الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
الفساد والبطلان في العبادات بمعنى واحد، وهو عدم الصحة، وهي عند الفقهاء اندفاع وجوب القضاء بالإتيان بالشرائط، والأركان، وقد يظن أنه الصحة والفساد في العبادات من أحكام الشرع الوضعية، وقد أنكر ذلك، وإنما حكمنا به عقلي على ما عرف في تحرير الأصول بخلافهما في المعاملات، فإن ترتب أثر المعاملة مطلوب التفاسخ شرعا هو الفساد، وغير مطلوب التفاسخ هو الصحة، وعدم ترتب الأثر أصلا هو البطلان. (قوله: فإن أكل الصائم، أو شرب أو جامع ناسيا إلى آخره) لحديث الجماعة إلا النسائي {من نسي، وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه} والمراد بالصوم الشرعي لا اللغوي الذي هو مطلق الإمساك للاتفاق على أن الحمل على المفهوم الشرعي حيث أمكن في لفظ الشارع واجب خصوصا قد ورد في صحيح ابن حبان {ولا قضاء عليك} وعند البزار {فلا يفطر} وألحق الجماع به دلالة للاستواء في الركنية لا قياسا فاندفع به القياس المقتضي للفطر لفوات الركن، وحقيقة النسيان عدم استحضار الشيء وقت حاجته قالوا: وليس عذرا في حقوق العباد، وفي حقوقه - تعالى - عذر في سقوط الإثم أما الحكم فإن كان مع مذكر، ولا داعي إليه كأكل المصلي لم يسقط لتقصيره بخلاف سلامه في القعدة فإنه ساقط لوجود الداعي، وإن لم يكن مع مذكر وله داع كأكل الصائم سقط، وإن لم يكن معه مذكر، ولا داع فأولى بالسقوط كترك الذابح التسمية، وخرج ما إذا أكل ناسيا فذكره إنسان بالصوم، ولم يتذكر فأكل فسد صومه في الصحيح خلافا لبعضهم كذا في الظهيرية؛ لأنه أخبر بأن هذا الأكل حرام عليه، وخبر الواحد في الديانات مقبول فكان يجب أن يلتفت إلى تأمل الحال لوجود المذكر والأولى أن لا يذكره إن كان شيخا؛ لأن ما يفعله الصائم ليس بمعصية فالسكوت عنه ليس بمعصية، ولأن الشيخوخة مظنة المرحمة، وإن كان شابا يقوى على الصوم يكره أن لا يخبره والظاهر أنها تحريمية؛ لأن الولوالجي قال: يلزمه أن يخبره ويكره تركه أطلقه فشمل الفرض والنفل، ولو بدأ بالجماع ناسيا فتذكر إن نزع من ساعته لم يفطر، وإن دام على ذلك حتى أنزل فعليه القضاء ثم قيل: لا كفارة عليه، وقيل: هذا إذا لم يحرك نفسه بعد التذكر حتى أنزل فإن حرك نفسه بعده فعليه الكفارة كما لو نزع ثم أدخل، ولو جامع عامدا قبل الفجر وطلع النزع في الحال فإن حرك نفسه فهو على هذا نظير ما قالوا لو أولج ثم قال لها: إن جامعتك فأنت طالق أو حرة إن نزع أو لم ينزع، ولم يتحرك حتى أنزل لم تطلق، ولا تعتق، وإن حرك نفسه طلقت وعتقت ويصير مراجعا بالحركة الثانية، ويجب للأمة العقر، ولا حد عليها كذا في فتح القدير، وفي الفتاوى الظهيرية رجل أصبح يوم الشك متلوما ثم أكل ناسيا ثم ظهر أنه من رمضان ونوى صوما ذكر في الفتاوى أنه لا يجوز، وفي البقالي النسيان قبل النية كما بعدها، وصححه في القنية قيد بالناسي؛ لأنه لو كان مخطئا أو مكرها فعليه القضاء خلافا للشافعي، فإنه يعتبر بالناسي، ولنا أنه لا يغلب وجوده وعذر النسيان غالب، ولأن النسيان من قبل من له الحق، والإكراه من قبل غيره فيفترقان كالمقيد والمريض العاجز عن الأداء بالرأس في قضاء الصلاة حيث يقضي المقيد لا المريض وأما حديث: «رفع عن أمتي الخطأ} فهو من باب الاقتضاء، وقد أريد الحكم الأخروي فلا حاجة إلى إرادة الدنيوي؛ إذ هو لا عموم له كما عرف في الأصول، وحقيقة الخطأ أن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية كالمضمضة تسري إلى الحلق، والفرق بين صورة الخطأ والنسيان هنا أن المخطئ ذاكر للصوم، وغير قاصد للشرب والناسي عكسه في غاية البيان، وقد يكون المخطئ غير ذاكر للصوم وغير قاصد للشرب لكنه في حكم الناسي هنا كما في النهاية والمؤاخذة بالخطأ جائزة عندنا خلافا للمعتزلة وتمامه في تحرير الأصول ومما ألحق بالمكره النائم إذا صب في حلقه ما يفطر، وكذا النائمة إذا جامعها زوجها، ولم تنتبه، وفي الفتاوى الظهيرية: ولو أن رجلا رمى إلى رجل حبة عنب فدخلت حلقه، وهو ذاكر لصومه يفسد صومه، وما عن نصير بن يحيى فيمن اغتسل ودخل الماء في حلقه لم يفسد ا هـ. خلاف المذهب، وفي فتاوى قاضي خان: النائم إذا شرب فسد صومه وليس هو كالناسي؛ لأن النائم ذاهب العقل وإذا ذبح لم تؤكل ذبيحته، وتؤكل ذبيحة من نسي التسمية. (قوله: أو احتلم أو أنزل بنظر) أي لا يفطر لحديث السنن {لا يفطر من قاء، ولا من احتلم، ولا من احتجم} ولأنه لم يوجد الجماع صورة لعدم الإيلاج حقيقة، ولا معنى لعدم الإنزال عن شهوة المباشرة؛ ولهذا ذكر الولوالجي في فتاويه بأن من جامع في رمضان قبل الصبح فلما خشي أخرج فأنزل