح، وقد مضى ما يبينه في أول مسألة من رسم إن أمكنني، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وفي سماع أبي زيد أنه لو قال: لأعطينها أو للألحفنها، لبر بتمليكه إياها، إلا أن يكون أراد بذلك لأطلقنها، وهو صحيح، ليس بخلاف؛ لقوله هاهنا، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف بطلاق كل امرأة ينكحها بمصر ثم يحلف بطلاق كل امرأة ينكحها في غير مصر:

وقال في الذي يحلف بطلاق كل امرأة ينكحها بمصر، ثم يحلف بعد ذلك بطلاق كل امرأة ينكحها في غير مصر، أنه لا بأس أن ينكح في غير مصر لا ينكح بمصر، ألا ترى أن يمينه الأولى تلزمه، ولا يكون له أن يخرج نفسه مما قد كان وقع عليه من تحريم النكاح عليه بمصر الأولى، بأن يقول بعد تلك اليمين: كل امرأة أنكحها في غير مصر طالق، يريد حين عم البلدان أن يكون في سعة، كمن يقول: كل امرأة أنكحها في جميع البلدان فهي طالق، فليس ذلك له، ولكن يمينه الأولى تلزمه، والأخرى التي ضيق بها على نفسه، وعم بها تحريم النكاح كله على نفسه موضوعة عنه، ينكح في أي البلدان إن شاء ما عدا مصر.
قال: ولو قال: كل امرأة أنكحها في غير مصر طالق، فلما أراد أن يضع يمينه عن نفسه قال أيضا: كل امرأة أنكحها بمصر طالق، فإن ذلك غير نافع له فيما كان ألزمه نفسه من اليمين الأولى، ليس له أن ينكح في غير مصر، ويمينه الثانية موضوعة عند، ولا بأس أن ينكح بمصر ما بدا له من النساء.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم الرهون، من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة يقول إني حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلانا فجاء قوم يشهدون أنهم حضروه يكلم ذلك الرجل:

وفي كتاب يشتري الدور والمزارع للتجارة وقال في الرجل: يقول: إني حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلانا، فجاء قوم يشهدون أنهم حضروه يكلم ذلك الرجل بعدما كان أقر أنه حلف ألا يكلمه، فقال: امرأتي طالق إن كنت حلفت، وما كان الذي قلت إلا كذبة كذبتها، ولقد كلمت فلانا، وما علي يمين بطلاق ولا غيره ألا أكلمه.
قال: يحنث ولا يدين؛ لأن الفعل الذي أقر ألا يفعله قد ثبت عليه أنه فعله بعد إقراره باليمين التي زعم أنه حلف بها ألا يفعل ذلك الفعل، قال: ومن قال: لقد كلمت اليوم فلانا، أو أتيت فلانا، أو أكلت طعاما كذا وكذا، ثم عوتب في بعض ذلك فقال: امرأته طالق إن فعل شيئا من ذلك، فإنه يدين ويحلف بالله ما فعل الذي حلف أنه لم يفعله مما كان زعم أنه قد كان فعله، وأنه إنما كان كذب أولا، ثم لا حنث عليه إلا أن تقوم عليه بينة بعد يمينه بالطلاق، أنه لم يفعل ذلك الشيء، فشهدت البينة أنه فعله قبل أن يحلف فيحنث، أو يقر بعد يمينه أنه كان فعله، فيلزمه أيضا الحنث بإقراره.
قال: ومن شهد عليه قوم بحق لرجل أو أنه فعل شيئا ينكره، فقال بعد شهادتهم عليه: امرأته طالق إن لم يكونوا شهدوا عليه بزور، وما كان لفلان قبلي شيء، وما فعلت الذي شهدوا به علي، وإلا فامرأته طالق، فإنه يدين ويحلف أنهم كذبة في شهادتهم، ويحبس عن امرأته، فإن أقر بتصديق الشهداء أو جاء آخرون فشهدوا على تصديق شهادة الأولين الذين حلف بتكذيبهم حنث في يمينه، قال: وكذلك لو حلف بالطلاق إن كان لفلان عليه كذا وكذا، وإن كان كلم اليوم فلانا، فشهد عليه عدول بإثبات الحق، أو أنه كلم ذلك الرجل، فإن الحنث يلزمه.
قال محمد بن رشد: هذه المسائل كلها صحاح، وأصلها في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، وتكررت في أول سماع ابن القاسم، من كتاب الشهادات، ولا اختلاف أحفظه في شيء منها، وتلخيصها أن اليمين على الفعل بالطلاق كان ببينة أو بإقرار، إذا تقدم على الإقرار بالفعل أو الشهادة عليه به طلقت عليه امرأته، وإن تقدم الإقرار منه بالفعل أو الشهادة به عليه على اليمين كان ببينة أو بإقرار لم يطلق عليه.
والفرق بين أن يتقدم اليمين على الفعل، أو الفعل على اليمين هو أن اليمين إذا تقدم ببينة أو إقرار، فقد لزم حكمه، ووجب ألا يصدق في إبطاله، وإذا تقدم الفعل ببينة أو بإقرار لم تثبت اليمين بتكذيب ذلك حكم إذا لم يقصد الحالف إلى إيجاب حكم الطلاق الذي حلف به على نفسه، وإنما قصد إلى تحقيق نفي ذلك الفعل، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون عليه الحق لرجل فيحلف له بالحرية أو بالطلاق ليقضينه إلى أجل كذا وكذا:

