الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
ما تقدم أيضا زكاة مال؛ لأن المال كما روي عن محمد كل ما يتملكه الناس من نقد وعروض وحيوان وغير ذلك إلا أن في عرفنا يتبادر من اسم المال النقد والعروض وقدم الفضة على الذهب في بعض المصنفات اقتداء بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم. (قوله: يجب في مائتي درهم وعشرين مثقالا ربع العشر)، وهو خمسة دراهم في المائتين، ونصف مثقال في العشرين، والعشر بالضم أحد الأجزاء العشرة وإنما وجب ربع العشر لحديث مسلم: «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة» والأوقية أربعون درهما كما رواه الدارقطني ولحديث علي وغيره في الذهب وعبر المصنف بالوجوب تبعا للقدوري في قوله الزكاة واجبة قالوا: لأن بعض مقاديرها وكيفياتها ثبتت بأخبار الآحاد وقد صرح السيد نكركان في شرح المنار أن مقادير الزكوات ثبتت بالتواتر كنقل القرآن وأعداد الركعات، وهذا يقتضي كفر جاحد المقدار في الزكوات قيد بالنصاب؛ لأن ما دونه لا زكاة فيه ولو كان نقصانا يسيرا يدخل بين الوزنين؛ لأنه وقع الشك في كمال النصاب فلا يحكم بكماله مع الشك كذا في البدائع. (قوله: ولو تبرا أو حليا) بيان لعدم الفرق بين المصكوك وغيره كالمهر الشرعي، وفي غير الذهب والفضة لا تجب الزكاة ما لم تبلغ قيمته نصابا مصكوكا من أحدهما؛ لأن لزومها مبني على المتقوم، والعرف أن تقوم بالمصكوك، وكذا نصاب السرقة احتيالا للدرء قال في ضياء الحلوم التبر الذهب والفضة قبل أن يصاغا ويعملا وحلي المرأة معروف وجمعه حلي وحلي بضم الحاء وكسرها قال تعالى: {من حليهم} يقرأ بالواحد والجمع بضم الحاء وكسرها ا هـ. والمراد بالحلي هنا ما تتحلى به المرأة من ذهب أو فضة، ولا يدخل الجوهر واللؤلؤ بخلافه في الأيمان فإنه ما تتحلى به المرأة مطلقا فتحنث بلبس اللؤلؤ أو الجوهر في حلفها لا تتحلى ولو لم يكن مرصعا على المفتى به ودليل وجوب الزكاة في الحلي أحاديث في السنن منها: «قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة لما تزينت له بالفتخات أتؤدين زكاتهن قالت لا قال هو حسبك من النار» والفتخات جمع فتخة، وهي الخاتم الذي لا فص له، وفي المعراج وأما حكم الزكاة في الحلي والأواني يختلف بين أداء الزكاة من عينها وبين أدائها من قيمتها مثلا له إناء فضة وزنه مائتان وقيمته ثلاثمائة فلو زكى من عينه زكى ربع عشره ولو أدى من قيمته فعند محمد يعدل إلى خلاف جنسه، وهو الذهب؛ لأن الجودة معتبرة أما عند أبي حنيفة لو أدى خمسة من غير الإناء سقطت عنه الزكاة؛ لأن الحكم مقصور على الوزن فلو أدى من الذهب ما يبلغ قيمته قيمة خمسة دراهم من غير الإناء لم يجز في قولهم جميعا؛ لأن الجودة متقومة عند المقابلة بخلاف الجنس فإن أدى القيمة وقعت عن القدر المستحق كذا في الإيضاح، وفي البدائع: تجب الزكاة في الذهب والفضة مضروبا أو تبرا أو حليا مصوغا أو حلية سيف أو منطقة أو لجام أو سرج أو الكواكب في المصاحف والأواني وغيرها إذا كانت تخلص عن الإذابة سواء كان يمسكها للتجارة أو للنفقة أو للتجمل أو لم ينو شيئا. ا هـ. (قوله: ثم في كل خمس بحسابه) بضم الخاء المعجمة أحد الأجزاء الخمسة، وهو أربعون من المائتين وأربعة مثاقيل من العشرين دينارا فيجب في الأول درهم، وفي الثاني