بعد الصبح لا يفسد صومه، وهو بمنزلة الاحتلام لوجود صورة الجماع معنى قالوا الصائم إذا عالج ذكره حتى أمنى يجب عليه القضاء، وهو المختار كذا في التجنيس والولوالجية وبه قال عامة المشايخ كذا في النهاية واختار أبو بكر الإسكاف أنه لا يفسد وصححه في غاية البيان بصيغة: والأصح عندي قول أبي بكر لعدم الصورة والمعنى، وهو مردود؛ لأن المباشرة المأخوذة في معنى الجماع أعم من كونها مباشرة الغير أولا بأن يراد مباشرة هي سبب الإنزال سواء كان ما بوشر مما يشتهى عادة أو لا ولهذا أفطر بالإنزال في فرج البهيمة والميتة وليسا مما يشتهى عادة وأما ما نقل عن أبي بكر من عدم الإفطار بالإنزال في البهيمة فقال الفقيه أبو الليث: إن هذا القول زلة منه وهل يحل الاستمناء بالكف خارج رمضان إن أراد الشهوة لا يحل لقوله عليه السلام: «ناكح اليد ملعون}، وإن أراد تسكين الشهوة يرجى أن لا يكون عليه وبال كذا في الولوالجية وظاهره أنه في رمضان لا يحل مطلقا أطلق في النظر فشمل ما إذا نظر إلى وجهها أو فرجها كرر النظر أو لا وقيد به؛ لأنه لو قبلها بشهوة فأنزل فسد صومه لوجود معنى الجماع بخلاف ما إذا لم ينزل حيث لا يفسد لعدم المنافي صورة ومعنى، وهو محمل قوله أو قبل بخلاف الرجعة والمصاهرة؛ لأن الحكم هناك أدبر على السبب على ما يأتي إن شاء الله - تعالى - واللمس والمباشرة والمصافحة والمعانقة كالقبلة، ولا كفارة عليه؛ لأنها تفتقر إلى كمال الجناية لما بينا أن الغالب فيها العقوبة؛ لأن الكفارة لجبر الفائت، وهو قد حصل فكانت زاجرة فقط ولهذا تندرئ بالشبهات، ولا بأس بالقبلة إذا أمن على نفسه الجماع والإنزال، ويكره إذا لم يأمن؛ لأن عينه ليس بمفطر وربما يصير فطرا بعاقبته فإن أمن اعتبر عينه وأبيح له، وإن لم يأمن اعتبر عاقبته ويكره له والمباشرة كالقبلة في ظاهر الرواية وعن محمد أنه كره المباشرة الفاحشة واختار في فتح القدير رواية محمد؛ لأنها سبب غالب للإنزال، وجزم بالكراهة من غير ذكر خلاف الولوالجي في فتاويه ويشهد للتفصيل المذكور في القبلة الحديث من ترخيصه للشيخ ونهيه الشاب، والتقبيل الفاحش كالمباشرة الفاحشة، وهو أن يمضغ شفتيها كذا في معراج الدراية وقيدنا بكونه قبلها؛ لأنها لو قبلته ووجدت لذة الإنزال، ولم تر بللا فسد صومها عند أبي يوسف خلافا لمحمد وكذا في وجوب الغسل كذا في المعراج والمراد باللمس اللمس بلا حائل فإن مسها وراء الثياب فأمنى فإن وجد حرارة جلدها فسد، وإلا فلا ولو مست زوجها فأنزل لم يفسد صومه وقيل: إن تكلف له فسد كذا في المعراج أيضا، وفي الذخيرة ولو مس فرج بهيمة فأنزل لا يفسد صومه بالاتفاق، وفي الفتاوى الظهيرية فإن عملت المرأتان عمل الرجال من الجماع في رمضان إن أنزلتا فعليهما القضاء، وإن لم ينزلا فلا غسل، ولا قضاء وأشار إلى أنه لو أصبح جنبا لا يضره كذا في المحيط. (قوله: أو ادهن أو احتجم أو اكتحل أو قبل) أي لا يفطر؛ لأن الادهان غير مناف للصوم، ولعدم وجود المفطر صورة ومعنى والداخل من المسام لا من المسالك فلا ينافيه كما لو اغتسل بالماء البارد، ووجد برده في كبده، وإنما كره أبو حنيفة الدخول في الماء والتلفف بالثوب المبلول لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة لا؛ لأنه قريب من الإفطار كذا في فتح القدير وقال أبو يوسف: لا يكره ذلك كذا في المعراج وكذا الاحتجام غير مناف أيضا، ولما روينا من الحديث، وهو مكروه للصائم إذا كان يضعفه عن الصوم أما إذا كان لا يخافه فلا بأس كذا في غاية البيان وكذا الاكتحال، وأطلقه فأفاد أنه لا فرق بين أن يجد طعمه في حلقه أو لا وكذا لو بزق فوجد لونه في الأصح؛ لأن الموجود في حلقه أثره لا عينه كما لو ذاق شيئا، وكذا لو صب في عينه لبن أو دواء مع الدهن فوجد طعمه، أو مرارته في حلقه لا يفسد صومه كهذا في الظهيرية، وفي الولوالجية والظهيرية: ولو مص الهليلج وجعل يمضغها فدخل البزاق حلقه، ولا يدخل عينها في جوفه لا يفسد صومه فإن فعل هذا بالفانيد أو السكر يلزمه القضاء والكفارة، وفي مآل الفتاوى لو أفطر على الحلاوة فوجد طعمها في فمه في الصلاة لا تفسد صلاته وأما القبلة فقد تقدم الكلام عليها. (قوله: أو دخل حلقه غبار أو ذباب، وهو ذاكر لصومه) يعني لا يفطر؛ لأن الذباب لا يستطاع الامتناع عنه فشابه الدخان والغبار لدخولهما من الأنف إذا طبق الفم قيد بما ذكر؛ لأنه لو وصل لحلقه دموعه أو عرقه أو دم رعافه أو مطر أو ثلج فسد صومه لتيسر طبق الفم وفتحه أحيانا مع الاحتراز عن الدخول، وإن ابتلعه متعمدا ألزمته الكفارة، واعتبار الوصول إلى الحلق في الدمع ونحوه مذكور في فتاوى قاضي خان، وهو