وسئل عن الذي يكون عليه الحق لرجل، فيحلف له بالحرية أو بالطلاق؛ ليقضينه إلى أجل كذا وكذا إلا أن ينظره صاحب الحق، فيريد المطلوب بالحق سفرا، فيسأل صاحبه أن يؤخره عن الأجل خوفا من أن يحل الأجل الذي حلف ليقضينه إليه، إلا أن ينظره وهو غائب في سفره، فيقول صاحب الحق له: قد أنظرتك قدر ما تقيم في سيرك ورجوعك إلى البلد الذي أخبرتني أنك تريده، وبعد رجوعك إلينا بعشرين يوما فتوجه الغريم، يريد سفره، فتتصعب عليه الطريق، ويخاف اللصوص، فيرجع إلى بلده تاركا لسفره لما حدث في الطريق من الخوف، فيحل الأجل أيلزمه أن يقضيه عند حلوله إن لم ينظره نظرة يبتدئها، أم يحنث بما كان أنظره حين أراد الخروج؟ قال: أرى تلك النظرة تسقط عنه؛ لتركه ذلك السفر الذي من أجله كانت النظرة فيه، وفيه كان وجه الطلبة، وعليه أن يستنظره نظرة يحددها له، وإلا حنث إن لم يقضيه عند الأجل.
قيل له: فالعشرين يوما التي وسع عليه فيها بعد رجوعه من سفره، أتكون له إذا لم يخرج؟ قال: لا، لو كانت تكون له لكان له أن يقدر قدر مسيره ورجوعه فيوسع عليه فيه، بل أرى كل ما كان من النظرة بسبب ذلك السفر قد سقط بتركه الخروج.
قلت: أرأيت إن كان رجوعه لغير إقامة، وهو يسعى جاهدا في أن يمضي لسفره، وينتظر خروج جماعة وكتيف من الناس، ليقوى على ما خافوا من اللصوص، فهو في ذلك حتى حال الأجل، أيجوز له أن يتهيأ للخروج بعد حلول الأجل أن يمضي النظرة التي كانت سبقت، أم يلزمه الغريم إن أبى أن ينظره؟
قال محمد بن رشد: قوله: إن النظرة التي أنظره بسبب السفر تسقط بتركه السفر صحيح؛ لأنه إنما أنظره من أجل السفر الذي أخبره أنه يريد، فصار السفر شرطا للنظرة وعلة لها، فوجب أن تسقط بسقوطه بمنزلة أن لو قال له: قد أنظرتك إن سافرت هذا السفر الذي تذكره، وذلك نحو قول سحنون في جامع البيوع، في الذي يبتاع العبد، أو البعير فيابق العبد، ويشرد البعير، فيستوضع البائع، ثم يجده بعد ذلك: إن الوضيعة تسقط عن البائع، ولم يجب على الذي تأخر سفره بسبب ما حدث في الطريق حتى حل الأجل من غير أن يتركه أو يرجع بنيته عنه، والجواب في ذلك أن يكون له النظرة إن خرج في سفره، إلا قدر ما تأخر بسبب ما عرض من التعذر في الطريق، ومثال ما يعرف به ذلك أن ينظره، فإن كان بينه وبين حلول الأجل يوم، استنظره شهر أو مقدار ما يغيب في سفره الذي استنظره بسببه ثلاثة أشهر، فلم يخرج حتى حل الأجل بمضي شهر أن يكون له من النظرة ما بقي من الثلاثة الأشهر، وذلك شهران والعشرون يوما، فإن لم يقضه إلى شهرين والعشرين يوما حنث، فيوكل عند خروجه وكيلا يقضيه قبل انقضاء هذه المدة؛ لئلا يحنث، ومن حق صاحب الدين أن يأخذ منه حميلا بذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول كل امرأة أتزوجها إلا فلانة فهي طالق:

ومن كتاب المكاتب:
قال: وسألته عن الرجل يقول: كل امرأة أتزوجها إلا فلانة فهي طالق، وتلك المرأة متزوجة أو غير متزوجة.
فقال: ينكح ما بدا له. من النساء، ولا حنث عليه، قال: وسمعت مالكا يقول: إنما هي عندي بمنزلة الرجل، يقول: إن لم أنكح فلانة، فكل امرأة أنكحها طالق، فلا أرى عليه بأسا أن ينكح ما بدا له، قلت: فإن كان قال: كل امرأة أنكحها طالق إلا فلانة وفلانة وفلانة يسمي عشرا، أو نحو ذلك ألا ترى أن ينكح إلا واحدة منهن، قال: أما التسمية اليسيرة التي ليس فيهن سعة في النكاح، فكأنه حرم على نفسه نكاح غيرهن، وهو لا يجد إلى غيرهن سبيلا، فلا أرى عليه بأسا، أن ينكح غيرهن إن أمكنه ذلك، وكان من نكاحهن في سعة، فلا ينبغي له أن ينكح إلا منهن، فإن تعداهن فينكح من غيرهن حنث بما سمى من الطلاق.
قال محمد بن رشد: إنما لم يلزمه على مذهبه شيء إذا عم أو لم يبق إلا عددا يسيرا يمكن إلا يزوجوه، ولا يرضوا به؛ لقول الله عز وجل: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]، وقوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]، فإذا لم يترك لنفسه مدخلا في الحلال، لم يلزمه ما عقد على نفسه، وقد مضى من القول على هذه المسألة في رسم الجواب، ورسم باع شاة، من سماع عيسى، ما فيه كفاية، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول امرأته طالق إن لم يكن فلان يعرف هذا الحق يدعيه:

قال: وسألته عن الرجل يقول: امرأته طالق إن لم يكن فلان يعرف هذا الحق يدعيه، فسئل الذي ادعى عليه الحق فيقول: امرأته طالق إن كان يعرف له فيه حقا قال: يدينان جميعا، ثم لا يحنث واحد منهما.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة في كتاب الأيمان بالطلاق، وكتاب العتق الأول أنهما يدينان ولم يذكر يمينا، وروى محمد بن يحيى الشيباني عن مالك أنهما يدينان جميعا ولا يحلفان، وروى عيسى، عن ابن القاسم أنهما يدينان في ذلك ويحلفان، ومثله مضى في رسم الطلاق الأول، من سماع أشهب نحو هذه المسألة، وموضع هذا الاختلاف إنما هو إذا طولبا بحكم الطلاق، وهو جار على اختلافهم في لحوق أيمان التهمة في التداعي، وأما إذا أتيا مستفتيين غير مطلوبين، فلا وجه لليمين في ذلك، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة من على أخيه بفاكهة جنانه فحلف أخوه بالطلاق ألا يدخل تلك الجنان وباعه الأخ:

وسألته عن الرجل من على أخيه بفاكهة جنانه، فحلف أخوه بالطلاق ألا يدخل تلك الجنان، وباعه الأخ، أيدخل الحالف الجنان إذا صارت لغير الأخ الذي من على الحالف بفاكهتها؟ فقال: إذا دخلها حنث كانت لأخيه أو لغيره، وذلك أنه أبهم يمينه فقال: هذه الجنان، فلا يجوز له دخولها أبدا، ولو كان قال: إن دخلت جنانك، لم يكن بدخوله بأس إذا صارت لغيره، قال: إلا أن يخرب حتى يصير طريقا للعامة ليس فيها جنان، ولا يحمى المرور فيها على أحد، فإن سلكها مارا، فلا حنث عليه، قال: وكذلك الذي يحلف ألا يركب دابة رجل، فيقول: إن ركبت هذه الدابة، ولا يقول: دابتك، فلا يجوز له ركوبها، وإن صارت لغيره، وكل ما أشبه هذه الوجوه فهو مثل ما فسرت لك.
قال محمد بن رشد: فرق ابن القاسم في هذه الرواية بين أن يحلف ألا يدخل جنانه، أو ألا يدخل هذه الجنان، فرأى أن الجنان يتعين بالإشارة إليه، فيحنث إن دخله بعد أن خرج من ملك المحلوف عليه، إلا أن ينوي ما دام في يديه، ولا يتعين بإضافته إلى المحلوف عليه، فلا حنث إن دخله بعد أن خرج من ملكه، وذلك مثل ما في المدونة خلاف ما مضى في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، وقد مضى القول على ذلك هنالك.
وحكى ابن دحون أنه وقع في هذه المسألة في بعض هذه الكتب مر على أخيه بفاكهة جنانه بالراء قال: فإذا كان بالراء، فسواء قال في يمينه هذه الجنان أو جنانك يحنث كلما دخلها، وإن خرجت من ملكه أنه لم يتقدم بساط مِن منّ، فيحمل عليه إذا خرجت عن ملكه، فكأنه ذهب إلى أنه إنما فرق في هذه الرواية بين أن يقول: جنانك، أو هذه الجنان من أجل أنه من عليه بفاكهة الجنان، ولو لم يمن عليه بها لساوى بين ذلك، كما فعل في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، وليس ما ذهب إليه في ذلك بشيء؛ لأن الذي ثبت في الرواية إنما هو التفرقة بين أن يقول جنانك، أو هذه الجنان، كانت الرواية بالراء أو بالنون، فدل ذلك على أنه لم يعتبر المن من غير المن، وإنما اعتبر ما يتعين به الجنان من الألفاظ، مما لا يتعين به منها، فبان أن قوله فيها مثل ما في المدونة خلاف ما مضى في سماع عيسى.
وقوله أيضا: إنه إذا كان بالراء يحنث كلما دخلها غلط؛ لأن الحنث لا يتكرر عليه، وإنما يحنث بدخوله مرة، ثم لا حنث عليه إن دخله بعد ذلك ثانية على المشهور المعلوم في المذهب، وقد مضى القول في ذلك على المشهور المعلوم في المذهب، وقد مضى القول في ذلك في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى وغيره، وبالله التوفيق.