قيراطان أفاد المصنف أنه لا شيء فيما نقص عن الخمس فالعفو من الفضة بعد النصاب تسعة وثلاثون فإذا ملك نصابا وتسعة وسبعين درهما فعليه ستة، والباقي عفو، وهكذا ما بين الخمس إلى الخمس عفو في الذهب، وهذا عند أبي حنيفة وقالا: يجب فيما زاد بحسابه من غير عفو لقوله عليه الصلاة والسلام: «وفيما زاد على المائتين فبحسابه» وله قوله عليه السلام في حديث معاذ «لا تأخذ من الكسور شيئا» وقوله في حديث عمرو بن حزم {ليس فيما دون الأربعين صدقة} ولأن الحرج مدفوع، وفي إيجاب الكسور ذلك لتعذر الوقوف، وفي المعراج معنى الحديث الأول لا تأخذ من الشيء الذي يكون المأخوذ منه كسورا فسماه كسورا باعتبار ما يجب فيه وقيل من زائدة، وفيه نوع تأمل ا هـ. ومما ينبني على هذا الخلاف لو كان له مائتان وخمسة دراهم مضى عليها عامان عنده عليه عشرة، وعندهما خمسة؛ لأنه وجب عليه في العام الأول خمسة وثمن فبقي السالم من الدين في العام الثاني مائتان إلا ثمن درهم فلا تجب فيه الزكاة وعنده لا زكاة في الكسور فيبقى السالم مائتين ففيها خمسة أخرى كذا في فتح القدير ويبتني على الخلاف أيضا الهلاك بعد الحول إن هلك عشرون من مائتي درهم بقي فيها أربعة دراهم عنده وعندهما أربعة ونصف كذا في المعراج وذكر في المحيط، ولا يضم إحدى الزيادتين إلى الأخرى ليتم أربعين درهما أو أربعة مثاقيل عند أبي حنيفة؛ لأنه لا تجب الزكاة في الكسور عنده، وعندهما يضم لأنها تجب في الكسور. (قوله: والمعتبر وزنهما أداء ووجوبا) أما الأول، وهو اعتبار الوزن في الأداء فهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال زفر تعتبر القيمة وقال محمد يعتبر الأنفع للفقراء حتى لو أدى عن خمسة دراهم جياد خمسة زيوفا قيمتها أربعة جياد جاز عند الإمامين خلافا لمحمد وزفر ولو أدى أربعة جيدة قيمتها خمسة ردية عن خمسة ردية لا يجوز إلا عند زفر ولو كان إبريق فضة وزنه مائتان وقيمته بصياغته ثلاثمائة إن أدى من العين يؤدي ربع عشره، وهو خمسة قيمتها سبعة ونصف، وإن أدى خمسة قيمتها خمسة جاز عند هما، وقال محمد وزفر: لا يجوز إلا أن يؤدي الفضل فلو أدى من خلاف جنسه تعتبر القيمة بالإجماع وأما الثاني، وهو اعتبار الوزن في حق الوجوب دون العدد والقيمة فمجمع عليه حتى لو كان له إبريق فضة وزنها مائة وخمسون وقيمتها مائتان فلا زكاة فيها وكذا الذهب، وفي البدائع: ولو كانت الفضة مشتركة بين اثنين فإن كان يبلغ نصيب كل واحد مقدار النصاب تجب الزكاة، وإلا فلا، ويعتبر في حال الشركة ما يعتبر في حال الانفراد. (قوله: وفي الدراهم وزن سبعة، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل) والمثقال، وهو الدينار عشرون قيراطا والدرهم أربعة عشر قيراطا والقيراط خمس شعيرات أي المعتبر في الدراهم إلى آخره والأصل فيه أن الدراهم كانت مختلفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على ثلاث مراتب فبعضها كان عشرين قيراطا مثل الدينار وبعضها كان اثني عشر قيراطا ثلاثة أخماس الدينار وبعضها عشرة قراريط نصف الدينار فالأول وزن عشرة من الدنانير والثاني وزن ستة أي كل عشرة منه وزن ستة من الدنانير والثالث وزن خمسة أي كل عشرة منه وزن خمسة من الدنانير فوقع التنازع بين الناس في الإيفاء والاستيفاء فأخذ عمر من كل نوع درهما فخلطه فجعله