أولى مما في الخزانة من تقييد الفساد بوجدان الملوحة في الأكثر من قطرتين ونفي الفساد في القطرة والقطرتين؛ لأن القطرة يجد ملوحتها فلا معول عليه، والتعليل في المطر بما ذكرنا أولى مما في الهداية والتبيين من التعليل بإمكان أن تأويه خيمة أو سقف فإنه يقتضي أن المسافر الذي لا يجد ما يأويه ليس حكمه كغيره وليس كذلك، وفي الفتاوى الظهيرية: وإذا نزل الدموع من عينيه إلى فمه فابتلعها يجب القضاء بلا كفارة وفي متفرقات الفقيه أبي جعفر إن تلذذ بابتلاع الدموع يجب القضاء مع الكفارة، وغبار الطاحونة كالدخان، وفي الولوالجية: الدم إذا خرج من الأسنان ودخل الحلق إن كانت الغلبة للبزاق لا يفسد صومه، وإن كانت للدم فسد، وكذا إن استويا احتياطا ثم قال الصائم إذا دخل المخاط أنفه من رأسه ثم استشمه ودخل حلقه على تعمد منه لا شيء عليه؛ لأنه بمنزلة ريقه إلا أن يجعله على كفه ثم يبتلعه فيكون عليه القضاء، وفي الظهيرية وكذا المخاط والبزاق يخرج من فيه أو أنفه فاستشمه واستنشقه لا يفسد صومه، وفي فتح القدير لو ابتلع ريق غيره أفطر، ولا كفارة عليه وليس على إطلاقه فسيأتي في آخر الكتاب في مسائل شتى أنه لو ابتلع بزاق غيره كفر لو صديقه وإلا لا أقره عليه الشارح الزيلعي. (قوله: أو أكل ما بين أسنانه) أي لا يفطر؛ لأنه قليل لا يمكن الاحتراز عنه فجعل بمنزلة الريق، ولم يقيده المصنف بالقلة مع أن الكثير مفسد موجب للقضاء دون الكفارة عند أبي يوسف خلافا لزفر لما أن الكثير لا يبقى بين الأسنان، وهو مقدار الحمصة على رأي الصدر الشهيد أو ما يمكن أن يبتلعه من غير ريق على ما اختاره الدبوسي واستحسنه ابن الهمام وما دونه قليل، وأطلقه فشمل ما إذا ابتلعه أو مضغه، وسواء قصد ابتلاعه أو لا كما في غاية البيان وقيد بأكله؛ لأنه لو أخرجه ثم ابتلعه فسد صومه كما لو ابتلع سمسمة أو حبة حنطة من خارج لكن تكلموا في وجوب الكفارة والمختار الوجوب كذا في فتاوى قاضي خان، وهو الصحيح كذا في المحيط بخلاف ما لو مضغها حيث لا يفسد؛ لأنها تتلاشى إلا إذا كان قدر الحمصة فإن صومه يفسد، وفي الكافي في السمسمة قال إن مضغها لا يفسد إلا إن وجد طعمها في حلقه قال في فتح القدير، وهذا حسن جدا فليكن الأصل في كل قليل مضغه وصرح في المحيط بما في الكافي، وفي الفتاوى الظهيرية: روي عن محمد أنه خرج على أصحابه يوما وسألهم عن هذه المسألة فقال: ماذا تقولون في صائم رمضان إذا ابتلع سمسمة واحدة كما هي أيفطر قالوا: لا، قال: أرأيتم لو أكل كفا من سمسم واحدة بعد واحدة وابتلع كما هي قالوا: نعم وعليه الكفارة قال بالأولى أم بالأخيرة قالوا لا بل بالأولى قال الحاكم الإمام محمد بن يوسف فعلى قياس هذه الرواية يجب القضاء مع الكفارة إذا ابتلعها كما هي ا هـ. وتقدم أن وجوب الكفارة هو المختار وذكر قبلها، وإذا ابتلع حبة العنب إن مضغها قضى وكفر، وإن ابتلعها كما هي لم يكن معها ثفروقها فعليه القضاء والكفارة بالاتفاق، وإن كان معها ثفروقها قال عامة العلماء: عليه القضاء مع الكفارة، وقال أبو سهيل: لا كفارة عليه، وهو الصحيح؛ لأنها لا تؤكل مع ذلك عادة وأراد بالثفروق ها هنا ما يلتزق بالعنقود من حب العنب وثقبته مسدودة به، وإن ابتلع تفاحة روى هشام عن محمد أن عليه الكفارة ثم ما يفسد الصوم فإنه يفسد الصلاة، وهو قدر الحمصة، وفي البزازية أكل بعض لقمة وبقي البعض بين أسنانه فشرع فيها وابتلع الباقي لا تبطل الصلاة ما لم تبلغ ملء الفم وقدر الحمصة لا يفسد الصلاة بخلاف الصوم. (قوله: أو قاء وعاد لم يفطر) لحديث السنن {من ذرعه القيء، وهو صائم فليس عليه القضاء، وإن استقاء فليقض} وإنما ذكر العود ليفيد أن مجرد القيء بلا عود لا يفطر بالأولى وأطلقه فشمل ما إذا ملأ الفم أو لا، وفيما إذا عاد وملأ الفم خلاف أبي يوسف والصحيح قول محمد لعدم وجود الصنع ولعدم وجود صورة الفطر، وهو الابتلاع، وكذا معناه؛ لأنه لا يتغذى به بل النفس تعافه. (قوله: وإن أعاده أو استقاء أو ابتلع حصاة أو حديدا قضى فقط) أي أعاد القيء أو قاء عامدا وابتلع ما لا يتغذى به، ولا يتداوى به عادة فسد صومه ولزمه القضاء، ولا كفارة عليه، وأطلق في الإعادة فشمل ما إذا لم يملأ الفم، وهو قول محمد لوجود الصنع وقال أبو يوسف: لا يفسد لعدم الخروج شرعا، وهو المختار فلا بد من التقييد بملء الفم وأطلق في الاستقاء فشمل ما إذا لم يملأ الفم، وهو قول محمد، ولا يفطر عند أبي يوسف، وهو المختار لكن ذكر المصنف في كافيه أن ظاهر الرواية كقول محمد: وإنما لم يقيد الاستقاء بالعمد كما في الهداية لما قدمه أن النسيان لا يفطر وما في غاية البيان أن ذكر العمد