.مسألة قال امرأته طالق إن كانت هذه الطريق فأقاموا حتى أصبحوا فإذا هم على غير الطريق:

ومن سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب وقال في رجل صاحب قوما، فجن عليهم الليل، فقال لهم الرجل: يا قوم، إنكم أخطأتم الطريق التي تريدون إلى البلدة التي خرجتم إليها، فقالوا: لا، فقال: امرأته طالق إن كانت هذه الطريق، فأقاموا حتى أصبحوا، فإذا هم على غير الطريق التي خرجوا فيها، إلا أنها طريق إلى البلدة التي يريدون إليها.
فقال سحنون: لا حنث عليه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه قد تبين أنهم أخطئوا الطريق التي كانوا عليها، وعلى ذلك حلف لا على أنهم على طريق إلى غير البلدة التي خرجوا إليها، وبالله التوفيق.

.مسألة وقع بينه وبين امرأته كلام وكان يريد سفرا فقالت له لا تبرح فقال أنت طالق:

وسئل سحنون عن رجل حلف بطلاق امرأته، وذلك أنه وقع فيما بينه وبين امرأته كلام، وكان يريد سفرا، فقالت له: لا تبرح، فقال: أنت طالق، إن لم أسافر، ولا رجعت حتى أستغني.
فقال: أما إذا أفاد من المال قدر مائتي درهم، وكانت المائتا درهم غنى لمثله، ولم يكن عليه من الدين ما يفترقها، ووجبت عليه فيها الزكاة، فقد بر، وليرجع إن أحب.
قال محمد بن رشد: إنما حد في هذا مائتي درهم؛ لأن من ملك من المال ما تجب عليه فيه الزكاة فهو ممن يقع عليه اسم غني؛ بدليل أن الله تعالى أمر أن تؤخذ الصدقة من الأغنياء، فترد على الفقراء، وشرط أن تكون مايتا درهم غنى لمثله، يريد في حقه مؤنته، وقلة عياله؛ لأنه إذا كان كثير المؤنة، كثير العيال، يكون من الفقراء في أيسر مدة، ويذهب عنه الغنى ويرتفع عنه اسمه، ولم يقصد الحالف بقوله: حتى أستغني إلا غنى ينتفع بتماديه معه، واستطاعته به على زمانه، وقوله: قدر مائتي درهم، ولم يقل مائتي درهم يدل على أنه لو قدم بعروض للتجارة قيمتها مائتا درهم ولا دين عليه، هي غنى لمثله، لبر بذلك وكأن له أن يرجع؛ لأن العروض للتجارة تجب فيها الزكاة، فلا فرق بينها وبين العين في البر بها، قال سحنون في كتاب ابنه: وإن قدم بعرض يساوي عشرين دينارا، فليس ينجيه من الحنث ذلك إلا أن يكون عرضا كثيرا، وقد يأخذ الزكاة من له العروض من خادم ودار، إلا يكون عرضا كثيرا جدا، وإن قدم بعشرين دينارا أو مائتي درهم حصل ممن تجب عليه الزكاة، وإن كان ذا عيال، ومعنى ذلك عندي إن كانت العروض التي قدم لغير التجارة أو للتجارة، وهو غير مدير؛ لأنه إذا لم يكن مديرا فليس ممن يجب عليه الزكاة في عروضه، فلا يسمى غنيا، وإن كانت الصدقة لا تحل له بسبب ما له من العروض، إلا أن تكثر عروضه، وأما إذا كان مديرا، فلا فرق بين أن تكون له مائتا درهم، أو يكون له قدرها من العروض في استحقاقه لاسم الغني، فعلى هذا التأويل يتفق قوله في سماعه هذا مع ما له في كتاب ابنه، ولا يكون متعارضا، وبالله التوفيق.