ثلاثة دراهم متساوية فخرج كل درهم أربعة عشر قيراطا فبقي العمل عليه إلى يومنا هذا في كل شيء في الزكاة ونصاب السرقة والمهر وتقدير الديات وذكر في المغرب أن هذا الجمع والضرب كان في عهد بني أمية وذكر المرغيناني أن الدرهم كان شبيه النواة وصار مدورا على عهد عمر فكتبوا عليه وعلى الدينار لا إله إلا الله محمد رسول الله وزاد ناصر الدولة ابن حمدان صلى الله عليه وسلم وفي الغاية أن درهم مصر أربعة وستون حبة، وهو أكبر من درهم الزكاة فالنصاب منه مائة وثمانون درهما وحبتان وتعقبه في فتح القدير بأن فيه نظرا على ما اعتبروه في درهم الزكاة؛ لأنه إن أراد بالحبة الشعيرة فدرهم الزكاة سبعون شعيرة إذا كان العشرة وزن سبعة مثاقيل والمثقال مائة شعيرة فهو إذن أصغر لا أكبر، وإن أراد بالحبة أنه شعيرتان كما وقع تفسيرها في تعريف السجاوندي فهو خلاف الواقع إذ الواقع أن درهم مصر لا يزيد على أربعة وستين شعيرة؛ لأن كل ربع منه مقدر بأربع خرانيب والخرنوبة مقدرة بأربع قمحات وسط ا هـ. وذكر الولوالجي أن الزكاة تجب في الغطارفة إذا كانت مائتين؛ لأنها اليوم من دراهم الناس، وإن لم تكن من دراهم الناس في الزمن الأول، وإنما يعتبر في كل زمان عادة أهل ذلك الزمان ألا ترى أن مقدار المائتين لوجوب الزكاة من الفضة إنما تعتبر بوزن سبعة، وإن كان مقدار المائتين في الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان بوزن خمسة، وفي زمن عمر رضي الله عنه بوزن ستة فيعتبر دراهم أهل كل بلد بوزنهم، ودنانير كل بلد بوزنهم، وإن كان الوزن يتفاوت ا هـ. وكذا في الخلاصة وعن ابن الفضل أنه كان يوجب في كل مائتي درهم بخارية خمسة منها، وبه أخذ السرخسي واختاره في المجتبى وجمع النوازل والعيون والمعراج والخانية وذكره في فتح القدير غير أنه قال بعده إلا أني أقول: ينبغي أن يقيد بما إذا كانت لهم دراهم لا تنقص عن أقل ما كان وزنا في زمنه عليه السلام، وهي ما تكون العشرة وزن خمسة لأنها أقل ما قدر النصاب بمائتين منها حتى لا تجب في المائتين من الدراهم المسعودية الكائنة بمكة مثلا، وإن كانت دراهم قوم وكأنه أعمل إطلاق الدراهم والأواقي في الموجود، وما يمكن أن يوجد ويستحدث. (قوله: وغالب الورق ورق لا عكسه) يعني أن الدراهم إذا كانت مغشوشة، فإن كان الغالب هو الفضة فهي كالدراهم الخالصة؛ لأن الغش فيها مستهلك لا فرق في ذلك بين الزيوف والنبهرجة وما غلب فضته على غشه تناوله اسم الدراهم مطلقا والشرع أوجب باسم الدراهم، وإن غلب الغش فليس كالفضة كالستوقة فينظر إن كانت رائجة أو نوى التجارة اعتبرت قيمتها فإن بلغت نصابا من أدنى الدراهم التي تجب فيها الزكاة، وهي التي غلبت فضتها وجبت فيها الزكاة وإلا فلا، وإن لم تكن أثمانا رائجة، ولا منوية للتجارة فلا زكاة فيها إلا أن يكون ما فيها من الفضة يبلغ مائتي درهم بأن كانت كثيرة ويتخلص من الغش؛ لأن الصفر لا تجب الزكاة فيها إلا بنية التجارة، والفضة لا يشترط فيها نية التجارة فإن كان ما فيها لا يتخلص فلا شيء عليه؛ لأن الفضة فيه قد هلكت كذا في كثير من الكتب، وفي غاية البيان الظاهر أن خلوص الفضة من الدراهم ليس بشرط بل المعتبر أن تكون في الدراهم فضة بقدر النصاب فأما الغطارفة فقيل يجب في كل مائتين منها خمسة منها عددا؛ لأنها من أعز الأثمان