مع الاستقاء تأكيد؛ لأنه لا يكون إلا مع العمد مردود؛ لأن العمد يخرج النسيان إن متعمدا لفطره لا متعمدا للقيء فالحاصل أن صور المسائل اثنا عشر؛ لأنه لا يخلو إما أن ذرعه القيء أو استقاء وكل منهما لا يخلو إما أن يملأ الفم أو لا وكل من الأربعة أما إن عاد بنفسه أو أعاده أو خرج، ولم يعده، ولا عاد بنفسه، وأن صومه لا يفسد على الأصح في الجميع إلا في مسألتين في الإعادة بشرط ملء الفم، وفي الاستقاء بشرط ملء الفم، وأن وضوءه ينتقض إلا فيما إذا لم يملأ الفم، وأما الصلاة ففي الظهيرية منها لو قاء أقل من ملء الفم لم تفسد صلاته، وإن أعاده إلى جوفه يجب أن يكون على قياس الصوم عند أبي يوسف لا تفسد وعن محمد تفسد، وإن تقيأ في صلاته إن كان أقل من ملء الفم لا تفسد صلاته، وإن كان ملء الفم تفسد صلاته ا هـ. وفي الخلاصة من فصل الحدث في الصلاة فلو قاء إن كان من غير قصده يبني إذا لم يتكلم، وإن تقيأ لا يبني، وهذا إذا كان ملء الفم فإن كان أقل من ذلك لا تفسد صلاته فلا حاجة إلى البناء ا هـ. وأطلق في أنواع القيء والاستقاء فشمل ما إذا استقاء بلغما ملء الفم، وهو قول أبي يوسف وعند أبي حنيفة ومحمد: لا يفسد صومه بناء على الاختلاف في انتقاض الطهارة وقول أبي يوسف هنا أحسن وقولهما في عدم النقض به أحسن؛ لأن الفطر إنما أنيط بما يدخل أو بالقيء عمدا من غير نظر إلى طهارة ونجاسة فلا فرق بين البلغم وغيره بخلاف نقض الطهارة كذا في فتح القدير وتعبيري بالاستقاء في البلغم أولى مما في الشرح وغيره من التعبير بالقيء كما لا يخفى، ولو استقاء مرارا في مجلس ملء فيه لزمه القضاء، وإن كان في مجالس أو غدوة ثم نصف النهار ثم عشية لا يلزمه كذا في خزانة الأكمل وتعبيري بالاستقاء أولى من التعبير بالقيء كما في الشرح، وينبغي أن يعتبر عند محمد اتحاد السبب لا المجلس كما في نقض الوضوء وأن يكون هو الصحيح كما في النقض، وينبغي أن يكون ما في الخزانة مفرعا على قول أبي يوسف أما على قول محمد فإنه يبطل صومه بالمرة الأولى، وأما إذا ابتلع ما لا يتغذى به، ولا يتداوى به كالحصاة والحديد فلوجود صورة الفطر، ولا كفارة لعدم معناه، وهو إيصال ما فيه نفع البدن إلى الجوف فقصرت الجناية، وهي لا تجب إلا بكمالها فانتفت وفي القنية أفطر في رمضان مرة بعد أخرى بتراب أو مدر لأجل المعصية فعليه الكفارة زجرا له وكتب غيره نعم الفتوى على ذلك وبه أفتى أئمة الأمصار، وإنما عبر بالابتلاع دون الأكل؛ لأنه عبارة عن إيصال ما يأتي فيه المضغ، وهو لا يتأتى في الحصاة وكذا كل ما لا يتغذى به، ولا يتداوى به كالحجر والتراب والدقيق على الأصح والأرز والعجين والملح إلا إذا اعتاد أكله وحده، ولا في النواة والقطن والكاغد والسفرجل إذا لم يدرك، ولا وهو مطبوخ، ولا في ابتلاع الجوزة الرطبة، ويجب لو مضغها أو مضغ اليابسة لا إن ابتلعها، وكذا يابس اللوز والبندق والفستق إن ابتلعه لا يجب، وإن مضغه وجبت كما يجب في ابتلاع اللوزة الرطبة؛ لأنها تؤكل كما هي بخلاف الجوزة، وابتلاع التفاحة كاللوزة، والرمانة والبيضة كالجوزة، وفي ابتلاع البطيخة الصغيرة والخوخة الصغيرة والهليلجة روي عن محمد وجوب الكفارة، وتجب بأكل اللحم النيء، وإن كان ميتة منتنا لا إن دود فلا تجب واختلف في الشحم واختار أبو الليث الوجوب وصححه في الظهيرية فلو كان قديدا وجب بلا خلاف، وتجب بأكل كل الحنطة وقضمها لا إن مضغ قمحة للتلاشي ولا تجب بأكل الشعير إلا إذا كان مقليا كذا في الظهيرية، وتجب بالطين الأرمني، وكذا بغيره على من يعتاد أكله كالمسمى بالطفل لا على من لا يعتاده، ولا بأكل الدم في ظاهر الرواية، وإن أكل ورق الشجر فإن كان مما يؤكل كورق الكرم فعليه القضاء والكفارة، وإن كان مما لا يؤكل كورق الكرم إذا عظم فعليه القضاء دون الكفارة، ولو أكل قشور الرمان بشحمتها أو ابتلع رمانة فلا كفارة، وهو محمول على ما إذا أكل مع القشر، ولو أكل قشر البطيخ إن كان يابسا وكان بحال يتقذر منه فلا كفارة، وإن كان طريا لا يتقذر منه فعليه الكفارة وإن أكل كافورا أو مسكا أو زعفرانا فعليه الكفارة وإذا أكل لقمة كانت في فيه وقت السحر، وهو ذاكر لصومه لا رواية لها في الأصول قال أبو حفص الكبير: إن كانت لقمة غيره لا كفارة عليه، وإن كانت لقمته فابتلعها من غير أن يخرجها من فمه فعليه الكفارة هو الصحيح، وإن أخرجها إن بردت فلا كفارة؛ لأنها صارت مستقذرة، وإن لم تبرد وجبت؛ لأنها قد تخرج لأجل الحرارة ثم تدخل ثانيا كذا في الظهيرية. (قوله: ومن جامع أو جومع أو أكل أو شرب عمدا غذاء أو دواء قضى وكفر ككفارة الظهار) أما القضاء فلاستدراك المصلحة