والنقود عندهم وقال السلف: ينظر إن كانت أثمانا رائجة أو سلعا للتجارة تجب الزكاة في قيمتها كالفلوس، وإن لم تكن للتجارة فلا زكاة فيها؛ لأن ما فيها من الفضة مستهلك لغلبة النحاس عليها فكانت كالستوقة، وفي البدائع وقول السلف أصح وحكم الذهب المغشوش كالفضة المغشوشة وقيد المصنف بالغالب لأن الغش والفضة لو استويا ففيه اختلاف واختار في الخانية والخلاصة الوجوب احتياطا، وفي معراج الدراية وكذا لاتباع إلا وزنا، وفي المجتبى المفهوم من كتاب الصرف أن للمساوي حكم الذهب والفضة، ومما ذكر في الزكاة أنه لا يكون له حكم الذهب والفضة وقيدنا المخالط للورق بأن يكون غشا؛ لأنه لو كان ذهبا فإن كانت الفضة مغلوبة فكله ذهب؛ لأنه أعز وأغلى قيمة، وإن كانت الفضة غالبة فإن بلغ الذهب نصابه ففيه زكاة الذهب، وإن بلغت الفضة نصابها فزكاة الفضة، وفي المغرب الغطريفية كانت من أعز النقود ببخارى منسوبة إلى غطريف بن عطاء الكندي أمير خراسان أيام الرشيد. (قوله: وفي عروض تجارة بلغت نصاب ورق أو ذهب) معطوف على قوله أول الباب في مائتي درهم أي يجب ربع العشر في عروض التجارة إذا بلغت نصابا من أحدهما، وهي جمع عرض لكنه بفتح الراء حطام الدنيا كما في المغرب لكنه ليس بمناسب هنا؛ لأنه يدخل فيه النقدان والصواب أن يكون جمع عرض بسكونها، وهو كما في ضياء الحلوم ما ليس بنقد، وفي الصحاح العرض بسكون الراء المتاع وكل شيء فهو عرض سوى الدراهم والدنانير ا هـ فيدخل الحيوان، ولا يرد عليه ما أسيم من الحيوانات للدر والنسل لظهور أن المراد غيره لتقدم ذكر زكاة السوائم والعرض بالضم الجانب منه، ومنه أوصى بعرض ماله أي جانب منه بلا تعيين، والعرض بكسر العين ما يحمد الرجل ويذم عند وجوده وعدمه كذا في معراج الدراية قيد بكونها للتجارة؛ لأنها لو كانت للغلة فلا زكاة فيها؛ لأنها ليست للمبايعة ولو اشترى عبدا للخدمة ناويا بيعه إن وجد ربحا لا زكاة فيه، ولا يرد عليه ما إذا كان في العرض مانع من نية التجارة كأن اشترى أرض خراج ناويا للتجارة أو اشترى أرض عشر وزرعها فإنها لا تكون للتجارة لما يلزم عليه من الثنى كما قدمناه وجواب منلا خسرو بأن الأرض ليست من العروض بناء على تفسير أبي عبيد إياها بما لا يدخله كيل، ولا وزن، ولا يكون عقارا، ولا حيوانا مردود لما علمت أن الصواب تفسيرها هنا بما ليس بنقد ولذا لا يرد على المصنف ما لو اشترى بذرا للتجارة وزرعه فإنه لا زكاة فيه، وإنما يجب العشر فيه؛ لأن بذره في الأرض أبطل كونه للتجارة لأن مجرد كونه نوى الخدمة في عبد التجارة أسقط وجوب الزكاة فلأن يسقط التصرف الأقوى أولى، وكذا لو لم يزرعه ففيه الزكاة وبهذا سقط اعتبار الزيلعي كما لا يخفى، واعلم أن نية التجارة في الأصل تعتبر ثابتة في بدله، وإن لم يتحقق شخصها فيه، وهو ما قوبض به مال التجارة فإنه يكون للتجارة بلا نية؛ لأن حكم البدل حكم الأصل وكذا لو كان العبد للتجارة فقتله عبد خطأ، ودفع به فإن المدفوع يكون للتجارة بخلاف القتل عمدا، وأجرة دار التجارة وعبد التجارة بمنزلة ثمن مال التجارة في الصحيح من الرواية كذا في الخانية وذكر في الكافي ولو ابتاع مضارب عبدا وثوبا له وطعاما وحمولة وجبت الزكاة في الكل، وإن قصد غير التجارة؛ لأنه لا يملك الشراء إلا للتجارة بخلاف رب المال حيث لا يزكي الثوب والحمولة؛ لأنه يملك الشراء لغير التجارة ا هـ. وفي فتح القدير ويحمل عدم تزكية الثوب لرب المال ما دام لم يقصد بيعه معه فإنه ذكر في فتاوى قاضي خان النخاس إذا باع دواب للبيع واشترى لها جلالا ومقاود فإن كان لا يدفع ذلك مع الدابة إلى المشتري لا زكاة فيها، وإن كان يدفعها معها وجب فيها وكذا العطار إذا اشترى قوارير ا هـ. وقد يفرق بأن ثوب العبد يدخل في بيعه بلا ذكر تبعا حتى لا يكون له قسط من الثمن فلم يكن مقصودا أصلا فوجوده كعدمه بخلاف جل الدواب والقوارير فإنه مبيع قصدا ولذا لم يدخل في المبيع بلا ذكر، وإنما قال نصاب ورق، ولم يقل نصاب فضة؛ لأن الورق بكسر الراء اسم للمضروب من الفضة كما في المغرب، ولا بد أن تبلغ العروض قيمة نصاب من الفضة المضروبة كما في الذخيرة والخانية؛ لأن لزومها مبني على التقوم، والعرف أن تقوم بالمصكوك كما قدمناه وأشار بقوله ورق أو ذهب إلى أنه مخير إن شاء قومها بالفضة، وإن شاء بالذهب؛ لأن الثمنين في تقدير قيم الأشياء بهما سواء، وفي النهاية لو كان تقويمه بأحد النقدين يتم النصاب وبالآخر لا فإنه يقومه بما يتم به النصاب بالاتفاق ا هـ. وفي الخلاصة أيضا ما يفيد الاتفاق على هذا وكل منهما ممنوع فقد قال في الظهيرية رجل له عبد للتجارة إن قوم بالدراهم لا تجب فيه الزكاة، وإن قوم بالدنانير تجب فعند أبي حنيفة يقوم بما تجب فيه الزكاة دفعا لحاجة الفقير وسدا لخلته، وقال أبو يوسف: يقوم بما اشترى فإن اشتراه بغير النقدين يقوم بالنقد الغالب ا هـ. فالحاصل أن المذهب تخييره إلا إذا كان لا يبلغ بأحدهما نصابا تعين التقويم بما يبلغ نصابا، وهو مراد من قال يقوم بالأنفع ولذا قال في الهداية وتفسير الأنفع أن يقومها بما يبلغ نصابا ويقوم العرض بالمصر الذي هو فيه حتى لو بعث عبدا للتجارة في بلد آخر يقوم في ذلك الذي فيه العبد وإن كان في مفازة تعتبر قيمته في أقرب الأمصار إلى ذلك الموضع كذا في فتح القدير، وهو أولى مما في التبيين من أنه إذا كان في المفازة يقوم في المصر الذي يصير إليه ثم عند أبي حنيفة تعتبر القيمة يوم الوجوب، وعندهما يوم الأداء، وتمامه في فتح القدير. (قوله: ونقصان النصاب في الحول لا يضر إن كمل في طرفيه)؛ لأنه يشق اعتبار الكمال في أثنائه إما لا بد منه في ابتدائه للانعقاد وتحقيق الغناء، وفي انتهائه للوجوب، ولا كذلك فيما بين ذلك لأنه حالة البقاء قيد بنقصان النصاب أي قدره؛ لأن زوال وصفه كهلاك الكل كما إذا جعل السائمة علوفة؛ لأن العلوفة ليست من مال الزكاة أما بعد فوات بعض النصاب بقي بعض المحل صالحا لبقاء الحول وشرط الكمال في الطرفين لنقصانه في الحول؛ لأن نقصانه بعد الحول من حيث القيمة لا يسقط شيئا من الزكاة عند أبي حنيفة، وعندهما عليه زكاة ما بقي كذا في الخلاصة وذكر في المجتبى الدين في خلال الحول لا يقطع حكم الحول، وإن كان مستغرقا، وقال زفر: يقطع ا هـ. ومن فروع المسألة إذا كان له غنم للتجارة تساوي نصابا فماتت قبل الحول فسلخها ودبغ جلدها فتم الحول كان عليه فيها الزكاة إن بلغت نصابا ولو كان له عصير للتجارة فتخمر قبل الحول ثم صار خلا فتم الحول لا زكاة فيها قالوا: لأن في الأول الصوف الذي على الجلد متقوم فيبقى الحول ببقائه، وفي الثاني بطل تقوم الكل بالخمرية فهلك كل المال إلا أنه يخالف ما روى ابن