الفائتة، وأما الكفارة فلتكامل الجناية أطلقه فشمل ما إذا لم ينزل؛ لأن الإنزال شبع؛ لأن قضاء الشهوة يتحقق دونه، وقد وجب الحد بدونه، وهو عقوبة محضة فما فيه معنى العبادة أولى، وشمل الجماع في الدبر كالقبل، وهو الصحيح والمختار أنه بالاتفاق كذا ذكره الولوالجي لتكامل الجناية لقضاء الشهوة، وإنما ادعى أبو حنيفة النقصان في معنى الزنا من حيث عدم فساد الفراش به، ولا عبرة به في إيجاب الكفارة وأشار بقوله: أو جومع ليفيد بعد التنصيص على الوجوب على المفعول به الطائع امرأة أو رجلا إلى أن المحل لا بد أن يكون مشتهى على الكمال فلا تجب الكفارة لو جامع بهيمة أو ميتة ولو أنزل كما في الظهيرية وأما الصغيرة التي لا تشتهى فظاهر ما في شرح المجمع لابن الملك وجوب الكفارة بوطئها وروي عن أبي حنيفة عدم الوجوب مع أنهم صرحوا في الغسل بأنه لا يجب بوطئها إلا بالإنزال كالبهيمة، وجعلوا المحل ليس مشتهى على الكمال، ومقتضاه عدم وجوب الكفارة مطلقا، وفي القنية فأما إتيان الصغيرة التي لا تشتهى فلا رواية فيه، واختلفوا في وجوب الكفارة، وقيد بالعمد لإخراج المخطئ والمكره فإنه، وإن فسد صومهما لا تلزمهما الكفارة، ولو حصلت الطواعية في وسط الجماع بعدما كان ابتداؤه بالإكراه؛ لأنها إنما حصلت بعد الإفطار كما في الظهيرية قال في الاختيار: إلا إذا كان الإكراه منها فإنها تجب عليهما، وفي الفتاوى الظهيرية: المرأة إذا أكرهت زوجها في رمضان على الجماع فجامعها مكرها فالأصح أنه لا تجب الكفارة عليه؛ لأنه مكره في ذلك وعليه الفتوى وأشار بقوله أكل أو شرب إلى أنه لا بد من وصوله إلى المسلك المعتاد؛ إذ لو وصل من غيره فلا كفارة كما سنذكره وأشار بما سيأتي من قوله كأكله عمدا بعد أكله ناسيا من عدم وجوب الكفارة إلى أن الكفارة لا تجب إلا بإفساد صوم تام قطعا حتى لو صام يوما من رمضان، ونوى قبل الزوال ثم أفطر لا يلزمه الكفارة عند أبي حنيفة خلافا لهما؛ لأن في هذا الصوم شبهة، وعلى قياس هذا لو صام يوما من رمضان بمطلق النية ثم أفطر ينبغي أن لا تلزمه الكفارة لمكان الشبهة كذا في الظهيرية، ولو أخبر بأن الفجر لم يطلع فأكل ثم ظهر خلافه لا كفارة مطلقا، وبه أخذ أكثر المشايخ، ولو أخبر بطلوعه فقال: إذا لم أكن صائما آكل حتى أشبع ثم ظهر أن أكله الأول قبل طلوع الفجر وأكله الآخر بعد الطلوع فإن كان المخبر جماعة وصدقهم لا كفارة وإن كان المخبر واحدا فعليه الكفارة عدلا كان أو غير عدل؛ لأن شهادة الفرد في مثل هذا لا تقبل كذا في الظهيرية وإذا أفطرت على ظن أنه يوم حيضها فلم تحض الأظهر وجوب الكفارة كما لو أفطر على ظن أنه يوم مرضه أو أفطر بعد إكراهه على السفر قبل أن يخرج ثم عفي عنه أو شرب بعد ما قدم ليقتل ثم عفي عنه، ولم يقتل ومما يسقطها حيضها أو نفاسها بعد إفطارها في ذلك اليوم وكذا مرضها وكذا مرضه بعد إفطاره عمدا بخلاف ما إذا جرح نفسه بعد إفطاره عمدا فإنها لا تسقط على الصحيح كما لو سافر بعد إفطاره عمدا كذا في الظهيرية بخلاف ما لو أصبح مقيما صائما ثم سافر فأفطر فإنها تسقط؛ لأن الأصل أنه إذا صار في آخر النهار على صفة لو كان عليها في أول اليوم يباح له الفطر تسقط عنه الكفارة كذا في فتاوى قاضي خان، ولو جامع مرارا في أيام رمضان واحد، ولم يكفر كان عليه كفارة واحدة؛ لأنها شرعت للزجر، وهو يحصل بواحدة فلو جامع وكفر ثم جامع مرة أخرى فعليه كفارة أخرى في ظاهر الراوية للعلم بأن الزجر لم يحصل بالأول ولو جامع في رمضانين فعليه كفارتان، وإن لم يكفر للأولى في ظاهر الرواية، وهو الصحيح كذا في الجوهرة وقال محمد: عليه واحدة قال في الأسرار وعليه الاعتماد، وكذا في البزازية ولو أفطر في يوم فأعتق ثم في آخر فأعتق ثم كذلك ثم استحقت الرقبة الأولى أو الثانية لا شيء عليه؛ لأن المتأخر يجزئه ولو استحقت الثالثة فعليه إعتاق واحدة؛ لأن ما تقدم لا يجزئ عما تأخر، ولو استحقت الثانية أيضا فعليه واحدة للثاني والثالث، وكذا لو استحقت الأولى تنزيلا للمستحق منزلة المعدوم، ولو استحقت الأولى والثالثة دون الثانية أعتق واحدة للثالث؛ لأن الثانية كفت عن الأولى والأصل أن الثاني يجزئ عما قبله لا عما بعده كذا في فتح القدير والبدائع وأفاد بالتشبيه أن هذه الكفارة مرتبة فالواجب العتق، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لحديث الأعرابي المروي في الكتب الستة فلو أفطر يوما في خلال المدة بطل ما قبله ولزمه الاستقبال سواء أفطر لعذر أو لا وكذا في كفارة القتل والظهار للنص على التتابع إلا لعذر الحيض؛ لأنها لا تجد شهرين عادة لا تحيض فيهما لكنها إذا تطهرت تصلي بما مضى فإن لم تصل استقبلت كذا في الولوالجية وكذا صوم كفارة اليمين متتابع فهي أربعة بخلاف قضاء رمضان وصوم المتعة وكفارة الحلق وكفارة جزاء الصيد فإنه غير متتابع، والأصل أن كل كفارة شرع فيها عتق فإن صومه متتابع، وما لم يشرع فيها عتق فهو مخير كذا في النهاية، وإذا وجب عليه قضاء يومين من رمضان واحد ينوي أول يوم وجب عليه، وإن لم ينو جاز، وإن كانا من رمضانين ينوي قضاء رمضان الأول، فإن لم ينو ذلك اختلف المشايخ فيه والصحيح الإجزاء، ولو صام الفقير إحدى وستين للكفارة، ولم يعين اليوم للقضاء جاز ذلك كذا ذكره الفقيه أبو الليث وصار كأنه نوى القضاء في اليوم الأول وستين يوما عن الكفارة كذا في الفتاوى الظهيرية وعلله في التجنيس بأن الغالب أن الذي يصوم القضاء والكفارة يبدأ بالقضاء، وفيه إشكال للمحقق مذكور في فتح القدير ولو نوى قضاء رمضان والتطوع كان عن القضاء في قول أبي يوسف خلافا لمحمد فإن عنده يصير شارعا في التطوع بخلاف الصلاة فإنه إذا نوى التطوع والفرض لا يصير شارعا في الصلاة أصلا عنده، ولو نوى قضاء رمضان وكفارة الظهار كان عن القضاء استحسانا وفي القياس يكون تطوعا، وهو قول محمد كذا في الفتاوى الظهيرية، وفي الفتاوى البزازية من أكل نهارا في رمضان عيانا عمدا شهرة يقتل؛ لأنه دليل الاستحلال ا هـ. اعلم أن هذا الذنب أعني ذنب الإفطار عمدا لا يرتفع بالتوبة بل لا بد من التفكير؛ ولهذا قال في الهداية وبإيجاب الإعتاق عرف أن التوبة غير مكفرة لهذه الجناية، وتبعه الشارحون وشبهه في غاية البيان بجناية السرقة والزنا حيث لا يرتفعان بمجرد التوبة بل يرتفعان بالحد وهذا يقتضي أن المراد بعدم الارتفاع عدمه ظاهرا أما فيما بينه وبين ربه فيرتفع بالتوبة بدون تكفير؛ لأن حد الزنا يرتفع فيما بينه وبين الله بالتوبة كما صرحوا به، وأما القاضي بعد ما رفع الزاني إليه لا يقبل منه التوبة بل يقيم الحد عليه، وقد صرح الشيخ زكريا من الشافعية في شرح المنهج بارتفاعه بدون تكفير فيما بينه وبين الله - تعالى - وعبر بمن المفيدة للعموم في قوله من جامع أو جومع ليفيد أنه لا فرق في الحكم، وهو وجوب الكفارة بين الذكر والأنثى والحر والعبد ولهذا صرح في البزازية بالوجوب على الجارية فيما لو أخبرت سيدها بعد طلوع الفجر عالمة بطلوعه فجامعها مع عدم الوجوب عليه وكذا لا فرق بين السلطان وغيره ولهذا قال في البزازية: إذا لزم الكفارة على السلطان، وهو موسر بماله الحلال، وليس عليه تبعة لأحد يفتي بإعتاق الرقبة، وقال أبو نصر محمد بن سلام: يفتى بصيام شهرين؛ لأن المقصود من الكفارة الانزجار ويسهل عليه إفطار شهر وإعتاق رقبة فلا يحصل الزجر. (قوله: ولا كفارة بالإنزال فيما دون الفرج) أي في غير القبل والدبر كالفخذ والإبط والبطن لانعدام الجماع صورة وفسد صومه لوجوده معنى كما قدمناه في المباشرة والتقبيل وعمل المرأتين كذلك كما قدمناه، وفي المغرب الفرج قبل الرجل والمرأة باتفاق أهل اللغة، وقوله القبل والدبر كلاهما فرج يعني في الحكم ا هـ. بلفظه يعني لا في اللغة. (قوله: وبإفساد صوم غير رمضان) أي لا كفارة في إفساد صوم غير أداء رمضان؛ لأن الإفطار في رمضان أبلغ في الجناية لهتك حرمة الشهر فلا يلحق به غيره لا قياسا؛ إذ هو ممتنع لكونه على خلاف القياس، ولا دلالة؛ لأن إفساد غيره ليس في معناه، ولزوم إفساد الحج النفل والقضاء بالجماع ليس إلحاقا بإفساد الحج الفرض بل هو ثابت ابتداء لعموم نص القضاء والإجماع. (قوله: وإذا احتقن أو استعط أو أقطر في أذنه أو داوى جائفة أو آمة بدواء، ووصل إلى جوفه أو دماغه أفطر) لقوله عليه السلام: «الفطر مما دخل، وليس مما خرج» رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، وهو مخصوص بحديث الاستقاء أو الفطر فيه باعتبار أنه يعود شيء، وإن قل حتى لا يحس به كذا في فتح القدير فإن قلت: ظاهره أن الخارج لا يبطل الصوم أصلا إلا في الاستقاء، والحصر ممنوع؛ لأن الحيض والنفاس كل منهما يفسد الصوم كما صرح به في البدائع قلت لا يرد؛ لأن إفسادهما الصوم باعتبار منافاتهما الأهلية له شرعا على خلاف القياس بإجماع الصحابة بخلاف الجنون والإغماء بعد النية لا يفسدان الصوم؛ لأنهما لا ينافيان أهلية الأداء، وإنما ينافيان النية كذا في البدائع، والراوية بالفتح في احتقن واستعط أي وضع الحقنة في الدبر وصب السعوط، وهو الدواء في الأنف وبالضم في أقطر والجائفة اسم لجراحة وصلت إلى الجوف والآمة الجراحة وصلت إلى أم الدماغ وأطلق في الإقطار في الأذن فشمل الماء والدهن، وهو في الدهن بلا خلاف وأما الماء فاختار في الهداية عدم الإفطار به سواء دخل