سماعة عن محمد اشترى عصيرا قيمته مائتا درهم فتخمر بعد أربعة أشهر فلما مضى سبعة أشهر أو ثمانية أشهر إلا يوما صار خلا يساوي مائتي درهم فتمت السنة كان عليه الزكاة؛ لأنه عاد للتجارة كما كان كذا في الخانية. (قوله: وتضم قيمة العروض إلى الثمنين والذهب إلى الفضة قيمة) أما الأول فلأن الوجوب في الكل باعتبار التجارة، وإن افترقت جهة الإعداد، وأما الثاني فللمجانسة من حيث الثمنية، ومن هذا الوجه صار سببا، وضم إحدى النقدين إلى الآخر قيمة مذهب الإمام وعندهما الضم بالأجزاء، وهو رواية عنه حتى إن من كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب تبلغ قيمتها مائة درهم فعليه الزكاة عنده خلافا لهما هما يقولان المعتبر فيهما القدر دون القيمة حتى لا تجب الزكاة في مصوغ وزنه أقل من مائتين، وقيمته فوقهما، وهو يقول الضم للمجانسة، وهي تتحقق باعتبار القيمة دون الصورة فيضم بها، وفي المحيط لو كان له مائة درهم وعشرة دنانير قيمتها أقل من مائة تجب الزكاة عندهما واختلفوا على قوله والصحيح الوجوب لأنه إن لم يمكن تكميل نصاب الدراهم باعتبار قيمة الدنانير أمكن تكميل نصاب الدنانير باعتبار قيمة الدراهم؛ لأن قيمتها تبلغ عشرة دنانير فتكمل احتياطا لإيجاب الزكاة ا هـ. وبهذا ظهر بحث الزيلعي منقولا، وضعف كلام المصنف في الكافي حيث قال: إن القيمة لا تعتبر عند تكامل الأجزاء عنده كمائة وعشرة دنانير ظنا منه أن إيجاب الزكاة في هذه المسألة على الصحيح لتكامل الأجزاء لا باعتبار القيمة وليس كما ظن بل الإيجاب باعتبار القيمة كما أفاده تعليل المحيط فإن حاصله اعتبار القيمة من جهة كل من النقدين لا من جهة أحدهما عينا فإنه إن لم يتم النصاب باعتبار قيمة الذهب بالفضة يتم باعتبار قيمة الفضة بالذهب فكيف يكون تعليلا لعدم اعتبار القيمة مطلقا عند تكامل الأجزاء مع أنه يرد عليه لو زادت قيمة أحدهما، ولم تنقص قيمة الآخر كمائة درهم وعشرة دنانير تساوي مائة وثمانين فإن مقتضى كلامه من عدم اعتبار القيمة عند تكامل الأجزاء أن لا يلزمه إلا خمسة والظاهر لزوم سبعة اعتبارا للقيمة أخذا من دليله من أن الضم ليس إلا للمجانسة، وإنما هي باعتبار المعنى، وهو القيمة لا باعتبار الصورة وقد صرح به في المحيط فقال لو كان له مائة درهم وعشرة دنانير قيمتها مائة وأربعون فعند أبي حنيفة تجب ستة دراهم، وعندهما هو نصاب تام نصفه ذهب ونصفه فضة فيجب في كل نصف ربع عشره، وفيه أيضا لو كان له مائة وخمسون درهما وخمسة دنانير قيمتها خمسون تجب الزكاة بالإجماع، ولو كان له إبريق فضة وزنه مائة، وقيمته لصناعته مائتان لا تجب الزكاة باعتبار القيمة؛ لأن الجودة والصنعة في أموال الربا لا قيمة لها عند انفرادها، ولا عند المقابلة بجنسها ا هـ. وفي المعراج لو كان له مائة وخمسون درهما وخمسة دنانير، وقيمة الدنانير لا تساوي خمسين درهما تجب الزكاة على قولهما، واختلف المشايخ على قوله قال بعضهم: لا تجب؛ لأن الضم باعتبار القيمة عنده، ويضم الأقل إلى الأكثر؛ لأن الأقل تابع للأكثر فلا يكمل النصاب به، وقال الفقيه أبو جعفر: تجب على قوله، وهو الصحيح ويضم الأكثر إلى الأقل ا هـ. وهو دليل على أنه لا اعتبار بتكامل الأجزاء عنده، وإنما يضم أحد النقدين إلى الآخر قيمة، ولا فرق بين ضم الأقل إلى الأكثر أو عكسه.
|