بنفسه أو أدخله وصرح الولوالجي بأنه لا يفسد صومه مطلقا على المختار معللا بأنه لم يوجد الفطر صورة، ولا معنى له؛ لأنه مما لا يتعلق به صلاح البدن بوصوله إلى الدماغ، وجعل السعوط كالإقطار في الأذن، وصححه في المحيط، وفي فتاوى قاضي خان أنه إن خاض الماء فدخل أذنه لا يفسد، وإن صب الماء في أذنه فالصحيح أنه يفسد؛ لأنه وصل إلى الجوف بفعله ورجحه المحقق في فتح القدير وبهذا يعلم حكم الغسل، وهو صائم إذا دخل الماء في أذنه، وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد فلو دخل الماء في الغسل أنفه أو أذنه ووصل إلى الدماغ لا شيء عليه ا هـ. ولو شد الطعام بخيط وأرسله في حلقه وطرف الخيط في يده لا يفسد الصوم إلا إذا انفصل، وذكر الولوالجي أن الصائم إذا استقصى في الاستنجاء حتى بلغ مبلغ المحقنة فهذا أقل ما يكون، ولو كان يفسد صومه، والاستقصاء لا يفعل؛ لأنه يورث داء عظيما، وفي الظهيرية ولو أدخل خشبة أو نحوها وطرفا منها بيده لم يفسد صومه قال في البدائع: وهذا يدل على أن استقرار الداخل في الجوف شرط لفساد الصوم، وكذا لو أدخل أصبعه في استه أو أدخلت المرأة في فرجها هو المختار إلا إذا كانت الأصبع مبتلة بالماء أو الدهن فحينئذ يفسد لوصول الماء أو الدهن وقيل إن المرأة إذا حشت الفرج الداخل فسد صومها والصائم إذا أصابه سهم وخرج من الجانب الآخر لم يفسد صومه ولو بقي النصل في جوفه يفسد صومه ا هـ. وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان: وإن بقي الرمح في جوفه اختلفوا فيه والصحيح: أنه لا يفسد؛ لأنه لم يوجد منه الفعل، ولم يصل إليه ما فيه صلاحه وذكر الولوالجي، وأما الوجور في الفم فإنه يفسد صومه؛ لأنه وصل إلى جوف البدن ما هو مصلح للبدن فكان أكلا معنى لكن لا تلزمه الكفارة لانعدام الأكل صورة وعن أبي يوسف في السعوط والوجور الكفارة، ولو استعط ليلا فخرج نهارا لا يفطر، وأطلق الدواء فشمل الرطب واليابس؛ لأن العبرة للوصول لا لكونه رطبا أو يابسا وإنما شرطه القدوري؛ لأن الرطب هو الذي يصل إلى الجوف عادة حتى لو علم أن الرطب لم يصل لم يفسد ولو علم أن اليابس وصل فسد صومه كذا في العناية لكن بقي ما إذا لم يعلم يقينا أحدهما وكان رطبا فعند أبي حنيفة يفطر للوصول عادة وقالا لا لعدم العلم به، فلا يفطر بالشك بخلاف ما إذا كان يابسا، ولم يعلم فلا فطر اتفاقا كذا في فتح القدير، وقوله: إلى جوفه عائد إلى الجائفة وقوله إلى دماغه عائد إلى الآمة، وفي التحقيق أن بين الجوفين منفذا أصليا فما وصل إلى جوف الرأس يصل إلى جوف البطن كذا في النهاية والبدائع ولهذا لو استعط ليلا، ووصل إلى الرأس ثم خرج نهارا لا يفسد كما قدمناه، وعلله في البدائع بأنه لما خرج علم أنه لم يصل إلى الجوف أو لم يستقر فيه. (قوله: وإن أقطر في إحليله لا) أي لا يفطر أطلقه فشمل الماء والدهن، وهذا عندهما خلافا لأبي يوسف، وهو مبني على أنه هل بين المثانة والجوف منفذ أم لا، وهو ليس باختلاف فيه على التحقيق فقالا: لا، ووصول البول من المعدة إلى المثانة بالترشح، وما يخرج رشحا لا يعود رشحا كالجرة إذا سد رأسها وألقي في الحوض يخرج منها الماء، ولا يدخل فيها ذكره الولوالجي وقال: نعم قال: هذا في الهداية، وهذا ليس من باب الفقه؛ لأنه متعلق بالطب والخلاف فيما إذا وصل إلى المثانة أما ما دام في قصبة الذكر فلا يفسد صومه اتفاقا كذا في الخلاصة وعارض به في فتح القدير ما في خزانة الأكمل لو حشا ذكره بقطنة فغيبها أنه يفسد كاحتشائها وأطال فيه وصحح في التحفة قول أبي يوسف ومحمد، وهو رواية عن أبي حنيفة لكن رجح الشيخ قاسم في تصحيحه ظاهر الرواية وقيد بالإحليل الذي هو مخرج البول من الذكر؛ لأن الإقطار من قبل المرأة يفسد الصوم بلا خلاف على الصحيح كذا في غاية البيان، وفي الولوالجية أنه لا يفسد بالإجماع وعلله في فتح القدير بأنه شبيه بالحقنة، وفي شرح المجمع لابن فرشته الإحليل مخرج البول ومخرج اللبن من الثدي. (قوله: وكره ذوق شيء، ومضغه بلا عذر) لما فيه من تعريض الصوم للفساد، ولا يفسد صومه لعدم الفطر صورة ومعنى قيد بقوله: بلا عذر؛ لأن الذوق بعذر لا يكره كما قال في الخانية فيمن كان زوجها سيئ الخلق أو سيدها لا بأس بأن تذوق بلسانها وليس من الأعذار، والذوق عند الشراء ليعرف الجيد من الرديء بل يكره كما ذكره في الولوالجي وتبعه في فتح القدير، وفي المحيط يجوز أن يقال: لا بأس به كي لا يغبن والمضغ بعذر بأن لم تجد المرأة من يمضغ لصبيها الطعام من حائض أو نفساء أو غيرهما ممن لا يصوم، ولم تجد طبيخا، ولا لبنا حليبا لا بأس به للضرورة ألا ترى أنه يجوز لها الإفطار إذا خافت على الولد فالمضغ أولى وأطلق في الصوم فشمل الفرض والنفل، وقد قالوا: إن الكراهة في الفرض أما في الصوم التطوع فلا يكره الذوق والمضغ فيه؛ لأن الإفطار فيه مباح للعذر وغيره على رواية الحسن كذا في التجنيس وتبعه في النهاية وفتح القدير وغيرهما، وفيه بحث؛ لأن المذهب أن الإفطار في التطوع لا يحل من غير عذر فما كان تعريضا له عليه يكره؛ لأن كلامنا عند عدم العذر وأما على رواية الحسن فمسلم وسيأتي أنها شاذة. (قوله: ومضغ العلك) أي ويكره مضغه في ظاهر الرواية لما فيه من تعريض الصوم على الفساد ولأنه يتهم بالإفطار أطلقه فأفاد أنه لا فرق بين علك وعلك في أنه لا يفطر، وإنما يكره، وهو ظاهر الرواية كذا في البيان، والمتأخرون قيدوه بأن يكون أبيض، وقد مضغه غيره أما إذا لم يمضغه غيره، أو كان أسود مطلقا يفطره؛ لأنه إذا لم يمضغه غيره يتفتت فيتجاوز شيء منه حلقه، وإذا مضغه غيره لا يتفتت إلا أن الأسود يذوب بالمضغ فأما الأبيض لا يذوب وإطلاق محمد يدل على أن الكل سواء كذا ذكره الولوالجي في فتاويه واختار المحقق كلام المتأخرين؛ لأن إطلاق محمد محمول عليه للقطع بأنه معلل بعدم الوصول فإذا فرض في بعض العلك معرفة الوصول منه عادة وجب الحكم فيه بالفساد؛ لأنه كالمتيقن ا هـ. وقال فخر الإسلام وعموم ما قال محمد في الجامع الصغير إشارة إلى أنه لا يكره العلك لغير الصائم ولكن يستحب للرجال تركه إلا لعذر مثل أن يكون في فمه بخر ا هـ. وأما في حق النساء فالمستحب لهن فعله؛ لأنه سواكهن، وفي فتح القدير والأولى الكراهة للرجال إلا لحاجة؛ لأن الدليل أعني التشبه يقتضيها في حقهم خاليا عن المعارض، وفي الفتاوى الظهيرية صائم عمل عمل الإبريسم فأدخل الإبريسم في فيه فخرجت خضرة الصبغ أو صفرته أو حمرته، واختلطت بالريق فاخضر الريق أو اصفر أو احمر فابتلعه، وهو ذاكر صومه فسد صومه، وفي المحيط عن أبي حنيفة أنه يكره للصائم المضمضة والاستنشاق لغير الوضوء، ولا بأس به للوضوء وكره الاغتسال وصب الماء على الرأس والاستنقاع في الماء والتلفف بالثوب المبلول؛ لأنه إظهار الضجر عن العبادة، وقال أبو يوسف: لا يكره، وهو الأظهر لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم: «صب على رأسه ماء من شدة الحر، وهو صائم} ولأن فيه إظهار ضعف بنيته وعجز بشريته فإن الإنسان خلق ضعيفا لا إظهار الضجر. (قوله: لا كحل ودهن شارب) أي لا يكره يجوز أن تكون الفاء منهما مفتوحة فيكونان مصدرين من كحل عينه كحلا ودهن رأسه دهنا إذا طلاه بالدهن، ويجوز أن يكون مضموما ويكون معناه، ولا بأس باستعمال الكحل والدهن كذا في العناية، وفي غاية البيان الرواية بفتح الكاف والدال، وإنما لم يكرها لما أنه نوع ارتفاق وليس من محظور الصوم، وقد {ندب صلى الله عليه وسلم إلى الاكتحال يوم عاشوراء وإلى الصوم فيه}، ولا بأس بالاكتحال للرجال إذا قصدوا به التداوي دون الزينة ويستحسن دهن الشارب إذا لم يكن من قصده الزينة؛ لأنه يعمل عمل الخضاب، ولا يفعل لتطويل اللحية إذا كانت بقدر المسنون، وهو القبضة كذا في الهداية وكان ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف رواه أبو داود في سننه وما في الصحيحين عن ابن عمر عنه عليه الصلاة والسلام: «أحفوا الشوارب واعفوا اللحى} فمحمول على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم فيقع بذلك الجمع بين الروايات، وأما الأخذ منها، وهي دون ذلك كما يفعل بعض المغاربة والمخنثة من الرجال فلم يبحه أحد كذا في فتح القدير، وقد صرح في النهاية بوجوب قطع ما زاد على القبضة بالضم ومقتضاه الإثم بتركه واعلم أنه لا تلازم بين قصد الجمال وقصد الزينة فالقصد الأول لدفع الشين وإقامة ما به الوقار وإظهار النعمة شكرا لا فخرا، وهو أثر أدب النفس وشهامتها والثاني أثر ضعفها، وقالوا بالخضاب وردت السنة، ولم يكن لقصد الزينة ثم بعد ذلك إن حصلت زينة فقد حصلت في ضمن قصد مطلوب فلا يضره إذا لم يكن ملتفتا إليه كذا في فتح القدير ولهذا قال الولوالجي في فتاويه: لبس الثياب الجميلة مباح إذا كان لا يتكبر؛ لأن التكبر حرام، وتفسيره أن يكون معها كما كان قبلها ا هـ. (قوله: وسواك وقبلة إن أمن) أي لا يكرهان وقد تقدم حكم القبلة وأما السواك فلا بأس به للصائم أطلقه فشمل الرطب واليابس والمبلول وغيره قبل الزوال وبعده لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء وعند كل صلاة} لتناوله الظهر والعصر والمغرب، وقد تقدم أحكامه في سنن الطهارة فارجع إليها ولم يتعرض لسنة السواك للصائم، ولا شك فيه كغير الصائم صرح به في النهاية والله أعلم.
|